علاج الوسواس القهري في الطهارة والصلاة

0 1018

السؤال

السلام عليكم.

أنا طالبة جامعية وأعاني كثيرا من وسوسة في الصلاة وفي الوضوء، يهيأ لي كثيرا أن وضوئي انتقض فأعيده مرتين وثلاثا، وفي الصلاة أظل أكرر البسملة والفاتحة والتشهد الأخير، نصحني أبي كثيرا وجعلني أصلي أمامه، وطبعا من خوفي لم أعد شيئا، لكن رجعت أكرر مما جعل أبي يبهذلني، كما أني أصلي بصوت عال حتى أتأكد فأزعج من حولي وأجهد نفسي وأكون بعد الصلاة مجهدة تماما، كما أني أغتسل بشكل شبه يومي، لأني لا أفرق بين المني والمذي، فأجد في ملابسي نقاطا لونها أبيض مائلا للصفرة وفيها بعض اللزوجة، خاصة بعد ما أرجع من الجامعة أو من مشوار وتزداد في الحر، فأقوم بالاغتسال فورا، وعندما أقابل أحدا أو أتذكر شيئا يحاول الشيطان أن يذكرني بالشهوة وأظل أستعيذ عندئذ، فإذا رجعت للبيت جعل يقنعني أن علي أن أغتسل رغم أنني لا أحس بأي شهوة، بل على العكس أظل أستعيذ عندها وأظل خائفة وقلقة، ودائما أفتش في ملابسي، وإذا شكيت بشيء فورا أغتسل، أصبحت لا أجد وقتا للدراسة وأهمل الصلاة وأضيع وقتا وجهدا كبيرين غير التفكير المستمر، هل أنا على خطأ أم لا؟
ساعدني يا شيخ أرجوك فأنا تدمرت، ومن حولي يتضايقون من تصرفي، وتعبت كثيرا ولا أستطيع الاستمرار، لا أريد أن يغضب الله مني.

الإجابــة

بسم الله الرحمن الرحيم
الأخت الفاضلة/ هديل حفظها الله.
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته، وبعد:

فبارك الله فيك، وجزاك الله خيرا، ونشكرك على تواصلك مع إسلام ويب، وهذه وساوس قهرية وليست أكثر من ذلك، والوسواس القهري أتفق معك أنه مزعج ولكنه ليس مرضا خطيرا، حيث إنه يعتبر من أمراض القلق النفسي الخاصة، ويعرف أن الوساوس تنمو وتترعرع في بيئة الناس، وتكون متعلقة بمعتقدات الناس.

الوساوس مكتسبة، وهي ليست أمرا فطريا أو غريزيا، والأمر المكتسب يمكن أن يفقد بما يعرف بالتعليم المضاد، أي أن يغير السلوك، وأهم أمر في تغيير السلوك هو السعي لتحقير الوسواس، وأنا أركز كثيرا على كلمة (تحقير) وهذه تتطلب أن يجلس الإنسان مع نفسه، وأن يراجع نفسه، أن يحاول ربط نفسه بالواقع، وهذا يتأتى من خلال الحوار الداخلي: (ما الذي يجعلني أقوم بذلك؟ هذا مجرد وسواس، هذا قلق) الإنسان يستعيذ بالله من الشيطان الرجيم ومن هذا الأمر ولا يتبعه أبدا.

نعم أعرف أن الأمر قد لا يكون بهذه السهولة والبساطة، ولكن أصول علم النفس السلوكي تقول أن يعرض الإنسان نفسه لمصدر وسواسه دون أن يستجيب استجابة سلبية، والتجاهل والتحقير هي من أصول التطبيقات السلوكية التي تؤدي إلى تعديل السلوك.

بعد ذلك توجد تمارين سلوكية معينة، مثلا فيما يخص الوضوء: أولا الوضوء: من أفضل طرق معالجة الوساوس هو ألا تتوضئي من الصنبور – من ماء الحنفية – إنما تحددي كمية معقولة من الماء في إناء، وتتصوري أن هذا هو الماء الوحيد الموجود بالنسبة لك، لا يوجد أي ماء آخر في حوزتك، وتبدئي بعد ذلك في الوضوء، وحين تبدئين في الوضوء - بعد النية والبسملة – تغسلي يديك وتقولي (أنا الآن أغسل يدي وقد انتهيت من ذلك) (أنا الآن أتمضمض) (أنا الآن أستنشق) (أنا الآن أستنثر) وهكذا، أي أنك تؤكدين لنفسك حقيقة أنك قد قمت بالفعل، وتعرفين أن كمية الماء محدودة، وقد تستغربين أن النبي صلى الله عليه وسلم كان يتوضأ بالمد ويغتسل بالصاع، وفي رواية كان يتوضأ بثلثي مد.

هذا التمرين إذا طبقته يوميا بواقع خمس صلوات، أنا متأكد تماما أنك في ظرف أسبوعين أو ثلاثة سوف تقضين تماما على وساوسك.

ونفس التمارين تطبق في الصلاة، وقد أفتى العلماء الأفاضل أن صاحب الوسواس من أصحاب الأعذار ويجب ألا يعيد صلاته، هذا هو الأصل في الأمر، أي حينما أعرف أنني حتى لو كنت مترددا أو أن هنالك خطأ في صلاتي فأنا لن أقوم بإعادة الصلاة، بمعنى آخر: أن تكون لي قناعة مسبقة بأني لن أعيد الصلاة، مهما جرني الوسواس نحو ذلك، إذن هذا هو ما نسميه بالتوجه أو العلاج المعرفي التطبيقي للوساوس.

ولا شك أن اتباع الآخرين في الصلاة جيد، ولكن يجب ألا يكون في جميع الصلوات؛ لأن الاعتمادية المطلقة لا تكسر حاجز الوساوس، أو أنها تكسره لفترة مؤقتة فقط.

فيما يخص النجاسة والإكثار من الاغتسال، هذه أيضا تعالج بتحقير الفكرة، وأن أحاول أن أبني على اليقين، وألا تغتسلي، وأنا أنصح أيضا بتحديد كمية الماء في الحمام، وقد وجد أنه نافع، نافع لكثير من الناس، هذا هو الذي أقوله لك فيما يخص العلاج السلوكي.

قد قصدت أن أتحدث عن البشرى الكبرى في نهاية الاستشارة، وهي العلاج الدوائي، العلاج الدوائي أصبح الآن فعالا وقد خلص – الحمد لله – معظم مرضى الوساوس من وساوسهم، والعلاج الدوائي إذا دعمه الإنسان بالعلاج السلوكي فالنتائج رائعة جدا، ونحن الآن بفضل الله تعالى نعرف أنه توجد أدوية غير إدمانية وغير تعودية، ولا تؤثر على الهرمونات النسوية؛ لأن هذا مهم في مثل عمرك، إذن نحن الآن أمام فتح عظيم وهو رحمة من الله تعالى علينا، وهي هذه الأدوية موجودة وفعالة وسليمة وغير إدمانية.

أرجو ألا تحرمي نفسك من هذه الأدوية، وأنا في مثل حالتك أرى أن الدواء المشهور الذي يعرف علميا باسم (فلوكستين Fluoxetine)، ويسمى تجاريا باسم (بروزاك Prozac) سيكون علاجا جيدا، أرجو أن تبدئي في تناوله بجرعة كبسولة واحدة - أي عشرين مليجراما - يوميا، يمكنك أن تتناوليها صباحا أو مساء لمدة شهر، ثم بعد ذلك ترفعين الجرعة إلى كبسولتين في اليوم، واستمري عليها لمدة ستة أشهر، وهذه الجرعة وسطية، بعد ذلك ارفعيها إلى ثلاث كبسولات في اليوم، وهذه جرعة أيضا وسطية أو فوق وسطية، حيث إن الجرعة القصوى هي أربع كبسولات في اليوم.

تناولي هذه الجرعة (ثلاث كبسولات) لمدة ستة أشهر أيضا، بعد ذلك خفضي الجرعة إلى كبسولتين في اليوم لمدة ستة أشهر أخرى، ثم إلى كبسولة واحدة في اليوم، أود منك أن تتناوليها لمدة عام ونصف كجرعة وقائية، وهذه ليست مدة طويلة أبدا،وليس لدينا ما نخافه، لأني كما ذكرت لك بأن الدواء دواء سليم جدا.

أرجو أن تبدئي في تناول العلاج، وأن تطبقي التمارين السلوكية التي ذكرتها لك، وأنا على ثقة كاملة أنك إن شاء الله سوف تتخلصين من هذه الوساوس، كما أن المزاج لديك سوف يتحسن، وإن شاء الله يكون أداؤك الدراسي والجامعي قد تحسن أيضا.

البروزاك كما ذكرت لك هو من أفضل الأدوية أو من أفضلها، وتوجد أدوية أخرى ممتازة أيضا مثل عقار يعرف تجاريا باسم (فافرين Faverin) ويعرف علميا باسم (فلوفكسمين Fluvoxamine)، ومثل عقار باسم (باروكستين Paroxetine) ويعرف تجاريا باسم (زيروكسات Seroxat)، ومثل عقار تجاريا باسم (زولفت Zoloft) أو (لسترال Lustral) ويسمى علميا باسم (سيرترالين Sertraline). ولكن في نظري البروزاك جيد لأنه قليل الآثار الجانبية، ولا يؤدي إلى أي نوع من الشعور بالخمول، كما أنه لا يؤدي إلى زيادة في الوزن.

نسأل الله لك الشفاء والعافية، والتوفيق والسداد.
=============
يمكنك الاستفادة من هذه الاستشارات حول العلاج السلوكي للوساوس القهرية في الصلاة والطهارة:
(262448 - 262925 - 262925 - 261359 - 262267)

مواد ذات صلة

الاستشارات