السؤال
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته.
حدث أن قمت مستيقظا من نومي للذهاب إلى الحمام لأتبول، وأثناء كنت أفعل ذلك شعرت فجأة بغثيان شديد وكأنني سأتقيأ ولكنني لم أفعل، ثم ذهبت لأتناول بعض الماء، ولكنني سقطت على الأرض مغشيا علي غير قادر على حمل رجلي، وإحساس بضعف شديد، ولم يستمر ذلك أكثر من دقيقة أو دقيقتين، وعندما قمت وجدت وجهي شاحبا بعض الشيء ثم قمت لأتقيأ، وكانت رائحته كريهة جدا وطعمه مر، بعد ذلك ببضع شهور كنت مصابا بأنفلونزا شديدة وشعرت ببعض الاضطرابات في المعدة، وذهبت إلى الحمام لأتقيأ وأرغمت نفسي على ذلك، ولكن لم ينزل شيء حتى شعرت بألم في صدري ثم أغمي علي أيضا لمدة دقيقة أو دقيقتين وفقدت كل قواي، حتى استلقيت على السرير فشعرت بتحسن على الفور.
هذا الموضوع يقلقني جدا حتى أنني الآن أخشى أن يحدث لي هذا في أي وقت أو في عملي مثلا.
علما بأنني كنت قد ذهبت إلى دكتور أمراض قلبية منذ أربع سنوات لأنني كنت أعاني من نوبات هلاعية وقام بعمل رسم قلب، وقال لي: إنني بخير، وأنه لا حاجة لعمل أية إشاعات أو تحليل إضافية، وقام بوصف مضاد اكتئاب لمدة شهر.
والآن أنا أعيش حالة من التوهم المرضي شديدة جدا وقلق شديد، حتى أنني أصبحت أخاف أن أقوم بأي مجهود زائد وتركت رياضاتي خوفا من الإغماء أو الموت المفاجئ الذي يحدث للاعبي كرة القدم مؤخرا.
أرجو منكم إفادتي ولكم جزيل الشكر.
الإجابــة
بسم الله الرحمن الرحيم
الأخ الفاضل/ Tamer حفظه الله.
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته، وبعد:
فبارك الله فيك، وجزاك الله خيرا، ونشكرك على تواصلك مع إسلام ويب، ونسأل الله لك الشفاء والعافية.
فإن ما وصفته من نوبات وفقدان مفاجئ في الوعي والإدراك هي حالة معروفة ومرتبطة بالجهاز اللاإرادي للإنسان، وهذه الحالات تكون ناشئة في انخفاض في ضغط الدم، هذا الانخفاض قد يحدث عند تغير وضع الإنسان مثلا حين يكون الواحد منا في وضع استرخائي على سريره، هنا يكون ضغط الدم غالبا في وضع يناسب الوضع الاسترخائي، وقد يكون الضغط منخفضا بعض الشيء، وحين ينهض الإنسان من سريره هذا يعرف عنه أنه يؤدي أيضا إلى تغير في ضغط الدم، وهذا التغير يكون تغيرا بسيطا وعرضيا جدا، والتغير يكون في شكل انخفاض مما يؤدي إلى هذه النوبات من فقدان الوعي.
وهذه النوبات لها مكونات نفسية أيضا وعصبية، وتسمى باللغة الإنجليزية بـ (Vasovagal)، وهذا يعني أن الأوعية الدموية تتأثر بوضع العصب العاشر وهو الذي يتحكم لدرجة كبيرة في ضربات القلب.
أنا أؤد أن أؤكد لك أن هذا الذي يحدث هو عملية فسيولوجية وليست مرضية، هذا هو الذي أود أن أوصله لك، وأؤكد لك أن هذه الحالات لا علاقة لها مطلقا بمرض القلب أو خلافه، نعم هنالك مؤثرات مختلفة تؤدي إلى إثارة مثل هذه الحالات، فمثلا البعض حين يرى منظرا ليس مريحا بالنسبة له، والبعض حين يشاهد الدم مثلا تحدث له هذه النوبات من فقدان الوعي، وبعض الناس لا يستطيع تحمل المظاهر التي تتطلب موقفا فيه شيء من الشجاعة عند مشاهدة – على سبيل المثال – حادث مروري أو خلافه، ويكون في هذا الحادث بعض الإصابات، البعض قد لا يتحمل مثل هذه المواقف، والصعود إلى الأعلى مثلا، بعض الناس أيضا قد تحدث لهم هذه التفاعلات.
وفي حالة وجود التهابات جرثومية بسيطة خاصة في الجهاز الهضمي؛ البعض قد ينهار أيضا ويفقد وعيه وقتيا.
فالذي أود أن أؤكده لك أن هذه الحالة هي حالة فسيولوجية، وهي لا علاقة لها مطلقا بأمراض القلب، وأنت تخوفك الآن من الإغماء والموت المفاجئ وهكذا، أعتقد أن هذا الخوف فيه شيء من الصفات الوسواسية القلقية، والنوبة الهلعية أو الاضطراب الفزعي الذي حدث لك هو نوع أيضا من القلق النفسي، ويعرف أن من نتائج هذه النوبات الرهابية هو ما يمكن أن نسميه بظهور ظاهرة القلق التوقعي، أي أن الإنسان يكون في دوامة من التفكير السلبي بأنه أمر غير طيب سوف يحدث له، ودائما يكون هنالك رابط مع الأعراض السابقة التي حدثت.
أنا أريدك أن تطمئن تماما، وأسأل الله أن يحفظك، وعليك أن ترجع لممارسة الرياضة، وعش حياتك بصورة طبيعية جدا، وأرجو ألا تتردد كثيرا على الأطباء حيال هذا الموضوع، فصحتك الحمد لله في أحسن حالاتها.
أنا فقط أقول لك: سيكون أيضا من الجيد أن تراجع طبيب الأسرة مرة واحدة كل ستة أشهر مثلا للقيام بفحوصات طبية عامة، وهذا وجد أنه من الوسائل الطيبة جدا ليطمئن الإنسان على صحته.
لا شك أن للأدوية أيضا دور مهم وجيد جدا في علاج مثل حالتك، الأدوية المضادة لنوبات الهلع والرهاب والفزع، وكذلك الوساوس والقلق، وفي نفس الوقت محسنة للمزاج، وجد أنها مفيدة في احتواء مثل هذه الأعراض، ولذا سوف أصف لك دواء ممتازا وسليما، وهذا الدواء يعرف تجاريا باسم (سبرالكس Cipralex) ويعرف علميا باسم (استالوبرام Escitalopram)، أرجو أن تبدأ في تناوله، والجرعة التي تحتاجها أنت حقيقة هي جرعة صغيرة، هذا الدواء يوجد في عبوة عشرة مليجرامات وعشرين مليجراما، أرجو أن تتحصل على الحبة التي تحتوي على عشرة مليجرامات، ابدأ في تناول هذه الجرعة بمعدل نصف حبة يوميا لمدة عشرة أيام، ثم ارفع الجرعة إلى حبة كاملة -أي عشرة مليجرامات– يوميا، ويفضل تناولها مساء بعد تناول الأكل، استمر على جرعة العشرة مليجراما يوميا لمدة ستة أشهر، ثم خفض الجرعة إلى خمسة مليجراما ليلا لمدة شهر، ثم إلى خمسة مليجرامات مرة واحدة كل يومين لمدة شهر آخر، ثم توقف عن تناول الدواء.
إن شاء الله سوف تجني فيه فائدة كبيرة جدا، وأنا أريدك أيضا أن تبني قناعاتك الذاتية بأن هذه الأعراض هي أعراض فسيولوجية والتأثير النفسي أيضا بها موجود، وهي لا علاقة لها مطلقا بأي مرض عضوي وأن قلبك الحمد لله سليم، فأقول لك: أسأل الله أن يحفظك، وأن يسدد خطاك، وما ذكرته حول الموت المفاجئ للاعبي كرة القدم، فهذا حقيقة اتضح أن هؤلاء اللاعبين ربما يكونون في الأصل يعانون من أمراض في القلب لم تكن مكتشفة، ونسبة للجهد الذي يبذل هذا يؤدي إلى الوفاة، والموت هو عالم آخر وهو حقيقة أبدية، ونحن لا نستطيع أن نقول إلا: ((ويسألونك عن الروح قل الروح من أمر ربي وما أوتيتم من العلم إلا قليلا))[الإسراء:85].
أسأل الله أن يحفظك وأن يبارك لك في عمرك، وأنا إذا أردت أن آخذ الأمور بمقاييس الدنيا والأسباب أقول لك أن أعراضك هذه لا علاقة لها بالموت، وفي ذات الوقت أقول لك أن الموت هو حقيقة ثابتة ولا شك أنك على قناعة تامة بذلك، فكم من صحيح مات من غير علة، وكم من سقيم عاش حينا من الدهر، وكم من فتى أمسى وأصبح ضاحكا وقد نسجت أكفانه وهو لا يدري.
أسأل الله لك الشفاء والعافية والتوفيق والسداد، ونسأل الله تعالى أن يجعلنا من عتقائه من النار في هذه الأيام الطيبة.
وبالله التوفيق.