السؤال
السلام عليكم
سأصبح طبيبة بإذن الله، ومن المؤكد أنني سأرى أشياء مقززة كثيرة، فكيف يمكنني أن أصبح متبلدة المشاعر والأحاسيس، وأن أكون قوية القلب أمام المواقف الشديدة، وأن أرى الأشياء المقززة والمخيفة دون أن يلتفت قلبي لذلك؟!
علما بأني لا أريد أن أحب، ولا أريد أن أجرب الحب إطلاقا، ولا أريد أن يتعلق قلبي بأحد، أريد أن أعيش مرتاحة البال، وبنفس الوقت لا أريد أن أتخلى عن الإنسانية والحب المعقول - أي لأهلي وأمي وصديقاتي ... إلخ -، ولا أريد أن يؤثر الكلام المعسول بي أو أن يضرب وتر قلبي، ولا أريد أن يلعب أحد بمشاعري، فأنا إنسانة أتعظ بأغلاط غيري، ولن أرتكب جرما عملته فتاة قبلي، فما هو الحل معي؟!
وأيضا لا أريد أن أكون حساسة، أريد أن أكون صلبة كالصخرة وقوية جسديا ونفسيا، ولا أريد هذا كله في كل لحظة من لحظات حياتي، بل أريده وقت الحاجة، وأن تكون الصفة الغالبة علي.
وشكرا.
الإجابــة
بسم الله الرحمن الرحيم
الأخت الفاضلة/ طموح حفظها الله.
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته، وبعد:
فإنه ليس هناك حلا سهلا أو بسيطا لهذه الأسئلة التي طرحتها في رسالتك، ولا أقول لك أنك تسألين عن المستحيل، ولكن مشاعر الإنسان لا يمكن أن توجه حسب ما يريد، فالمشاعر هي انعكاس في شخصية الإنسان، انعكاس لوجدانه، انعكاس لقيمه، لتكوينه الهرموني وتكوينه البيولوجي، وبيئة الإنسان ومحيطه ومعتقداته لا شك أنها تؤثر أيضا في أحاسيسه ومشاعره.
إذن المشاعر هي وليدة للظروف البيئية التي يعيش فيها الإنسان، وكذلك المميزات والصفات والسمات الشخصية المختلفة للإنسان، والمحدد الثالث لمشاعر الإنسان وأحاسيسه وتفاعلاته هي نوعية الحدث، فالإنسان يتفاعل مع الحدث حسب حجمه ونوعه وأهميته الشخصية بالنسبة له.
وبصفة عامة يجب أن يكون الإنسان متوازنا في مشاعره، يجب أن يحزن للحزن، يجب أن يفرح للفرح، ويجب أن تتسم مواقفه بالحيطة والشجاعة في المواقف التي تتطلب ذلك، والوسيلة الوحيدة في نظري هي أن يعرف الإنسان قيمة مشاعره وقيمة تصرفاته والنتائج التي سوف تحدث أو تكون وليدة لتصرفه، فمثلا إذا عبر الإنسان عن أحزانه بصورة هسترية في موقف لا يتطلب ذلك، قطعا هذا سوف يضعف من شخصيته أمام الآخرين، وإذا عبر أيضا عن أفراحه بصورة مطلقة وغير كيسة، هذا أيضا له تبعات اجتماعية وشخصية سيئة.
فاسعي نحو النضوج النفسي والنضوج الاجتماعي، وبعد ذلك سوف تجدين أن مشاعرك أصبحت يعبر عنها حسب الموقف بصورة معقولة ومتوازنة ومنضبطة.
النضوج النفسي والنضوج الوجداني يأتي بزيادة المعلومات والإطلاع، والالتزام الديني لا شك أنه يعلم الإنسان الانضباط والجوانب الجادة في الحياة ويجعل في قلبه الرحمة والعطف، كما أن الدين هو مصدر أساسي لأن يتعلم الإنسان منه كيفية مواجهة الابتلاءات وما هو الصبر وما هو قيمة الصبر.
هذه قيم أساسية أنصحك بالتزود بها، أي الإطلاع، رفع المقدرات الثقافية والمعرفية والعلمية، والالتزام بما ورد في ديننا الحنيف من كيفية التعامل مع الآخرين، وكيفية مواجهة الصعاب، والإسلام لم يترك شيئا في حياة الناس، خاصة في جانب المعاملات والتصرف حسب ما يقتضيه الموقف.
ليس لدي ما أقوله أكثر من ذلك، فالمشاعر والوجدان لا يمكن أن يوجهها الإنسان التوجيه الصحيح إلا إذا كان البناء النفسي لشخصيته ثابتا وقويا وجادا، وهذا لا يأتي إلا باكتساب المعارف وبالالتزام والتزود بفقه المعاملات والصبر، وحتى التعبير عن الفرح له ضوابطه في ديننا الحنيف.
وأنصحك نصيحة مهمة وهي أن لا تسعي أبدا أن تكوني متبلدة المشاعر، هذا خارج النطاق الإنساني، فإن الرحمة مطلوبة ومأمورين بها كما قال صلى الله عليه وسلم: (ارحموا من في الأرض يرحمكم من السماء)، وقال: (إنها رحمة يقذفها الله في قلوب من شاء من عباده).
وأما ما وصفته بالمواقف المقززة والمخيفة التي يواجهها الأطباء دون أن يلتفتوا لذلك؟ فهذا ليس صحيحا، فإن الطبيب الذي ليس في قلبه رحمة يجب أن لا يكون طبيبا، إنما الطبيب يتصرف بمسئولية حيال المواقف الصعبة، والتي ربما تكون مخيفة للآخرين، ويجب أن ينطلق من مسئوليته المهنية حتى يقدم الخدمة المطلوبة لمن يحتاجها، فإني أعرف الكثير من الأطباء يتأثرون بالمواقف ولكنهم لا يظهرون هذا التأثر انطلاقا من المسئولية الملقاة عليهم، وهذا هو المطلوب.
الإنسان مشاعر وأحاسيس ونحن لا ندعو للتبلد، ولا ندعو للمبالغة ولا للتهوين أو التهويل في المواقف، هذا كله في نظرنا اضطراب ويمثل انحراف وجداني وسلوكي، وختاما نشكرك على تواصلك مع إسلام ويب، ونهنئك بشهر رمضان الكريم.
وبالله التوفيق.