السؤال
السؤال الأول:
لماذا تسبب الأدوية النفسية أعراضا انسحابية مزعجة مثل القلق، والإسهال، والغثيان، وغيرها من الأعراض المزعجة؟ وكم تستمر هذه الأعراض الانسحابية؟ إذ أني سمعت أن بعض الأشخاص تستمر معه إلى شهرين من إيقافه للدواء، فهل هذا صحيح يا دكتور؟ وهل تزداد هذه الأعراض حدة مع ازدياد مدة أخذ الدواء عند التوقف عنه؟ أي هل أتوقع أني إذا أخذت السيروكسات مثلا لثلاث سنوات وعندما يقرر الطبيب إيقافه أتوقع أني سوف أتعرض لأعراض انسحابية شديدة أشد من لو أني أخذته لسنة مثلا؟
السؤال الثاني:
أريد يا دكتور أن أستخدم دواء سيركويل لاضطراب نوعية نومي، حيث أن نوعية نومي سيئة، إذ أني أقوم صباحا مجهدا متعبا وكأني لم أنم وأحس بالإعياء الشديد طوال النهار، فكيف أستخدم هذا الدواء لأجل هذا الغرض وما آثاره الجانبية؟ وكيف يتم وقفه هل بالتدريج أيضا؟ وهل انسحابه صعب؟ إذ أني سمعت أنه محسن لنوعية النوم، علما بأني استخدمت السيروكسات من قبل وريميرون وأفادتني بحمد الله بضع سنوات خلت، علما بأن عندي نقصا في إفراز الغدة الدرقية وآخذ لها 100 ميكروجرام، والسكر آخذ له الجلوكوفاج المنظم مرتين يوميا 1000 ملجم.
وجزاكم الله خيرا.
الإجابــة
بسم الله الرحمن الرحيم
الأخ الفاضل/ خالد حفظه الله.
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته، وبعد:
أقول لك: نعم إن بعض الأدوية النفسية -وليس كلها- قد تؤدي إلى آثار انسحابية، ولكن الآثار الانسحابية التي تنشأ منها ليست مثل الآثار الانسحابية التي تسببها الكحوليات أو المخدرات مثلا، فهي نوع آخر من أشكال الانسحاب تختلف اختلافا كبيرا مما تسببه المواد الأخرى التي ذكرناها.
عملية الآثار الانسحابية تتأتى من تفاعل يحدث على مستوى ما يعرف بالموصلات أو الناقلات العصبية، هذه الموصلات العصبية تؤثر على مراكز معينة وخلايا معينة في الدماغ، يعرف عنها أنها تتحكم في زيادة أو نقصان هذه المرسلات العصبية خاصة السيروتونين أو الدوبامين أو النورأدرنيل أو مادة تعرف بالمادة (ب) هذه المواد حين يختل إفرازها بعد سحب الأدوية النفسية هذا هو السبب الذي يؤدي إلى هذه الآثار الانسحابية، حيث مثلا إن السيروتونين لديه مشتق يسبب الغثيان، هذا مثبت، والنورأدرانيل والأدرانيل هي مشتقات قد تسبب الرعشة والرجفة، وهكذا..
إذن فالعملية هي عملية فسيولوجية كيميائية بيولوجية وليس أكثر من ذلك.
الأعراض الانسحابية تستمر لفترات متفاوتة، وتعتمد شدة وحدة ومدة الأعراض الانسحابية أولا: على نوع الدواء.
ثانيا: على جرعة الدواء.
ثالثا: على مدة تعاطي الدواء.
رابعا: على الحالة النفسية ودرجة أو التأثير الإيحائي التي يتسم بها الشخص، وهذه نقطة مهمة جدا، فإن هنالك بعض الأشخاص تكثر عليهم التأثيرات الإيحائية النفسية، بمعنى أن الإنسان يترصد بل يجلب لنفسه شيئا من القلق والتوتر، وهذا بالطبع يزيد من هذه الآثار الانسحابية.
أفضل وسيلة لمقاومة الآثار الانسحابية هو التدرج الشديد في سحب الدواء، فالتدرج حقيقة يساعد كثيرا في القضاء على الآثار الانسحابية، وهنالك بعض الناس يختلط لديهم الأعراض الانسحابية والأعراض الأصلية للمرض النفسي، مثلا يكون قد تناول الدواء لفترة ليست كاملة أو قصيرة أو بجرعة غير صحيحة، إذا كان مثلا يعالج مرضا كالقلق، حين يتوقف عن الدواء هنا قد تظهر الآثار الانسحابية وفوق ذلك أيضا تظهر آثار المرض الأصلي وهو القلق، وهذه الآثار متشابهة جدا في كثير من الحالات.
معظم الأدوية التي تسبب الآثار الانسحابية بشدة ليس لديها إفرازات ثانوية، بمعنى أن انقطاعها في الدم يحدث بصورة مفاجئة جدا، مثلا دواء مثل البروزاك هو نفس فصيلة الزيروكسات، ولكن البروزاك لا يسبب آثارا انسحابية، ولو حدثت تكون قليلة جدا؛ لأن البروزاك يتميز بأنه توجد لديه إفرازات ثانوية تظل في جسم الإنسان لمدة ستة وتسعين ساعة أو أكثر؛ أي أن الانسحاب يكون تدرجيا بصورة تلقائية وبيولوجية وكيميائية داخلة في الجسم، أما الزيروكسات فليس لديه هذه الإفرازات الثانوية.
أدوية مثل مجموعة الـ (بنزودايزبين Benzodiazepine) ومنها اللوكستنين والأتيفان والفاليم، هذه معروفة بأنها أدوية شريرة جدا في الآثار الانسحابية، وذلك؛ لأنها في الأصل هي أدوية إدمانية تعمل من خلال ما يسمى بالتحمل، أي الإنسان لا يستشعر فائدتها وقيمتها العلاجية إلا إذا رفع الجرعة، وحين يتم التوقف عنها تظهر الآثار الانسحابية بصورة واضحة وحادة جدا.
لا نقول أن الآثار الانسحابية قد تظل لمدة شهرين، أنا أشك في ذلك كثيرا، نعم، بالنسبة للبنزودايزبين قد تظل، ولكن بقية الأدوية المضادة للاكتئاب خاصة أعتقد أن الأمر في ظرف أسبوع إلى ثلاثة أسابيع سوف ينقضي تماما.
الإنسان لابد أن يساعد نفسه لتجنب هذه الآثار وذلك باتباع الإرشادات الطبية، التدرج في سحب هذه الأدوية، وإدخال آليات علاجية جديدة مثل ممارسة الرياضة وتمارين الاسترخاء، هذه وجد أنها ممتازة جدا لمقاومة آثار الانسحاب بل منعها تماما.
سؤالك حول مدة العلاج وأنت تتناول (الزيروكسات) منذ ثلاث سنوات، نعم الإنسان حين يتناول الدواء لفترة طويلة يكون هنالك ارتباط والتصاق بيولوجي ونفسي للدواء، وهذا بالطبع ربما يترتب عليه أن يكون الإنسان أكثر حذرا وتدرجا في سحب الدواء حتى لا تحدث الآثار الانسحابية.
بالنسبة لسؤالك الثاني: فأقول لك أن السوركويل دواء ممتاز، والسوركويل حينما أتت به الشركة المصنعة أتت به كدواء معالج لمرض الفصام، وبعد ذلك اتضح أنه يعالج القلق أيضا بجرعات صغيرة، ووجد أيضا أنه محسن للمزاج ومحسن للنوم، هذه الحقيقة لابد أن أوضحها للناس؛ لأن الكثير قد ينزعج؛ لأن هذا الدواء هو في الأصل لعلاج الفصام، هو نعم لعلاج الفصام ولكنه بجرعات صغيرة له استعمالات أخرى منها تحسن النوم.
أنا أعتقد أن الجرعة التي تستعمل لتحسين النوم يجب أن تبدأ بخمسة وعشرين مليجراما لمدة أسبوع مثلا، ثم بعد ذلك ترفع إلى خمسين مليجراما، ولا داعي أبدا لجرعة أكثر من ذلك، والتدرج في توقيفه يكون أيضا بعد أن تخفض الجرعة إلى خمسة وعشرين مليجراما لمدة أسبوعين، ثم خمسة وعشرين مليجراما يوما بعد يوم لمدة أسبوعين أيضا، ثم خمسة وعشرين مليجراما مرة واحدة كل ثلاثة أيام لمدة أسبوعين أيضا، هذا الدواء ليس لديه آثار انسحابية حقيقية، ولكن هذا التدرج في التوقف حقيقة يقضي تماما على الجانب النفسي الإيحائي الذي نرى أنه أيضا يساهم فيما يعرف بآثار التوقف أو الآثار الانسحابية.
أنا حقيقة أرى أنك إذا دعمت السوركويل بدواء آخر محسن للنوم ويكون دواء سليما، قد يكون هذا أفضل، مثل عقار يعرف تجاريا باسم (تربتزول Tryptizol) ويسمى علميا باسم (امتربتلين Amtriptyline) -بالرغم من أنه دواء قديم- إلا أنه بجرعة خمسة وعشرين مليجراما يساعد كثيرا في تحسين النوم.
هنالك أيضا عقار يعرف تجاريا (سيرمونتن) أو ما يعرف باسم (تراي إمبرامين) بجرعة خمسة وعشرين مليجراما يعتبر دواء جيدا، أيضا الدوثايمين بجرعة خمسة وعشرين مليجراما مع السوركويل أيضا يعتبر محسنا جيدا للنوم، كما أنه يحسن المزاج، لأننا لا نعتقد أن كل الذين يعانون من اضطرابات في النوم أو معظمهم ربما يكون هنالك شيء من عسر المزاج البسيط أو حتى ملل أو اكتئاب بسيط وهكذا.
الريمارون لا شك أنه من أفضل الأدوية، وأنا من تجربتي المتواضعة وجدت أن استعماله بجرعة نصف حبة (خمسة عشرة مليجرام) مع دواء مثل السوركويل مثلا تكون الفائدة عظيمة جدا فيما يخص النوم.
لا شك أنك حريص على الطرق الأخرى لتحسين النوم، ومنها ممارسة الرياضة، تثبيت وقت النوم، عدم تناول الشاي والقهوة ومشتقات الكافيين الأخرى في المساء، والحرص على أذكار النوم، وممارسة الرياضة بشكل منتظم، وتجنب النوم النهاري، لكن بالطبع لا مانع من القيلولة الشرعية والتي هي حوالي نصف ساعة إلى خمسة وأربعين دقيقة.
بالنسبة لعلاج الغدة الدرقية والدواء الذي تتناوله لا شك أنه جيد جدا، وكذلك بالنسبة لعلاج السكر، وأرجو أن تراجع طبيبك من وقت لآخر، أي طبيب الغدد، وأعتقد أن الرياضة سوف يكون وقعها إيجابيا عليك جدا خاصة في صحتك الجسدية.
أرجو أن نكون قد أفدناك بشيء من المعلومات التي تجد أنها مفيدة لك، وبارك الله فيك، وجزاك الله خيرا، ونشكرك كثيرا على تواصلك مع إسلام ويب، ونسأل الله تعالى لك الشفاء والعافية، وبالله التوفيق.