السؤال
السلام عليكم.
أنا شاب أحب فتاة وهي فتاة صالحة وتحفظ القرآن الكريم كاملا، وهي ابنة عمي، وقد تقدمت لخطبتها وأجد اتفاقا كبيرا بيننا، عمري 26 وعمرها 24، ولكني مصاب بمرض صرع جزئي - أي لا تأتيني نوبات ولكن لا غنى لي عن الدواء -، وقد أصبت به منذ حوالي سبع سنوات، والأطباء يقولون ممكن الشفاء بعد مضي سنوات على متابعة الدواء لأنه جزئي.
وقد سألت واستفسرت عن أنه هل يمكن أن يكون وراثيا للتأكد من أني لن أورثه لأولادي، وكانت النتيجة أن نسبة توريثه (5%) فقط، وهو لا يؤثر بشيء على حياتي الزوجية، ولكني أحب الفتاة وأخاف أن تعرف بمرضي بعد الزواج فتكرهني، وتقول بأني خدعتها فأخسرها، وأيضا أخاف أن أبوح لها فأخسرها، فأرجو النصيحة مع تبيان هل هذا المرض وراثي؟
علما بأنه لا يوجد أحد من عائلتي مصاب به ولا حتى من أولاد أعمامي، ولم تأتني نوبة منذ ثلاث سنوات بسبب متابعتي للدواء، وهو لا يؤثر على حياتي نهائيا، فهل أعترف لها؟ وأنا متردد؛ لأنني أخاف أن أخسرها إذا اعترفت لها الآن فتتركني؛ لأني أحبها جدا، ولا أتمنى أن أتزوج بغيرها، وعندما أفكر مجرد تفكير أني سوف أخسرها أجن ولا أتحمل هذا الموقف، وبنفس الوقت من الممكن أن أشفى حسب قول الأطباء، وأيضا من الممكن أن لا أشفى فأكون خدعتها، فأرشدوني.
وجزاكم الله عنا كل الخير.
الإجابــة
بسم الله الرحمن الرحيم
الأخ الفاضل/ Mohammad حفظه الله.
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته، وبعد:
فإن سؤالك من الأسئلة المهمة والضرورية - نسأل الله تعالى أن يوفقنا بأن نعطيك الرأي السديد - فإنه من الناحية النفسية والاجتماعية وحتى الشرعية نقول لك: أن (الصدق منجاة) ولا شك في ذلك، وإخطارك هذه الفتاة الفاضلة – التي تحبها وتحبك – وهي تحفظ كتاب الله، إخطارها بأنك تعاني من مرض الصرع هو أمر ضروري وهام جدا، ويجب أن لا تتخوف عن النتائج أو ما سوف يحدث لك فيما يخص هذه العلاقة، وأنها ربما تتركك.
ولا أعتقد أبدا أنها سوف تتركك، يجب أن تخطرها متبعا أسسا وفنيات معينة، فكلمة الصرع بكل أسف كلمة مشوهة جدا، وارتبط بشيء من الوصمة في مجمعاتنا، والصرع الجزئي يعتبر من أخف أنواع الصرع، ولذا يجب أن تخطرها في لحظة مناسبة بأنك كنت تعاني - وهذه هي الكلمة الصحيحة - من تشنجات جزئية بسيطة ناتجة من اضطراب في كهرباء الدماغ – كما ذكر الأطباء – وأنت تتناول العلاج بانتظام ولله الحمد، ومنذ ثلاث سنوات لم تأتك أي نوبة، ويقول الأطباء أن من لم تأته نوبة لمدة ثلاث سنوات فهو قد شفي من هذا المرض، ولكن يظل لفترة على العلاج الوقائي، وهذه هي الحقيقة العلمية.
إذن أنت نستطيع أن نقول أنك قد شفيت؛ لأنه لم تأتك نوبات لمدة ثلاث سنوات، وكل المراجع العلمية تقول ذلك، ولكن من الضروري أن تستمر على الجرعة العلاجية لفترة أخرى، وسوف ينصحك طبيبك في هذا السياق، فإن هنالك من يرى تناوله لمدة عام أو عامين بجرعة متدرجة، ثم بعد ذلك تتوقف عن تناول الدواء.
بعد التوقف عن الدواء حدوث النوبات وارد – يجب أن نقول لك هذا – ولكن الاحتمال هو احتمال ليس بالقوي ونستطيع أن نقول حوالي ثلاثين إلى أربعين بالمائة من الناس ربما تأتيهم هذه النوبات، وفي هذه الحالة لابد أن تتناول الدواء مرة أخرى، ولا شك أن الفاضلة زوجتك سوف تتفهم ذلك تماما.
إذن وضعنا لك كل الاحتمالات العلمية، والمطلوب منك هو أن تخطرها بصدق وبهدوء وبفهم كامل، وتتخير كلماتك بصورة علمية، وحتى إن طلبت منك أو بدا عليها التردد والتخوف يمكن أن تعطيها تلفون عيادة الطبيب الذي يعالجك، وسوف يقوم الطبيب بشرح الحالة لها، وقطعا سوف يؤكد لها أن هذه الحالة لن تؤثر على الزواج أبدا، وهذه حقيقة.
ولا شك أن هذه الفتاة كان لها مقاييسها وكان لها أسسها الذي من أجلها قبلتك، فهناك العلم وهناك الثقافة وهناك الخلق، فأعتقد أن الرابط إن شاء الله تعالى هو رابط قوي جدا.
بالنسبة لموضوع الإرث والصرع فإن هناك احتمال ضعيف جدا أن تصاب الذرية – ليس كلهم بالطبع – بهذا المرض، وهذا الاحتمال هو احتمال ضعيف جدا كما ذكر لك الأطباء لا يتعدى خمسة بالمائة.
والوراثة هنا ليست وراثة مباشرة، إنما الذي قد يورث أو يحمل في الجينات هو الاستعداد لمرض الصرع، وهذا الاستعداد هو استعداد ضعيف جدا، وهنالك بعض المحاذير تقلل من هذا الاستعداد، وهي أن الأطفال إذا أصيبوا بحميات في مرحلة الطفولة الأولى يجب أن تعالج هذه الحميات بسرعة عن طريق تناول البنادول أو المضادات الحيوية أو أي علاج مطلوب؛ لأن الحميات وارتفاع درجة الحرارة يجعل دماغ الطفل أكثر قابلية لأن تحدث هذه النوبات في المستقبل، لذا بهذه الطريقة – أي بطريقة علاج ارتفاع الحرارة – تكون قد قللت جدا من فرص أن يحدث أي شيء للذرية.
هذه بعض الملاحظات العلمية، وأنا أقول لك أن الأمر كله بيد الله، وأنت مدرك لذلك، وأسأل الله أن يحفظكم وأن يوفقكم في هذا الزواج وأن يتمه على خير وأن يرزقكم الذرية الصالحة.
إذن الأمر واضح ونحن قد ناقشنا هذا الأمر مع كثير من الأخوة الأطباء والعلماء وهذا هو المنهج الصحيح، وأنا أقول لك لدي تجارب مع بعض الأشخاص الذين يعانون من أمراض عقلية شديدة كالفصام والاكتئاب النفسي الذهاني وهم يخضعون للعلاج وتحسنت أحوالهم، وتزوجوا، وحياتهم الزوجية الآن طيبة ومستقرة جدا، وكان الطرف الثاني يعلم بحقيقة الحالة، وأنا دائما أقول لمرضاي المقدمين على الزواج يجب أن تخطر الطرف الآخر، واجعلني أنا وسيطا وإن شاء الله أنا مؤتمن في أن أملك الحقائق العلمية بصورة بسيطة وواضحة وأن لا تضر بأي الطرفين، وكانت نسبة القبول -أقول لك- أكثر من خمسين بالمائة، فأقدم على بركة الله، وأخطر خطيبتك، وسوف ييسر الله أمرك، ((وعسى أن تكرهوا شيئا وهو خير لكم وعسى أن تحبوا شيئا وهو شر لكم))[البقرة:216].
وختاما: نشكرك على هذا التواصل الإيجابي مع موقعك إسلام ويب.
وبالله التوفيق.