مفاتيح لنجاح الداعية في دعوة أهله للالتزام

0 416

السؤال

السلام عليكم ورحمة الله وبركاته، وجزاكم الله خيرا على هذا الموقع، وعلى ما توفرون فيه من أمور يحتاجها كثير من المسلمين، وبعد:

فسؤالى هو أنى تائب جديد، وعندما تبت وأخذت في طلب العلم علمت بأني كنت أعيش واقعا تتفطر منه الأكباد، وأحسب نفسي الآن من الأخيار، ولا زال بعض من أفراد أسرتي يعيشون ماكنت أعيش، ولا أتعامل معهم كما يجب، وأريد نصيحة بكيفية التعامل معهم لأدعوهم جميعهم، رغم أنهم مختلفو المستويات، فمنهم من اعتقد أن عقيدته صحيحة، ولكنه إذا حكى أمرا فيه استهزاء مخرج من الملة ضحك، وربما كان هو من يحكي هذا عن فاعله، ومنهم من عقيدته فاسدة، وبينهم أخ لي، فقد كان طالب علم قبلي، وكنت أسأله عن أمور في الدين لم أكن أعرفها وهم يعرفونها، لكني الآن صرت أعلى منه مستوى، إلا أن أسئلتي تلك سبب لعدم إعطائهم لي أهمية، وجعلته هو ينتقدني أمامهم مما له تأثير عليهم هم، دون علمهم أني أعلى منه مستوى تحدثا بالنعم، وكيف أدعوه هو خاصة؟

وجزاكم الله خيرا.

الإجابــة

بسم الله الرحمن الرحيم
الأخ الفاضل / المهدي حفظه الله.
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته، وبعد:

فإنه ليسرنا أن نرحب بك أيها المهدي في موقعك استشارات الشبكة الإسلامية، ويسرنا أن نستقبل رسائلك في أي وقت وفي أي موضوع، ونسأله جل جلاله أن يجعل لك من اسمك نصيبا، وأن تكون من المهتدين حقا، ومن الدعاة إليه على بصيرة، وأن يجعل في كلامك الأثر والنفع، وأن يهدي بك الناس إلى صراطه المستقيم.

واعلم أخي المهدي أن الدعوة إلى الله تعالى وظيفة خيرة الخلق وهم الأنبياء والمرسلون، ولا بد للداعية الموفق أن يتحلى بصفة هؤلاء الأخيار الأبرار، والتي من أهمها الصبر وسعة الصدر، والحلم والأناة، والتواضع والعفو، ولذلك عندما أراد مولاك الكريم أن يصف نبيك المصطفى صلى الله عليه وسلم ما وصفه بأنه كان كثير الصيام أو القيام أو قراءة القرآن -وإن كان كل ذلك فيه- ولكن وصفه بحسن الخلق قائلا: (وإنك لعلى خلق عظيم)، [القلم:4]، فهذه هي أعظم وأهم صفة لنجاح الداعية، وقوله سبحانه: (فبما رحمة من الله لنت لهم ولو كنت فظا غليظ القلب لانفضوا من حولك فاعف عنهم واستغفر لهم وشاورهم في الأمر فإذا عزمت فتوكل على الله إن الله يحب المتوكلين)، [آل عمران:159]، فلا بد لك لكي تتمكن من دعوة هؤلاء الأفاضل من حسن الخلق وسعة الصدر، والصبر والتواضع، وألا ترد السيئة بالسيئة، ولكن العفو والصفح، وهذا هو مفتاح القلوب الأول.

أما المفتاح الثاني: فهو أن تبدأ بهم من حيث هم لا من حيث أنت، فأنت الآن طالب علم تحرص على أن تكون من الأخيار، أما هم فهم عوام أو أنصاف متعلمين، فكيف تحولهم إلى أن يكونوا مثلك؟ لا بد لك من التدرج معهم خطوة خطوة، وأن تبدأ بصغار العلم قبل كباره.

المفتاح الثالث: أن تكون قدوة عملية يوافق فعلك قولك، فلا تدعوهم إلى شيء أنت لا تطبقه، وإنما لا بد أن تكون دائما السابق إلى الخيرات.

أن تبدأ بشيء مبسط في العقيدة يمكن فهمه واستيعابه، ثم الفقه كذلك، ولا تنس الأخلاق والمعاملات؛ فإنها من فروض الأعيان.
لا يعيبك أن تقول: لا أدري، فلقد قالها من هو خير منك وهم الأئمة الأعلام من الصحابة والتابعين والأئمة الكرام، خاصة إمامكم مالك رضي الله عنه الذي سئل في أربعين مسألة فأجاب في ست وقال في البقية: لا أدري.

احرص على أن تكون كريما معهم، تمد إليهم يد العون والمساعدة على قدر استطاعتك، ففي الحديث: (تهادوا وتحابوا)، فالهدية خاصة للمناوئين لك تؤلف قلوبهم عليك، وتنزع منهم الحقد عليك أو الكراهية لك؛ لأن كل ذي نعمة محسود.

ألا تتعالى عليهم أو تتعالم أو تنزل معهم في معارك جدال؛ لتثبت لهم فيها أنك أنت الأعلم والأفقه، فذلك يوغر الصدر عليك، وإنما عليك بالتواضع وعدم النزول إلى حلبة المجادلات العقيمة التي تفسد ذات البين، وإنما كن داعية مربيا تمثل الأب الروحي لهم، ولا تكن مجادلا مناظرا؛ لأن الداعية يكسب القلوب والمجادل يفقدها.

عليك بالدعاء لنفسك أن يوفقك الله للصواب، وأن يثبتك على الحق، وأن يتقبل عملك، وأن تدعو لهم أن يشرح الله صدورهم للحق، وأن يعينهم على امتثاله، وأن يجعلهم هداة مهتدين بك أو بغيرك.

وبذلك ستستطيع أخي مهدي أن تجمع القلوب حولك، وأن تنفذ إليها بسرعة مذهلة، وأن يكون رهن إشارتك وطوع أمرك، ونسأله تعالى أن يوفقك في مهمتك، وأن يجعلك من الدعاة إليه على بصيرة، إنه جواد كريم.

وبالله التوفيق.

مواد ذات صلة

الاستشارات