علامات رضا الله تعالى عن العبد

0 612

السؤال

السلام عليكم، لن أكثر عليكم، أنا فتاة عادية جدا في عبادتي، ولكن لا أعلم إن كان ما سأطرحه عليكم يعد مشكلة أم لا، وهي أن ثقتي بالله كبيرة، أقصد رغم أنني أخطأ كثيرا، إلا أنني دوما أدعو الله أن يكون راضيا عني، وأشعر بالفعل برضاه علي وأدعوه أيضا ألا يبعدني عنه مهما أخطأت، وأن أعود دوما إلى سبيله، وحتى بالنسبة للحساب فأملي بالجنة كبير، فالكثير حولي يقولون: إننا سنتعذب ولو بنفحة من النار، وأنا أخالفهم فيما يعتقدون، فأنا آملة بالله أنه راض عني، وجزيتم خيرا.

الإجابــة

بسم الله الرحمن الرحيم
الأخت الفاضلة/ حفظها الله.
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته وبعد،،،

فإنه ليسرنا أن نرحب بك في موقعك إسلام ويب، فأهلا وسهلا ومرحبا بك، وكم يسعدنا اتصالك بنا في أي وقت وفي أي موضوع، ونسأل الله - العلي الأعلى - بأسمائه الحسنى وصفاته العلى أن يبارك فيك، وأن يثبك على الحق، وأن يهديك صراطه المستقيم، وأن يوفقك في دراستك، وأن يجعلك من الصالحات القانتات المستقيمات على هديه وسنة نبيه صلى الله عليه وسلم .

وبخصوص ما ورد برسالتك – ابنتي الكريمة الفاضلة – فإن هذا مما لا شك فيه أمر عظيم أن يحسن العبد الظن بالله تعالى، وأن تكون ثقته بالله تبارك وتعالى كبيرة؛ لأن هذا إن دل على شيء فإنما يدل على أن الله تبارك وتعالى قد شرح صدر العبد إلى محبته وإلى معرفة بعض صفاته وأسمائه جل جلاله سبحانه، والله تبارك وتعالى كما ورد في الحديث قال: (أنا عند ظن عبدي بي)، فإذا ظن العبد بالله تبارك وتعالى خيرا قطعا سيجد الخير كله، ولذلك ورد في الحديث: (فلا يظن عبدي بي إلا خيرا).

فينبغي على المسلم فعلا أن يحسن الظن بالله تعالى في جميع الأحوال، وأن يعلم أن الله تبارك وتعالى لطيف وأن الله بر وأن الله رحمن رحيم وأن الله ودود وأن الله محسن وأن الله كريم وأن الله حليم وأن الله صبور، يعلم هذه الصفات التي تجعله يحب الله تبارك وتعالى من قلبه بل ومن كل قلبه؛ لأنه يعلم أنه لا يوجد أحد أبر به ولا أرحم به ولا ألطف به من الله - تبارك وتعالى -، فيحسن الظن بالله ويعلم أن الله على كل شيء قدير وأن الله - تبارك وتعالى جل وعلا – أول ما خلق خلق القلم فقال له: (اكتب) قال: وما أكتب؟ قال: (اكتب إن رحمتي سبقت غضبي).

إلا أن هذه الثقة الكبيرة وحسن الظن به لا ينبغي أن يكون مبنيا على فراغ وعلى معصية، فالعبد الذي يحسن الظن بالله تعالى لابد أن يحسن العمل، ولذلك كما ورد في كلام النبي عليه الصلاة والسلام: (لا يموتن أحدكم إلا وهو يحسن الظن بالله تعالى).

إلا أنه كما ورد في كلام أهل العلم: ليس الإيمان بالتحلي ولا بالتمني ولكن ما وقر في القلب وصدقه العمل، وكما ورد أيضا في كلام أهل العلم: كذب قوم يحسنون الظن بالله، ولم يحسنوا العمل.

إذن المطلوب منك أمام هذه الثقة الكبيرة وهذه المحبة وهذه الرحمة أن تكوني أكثر طاعة واستقامة؛ لأنك إذا كنت تحبين الله حقا فكيف تخالفين أمره، أنت تقولين أن ثقتك بالله كبيرة رغم أنك تخطئين كثيرا، نقول: هذا من سوء الأدب، فإن من الأدب مع الله تبارك وتعالى ما دمت تحبين الله ألا تخالفي أمره، ولذلك لو أنك الآن قلت لأبيك إني أحبك حبا عظيما ثم طلب منك شيئا فلم تفعليه وطلب منك شيئا آخر فلم تفعليه، وكلما طلب منك شيئا لا تنفذين أوامره لا يمكن لأبيك أن يصدقك أبدا؛ لأنه يقول هذا كذب، كيف تزعمين أنك تحبينني وتخالفين أمري؟! ولذلك كما ورد في قول الشاعر:

لو كان حبك صادقا لأطعته *** إن المحب لمن يحب مطيع

فإذن المطلوب منك - بارك الله فيك – أن تجتهدي في التقليل من المعاصي إلى أبعد حد؛ لأن هذه المعاصي لا يحبها الله، والله تبارك وتعالى لا يحب العصاة ولا يحب الظالمين ولا يحب المعتدين ولا يحب الكاذبين ولا يحب الذين يسيئون الأدب معه، فإذن ثقتك كبيرة في الله تبارك وتعالى هذا شيء رائع، ولكن ينبغي أن يترتب عليها حسن العمل وأن يترتب عليها الحياء من الله وأن يترتب على هذه الثقة أنك تجتهدي ألا تقعي فيما لا يرضي الله سبحانه.

تقولين أنك دائما تسألين الله تعالى أن يكون راضيا عنك وتشعرين بالفعل برضاه؟ وأنا أقول لك - بارك الله فيك - : إن من علامات الرضى أن يعينك الله على الطاعة، من علامات الرضى أن يوفقك الله تبارك وتعالى للطاعة وأن يباعد بينك وبين المعصية، هذه علامات الرضى، أما كون الرضى علامات الرضى أنني أرتكب الذنب وأن الله يستر علي مرة بعد مرة، هل من علامات الرضا أنني أقع في المعاصي والله عز وجل يفضحني أو لا يفضحني؟ هذا ليس صحيحا، هذا استدراج من الله تبارك وتعالى.

علامة الرضى الحقيقية أن يعيننا الله تبارك وتعالى على طاعته وأن يوفقنا لأعمال أهل الإيمان، فإذن هذا هو المعيار، أما ما سوى ذلك فهذا كله من عمل الشيطان، تشعرين برضى الله تعالى عنك إذا كنت معانة على الطاعة، إذا كنت مستقيمة على منهج الله؛ لأن الله قال: (( ويزيد الله الذين اهتدوا هدى ))[مريم:76]، وقال أيضا:(( والذين اهتدوا زادهم هدى وآتاهم تقواهم ))[محمد:17] إذن هذه علامات الرضى الحقيقية، أن تحافظي على أداء الصلوات الخمس في أوقاتها، أن تكوني ملتزمة بالحجاب الشرعي، ألا تكون لك علاقات مع الرجال من أي نوع ما داموا ليسوا لك من المحارم وليس أحدهم زوجا لك، أن تكوني بعيدة عن الغيبة والنميمة والكذب إلى غير ذلك، ألا تنظري إلى الأشياء التي لا ترضي الله عبر أجهزة الإعلام، أن تحافظي على وقتك من أن يضيع فيما لا يرضي الله تعالى، هذه أكبر علامة من علامات الرضى أن تجدي نفسك وقد أعانك الله تبارك وتعالى على الطاعة وعلى أعمال الخير والإيمان.

أما ما سوى ذلك أن الله يعطيك أموالا، أن الله يعطيك جمالا، أن الله يعطيك صحة، أن الله يجعلك شخصية محبوبة، ولكنك عاصية، هذه ليست من علامات الرضى، وإنما هذا استدراج، علامات الرضى الحقيقية إذا رضي الله عنا أعاننا على طاعته حتى نكون من أهل الجنة.

وكون أملك في الله كبير أن الله يجعلك من أهل الجنة هذا شيء عظيم، وهذا كما ذكرت لك أن النبي عليه الصلاة والسلام يقول: (لا يموتن أحدكم إلا وهو يحسن الظن بالله تعالى)، فالإنسان مطالب أن يحسن الظن بالله تبارك وتعالى دائما أبدا، ولكن لابد أن يحسن العمل؛ لأن الذي ينجي الله من عذاب الله إنما هي الطاعة، والذي يوقع العبد في نار جهنم إنما هي المعصية، كما قال صلى الله عليه وسلم: (أكثر ما يدخل الناس الفم والفرج).

فكونك تقولين أن أملك في الله كبير أن الله لن يعذبك، نقول نعم إن الله على كل شيء قدير، ولكن الله وعدنا وبين لنا في القرآن أنه لا يعذب أهل الصلاح وأهل الاستقامة وأهل الدين وأهل المحبة والأدب معه، أما العصاة فإن الله تبارك وتعالى يعذبهم أو يغفر لهم، ولذلك قال النبي عليه الصلاة والسلام: (كل أمتي يدخلون الجنة إلا من أبى. قيل: ومن يأبى يا رسول الله؟ قال: من أطاعني دخل الجنة، ومن عصاني فقد أبى)، والله تبارك وتعالى يقول: (( فمن اتبع هداي فلا يضل ولا يشقى * ومن أعرض عن ذكري فإن له معيشة ضنكا ونحشره يوم القيامة أعمى ))[طه:123-124]، ويقول تبارك وتعالى: (( إن الذين آمنوا وعملوا الصالحات إنا لا نضيع أجر من أحسن عملا ))[الكهف:30]، ويقول سبحانه: (( والعصر * إن الإنسان لفي خسر * إلا الذين آمنوا وعملوا الصالحات وتواصوا بالحق وتواصوا بالصبر ))[العصر:1-3].
فأقول لك – يا بنيتي – : إن الثقة في الله عز وجل الكبيرة هذا شيء طيب، وحسن الظن بالله والشعور برضى الله هذا شيء رائع، ولكن لابد أن يقابل ذلك الطاعة والاستقامة والاجتهاد في العبادة والدعوة إلى الله تعالى، وأن تكوني إسلاما متحركا يمشي على الأرض بالطاعة والاستقامة، حتى تكونين أسوة وقدوة حسنة لزميلاتك، وأن تكوني علامة طيبة على هذا الدين العظيم.

أسأل الله لك التوفيق والسداد، وأن يفتح عليك فتوح العارفين، وأن يشرح صدرك للإيمان، وأن ينور حياتك بالقرآن، هذا وبالله التوفيق.


مواد ذات صلة

الاستشارات