السؤال
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته.
مشكلتي أن كل من حولي يتهمني بأنني إنسانة مترددة كلما أقبلت على شيء جديد أتردد وأحاول أن أترك الموضوع بدلا من الخوض بتجربة قد تنتهي بالفشل، ولا أدري ما السبب لهذا التردد؟
ذهبت لطبيب نفسي قال لي: لا .. لكن مشكلتك بسبب علاقة والديك السيئة ومشاكلهم الكثيرة.
أريد حلا بأسرع وقت حتى أتخلص من هذه المشكلة، إضافة أنني كثيرة الندم على ما فاتني بالماضي بسبب سوء فهمي وعدم نضجي ضاعت مني فرص زواج تتمناها كل فتاة، وأنا نادمة جدا وأشعر بإحباط وتعاسة لأنني لم أحقق ما أريد.
أرجو أن تنصحوني.
الإجابــة
بسم الله الرحمن الرحيم
الأخت الفاضلة/ فاطمة حفظها الله.
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته، وبعد،،،
فبارك الله فيك، وجزاك الله خيرا، ونشكرك على تواصلك مع إسلام ويب.
فإن مشكلة التردد موجودة لدى الكثير من الناس، ودرجة التردد تتفاوت من إنسان لآخر، والتردد إذا كان بدرجة بسيطة ومعقولة لا بأس به مطلقا، بل قد يكون مفيدا لأنه يمنع الإنسان من أن يكون متهورا ومندفعا في قراراته، ولكن التردد إذا كان بدرجة شديدة لا شك أنه معيق، وهنا يعتبر درجة من درجات الوساوس القهرية، حيث إن الشخصية الوسواسية تتميز بكثرة التردد.
وما ذكره لك الطبيب النفسي عن أن السبب في هذا التردد يرجع إلى سوء العلاقة بين والديك ومشاكلهم الكثيرة، فأنا قد لا أتفق مع هذا التفسير بالرغم من إدراكي التام أن البعض يرجع التصرفات الوسواسية خاصة التردد إلى التنشأة، لكن لا نستطيع أن نحمل العلاقة الوالدين كل سلوك يكون سالبا أو يسبب صعوبات لصاحبه.
وعموما التوجه النفسي الصحيح هو أن الإنسان يجب أن ينظر إلى حاضره ومستقبله، ولا يتخذ الماضي ذريعة أو وسيلة لأن يفسر من خلالها إخفاقاته أو مشاكله الآنية.
لا نستطيع أن نتجاهل الماضي بالطبع، ولكن الرؤيا الصحيحة هو أن ينظر للماضي على أنه عبرة، على أنه تجربة ويستفاد منها، نحن نلاحظ ونشاهد ونعايش أن الكثير من الناس قد يكون مر بظروف صعبة جدا في طفولته، ولكن بالرغم من ذلك تجده يعيش حياة نفسية واجتماعية متوازنة جدا، وبنفس المستوى قد تجد من عاش طفولة هانئة وعلاقة والديه في ظاهرها ممتازة، ولكن بالرغم من ذلك تحدث لهم الكثير من المشاكل والصعوبات النفسية.
إذن البيئة الحاضنة في أيام الطفولة قد تكون مهمة في تكوين شخصية الإنسان وتطوير سلوكه، ولكنها قطعا لا تفسر كل شيء، وحتى إن كان لهذه البيئة دور يجب ألا ننظر إليها أكبر من أنها تجربة نستفيد منها.
الشعور بالندم والحسرة على ما مضى والفرص التي ضاعت هو دليل على وجود قلق ووجود التردد كعامل معيق لاتخاذ القرارات السليمة، والشعور بالإحباط والتعاسة في نظري هو تفاعل ثانوي ناتج من هذا التردد والقلق الذي ظل مسيطرا على حياتك وعلى شخصيتك.
أولا الحلول تكمن في أن تسترشدي بطاقاتك النفسية الداخلية، وهي أن تتدارسي الخيارات التي أمامك بكل تركيز وثقة بأن الإنسان لا يستطيع أن يتخذ قرارا متكاملا، فقط عليه أن يبذل كل ما يمكن من تحوطات، وعلى الإنسان أن يلجأ إلى الاستخارة، فالاستخارة هي وسيلة طيبة، حيث من خلالها يبذل الإنسان جهدا وبعد ذلك يفوض أمره إلى الله، وهذا في رأيي يبعث على الطمأنينة وعلى اتخاذ القرار السليم.
فالذي أنصحك به هو أن تتدارسي الخطوات التي تودين اتخاذها، فعلى سبيل المثال: إذا كانت هنالك فكرة معينة حيال موضوع معين وتريدين الاختيار السليم، ضعي ثلاثة أو أربعة احتمالات، قطعا بين هذه الاحتمالات، هنالك احتمالات أقرب وأوقع وأكثر احتمالية، وهنالك احتمالات أضعف، فيمكنك استبعاد ما ترينه غير مناسب من خطوات أو قرارات، وبعد ذلك يكون الاختيار بين أمرين أو ثلاثة، وهذا بالطبع ليس بالصعب.
هذا هو الذي أنصحك به، وعليك أن تعيشي حياتك الحاضرة بقوة وبأمل، وكذلك المستقبل بأمل ورجاء..
فرص الزواج التي ضاعت، فإن شاء الله ما هو آت أكثر منها، وسلي الله تعالى أن يرزقك الزوج الصالح، وعسى أن تكرهوا شيئا وهو خير لكم، وعسى أن تحبوا شيئا وهو شر لكم.
الندم فيما مضى ليس أمرا سليما وليس مفيدا، والحمد لله أنت في بدايات سن الشباب، وإن شاء الله الفرص الأفضل سوف تكون آتية، وما مضى لم يقسم لك؛ لأنه ربما يكون ليس فيه خير لك، فلا تحزني ولا تتحسري ولا تتأسفي، وعيشي حياتك بقوة كما ذكرت لك.
سوف تجدين فائدة كبيرة جدا في تنظيم وقتك، إدارة الوقت نحن نركز عليها كثيرا، لأننا نرى أنها من سبل ووسائل النجاح، فحاولي أن ترتبي وقتك، أن تنظمي وقتك، وأنت ما دام لديك شيء من الميول الوسواسي – ويظهر ذلك في التردد – فسيكون من السهل لك أن تتطبعي على نمط جيد في إدارة الوقت؛ لأن أصحاب الوساوس يعرف عنهم أيضا أنهم يديرون أوقاتهم بصورة جيدة.
بقي أن أصف لك دواء محسنا للمزاج مزيلا للقلق، يحسن من دافعيتك، ويؤدي إلى زوال هذا التردد الذي أرى أن طبيعته ومنشأه نوع من الوساوس القهرية كما ذكرت لك، والدواء الذي سوف أصفه لك يعرف بأنه مضاد قوي جدا للوساوس، الدواء يعرف علميا (فلوكستين Fluoxetine)، ويسمى تجاريا باسم (بروزاك Prozac)، أرجو أن تتناوليه بجرعة كبسولة واحدة في اليوم، يفضل تناوله بعد الأكل، استمري على هذه الجرعة لمدة ستة أشهر، ثم خفضي الجرعة إلى كبسولة واحدة كل يومين لمدة شهر، ثم توقفي عن تناول الدواء.
أسأل الله لك العافية والتوفيق والسداد، ولا تأسي على ما فاتك أبدا، فإن شاء الله الخير كله في المستقبل.
وبالله التوفيق.