السؤال
تقدم لخطبة ابنتي شاب زميل لها في العمل، ويربطها به علاقة عاطفية، وهو في نفس عمرها، وهو من أسرة محترمة، ويعتبر شابا عاديا من ناحية التزامه، أي: أنه لا يصلي بالمسجد، ولكنه يصلي بالمنزل أو العمل، وأحيانا يؤخر الصلاة إلى نهاية الوقت، ويقال عنه أنه يتحمل المسئولية.
وأنا في الحقيقة لا أعلم عنه شيئا سوى كلام الناس، لكن عند حديثه معي أو مع والدها يكلمنا بندية شديدة، مما يثير قلقنا، وأنا غير مرتاحة له، وأشعر بقلق شديد من ناحية هذا الشاب، ولكن والدها لا يريد أن يغضبها، ولكنه غير مرتاح لهذه الندية، فماذا أفعل؟
الإجابــة
بسم الله الرحمن الرحيم
الأخت الفاضلة/ هبة الله حفظها الله.
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته، وبعد:
فإنه ليسرنا أن نرحب بك في موقعك إسلام ويب، فأهلا وسهلا ومرحبا بك، وكم يسعدنا اتصالك بنا في أي وقت وفي أي موضوع، ونسأل الله جل جلاله بأسمائه الحسنى وصفاته العلى أن يبارك فيك وفي أسرتك، وأن يمن على ابنتك بزوج صالح طيب مبارك، وأن يوفقكم للقيام بواجبكم الشرعي تجاه معرفة هذا الأخ والوقوف على حقيقته، وأن يجعلكم جميعا من سعداء الدنيا والآخرة.
وبخصوص ما ورد برسالتك، فإن من الأخطاء الجسيمة أن نضحي بأبنائنا ولا نأخذ بالأسباب التي كفلها الشارع لضمان حياتهم واستقرارهم وسعادتهم، كل ذلك بحجة أن ابنتي تحب هذا الشاب وأنها إذا لم تتزوج به فسوف تموت أو سوف تنتحر أو سوف ترفض الزواج بالكلية، حتى تضعنا أمام الأمر الواقع وهي لا تعرف إلا اللحظة الآنية التي تعيشها وليس لديها بعد نظر، وقد تدفع الثمن غاليا في المستقبل.
ولا ينبغي أن تعالج الأمور هكذا، ونحن لا نمنع ولا ننكر أن هناك علاقات تنشأ بين الفتيات والشباب نتيجة الاختلاط والاحتكاك، وهذا مع الأسف الشديد ثمرة من ثمار الاختلاط الغير منضبط، أن تتعلق الفتاة بشاب وقد لا يكون مناسبا لها، وأن يتعلق الشاب بفتاة وقد لا تكون مناسبة له، ثم يضعان الأسرة أمام خيار صعب وقاس، فلو جئتما الآن لترفضا هذا الشاب لوقفت ابنتكما في وجهكما بكل ما أوتيت من قوة، وزعمت وادعت أنكما تصادران رغبتها، وأنكما تقفان ضد مصلحتها، وإلى غير ذلك من الاتهامات التي لن تنتهي.
والواجب هو التحري والبحث عن الشاب بالطريقة الشرعية التي بينها النبي صلى الله عليه وسلم في قوله: (إذا أتاكم من ترضون دينه وخلقه فزوجوه) الدين والخلق لا يكفي فيهما مجرد كلام الناس، وإنما لابد من التحري والتثبت، ولذلك أنا أنصح بضرورة أن يقوم أحد بزيارة منطقة هذا الأخ الذي يقيم بها مع أهلها وأسرته، وأن يعرف ما مستوى علاقة هذه الأسرة بالمجتمع الذي يعيش به، علاقة والده بالمجتمع، علاقة والدته بالمجتمع، كذلك هو، من هم أصدقاؤه ومن هم أصحابه، لأننا نعلم أن الصاحب ساحب، وأن المرء على دين خليله كما أخبر النبي عليه الصلاة والسلام ولذلك لابد من التأكد من ذلك، خاصة وأن الرجل التزامه التزام عادي وأنه رجل من عامة الناس، ليس فيه ما يميزه، فهو ليس من أهل العبادات والمحافظة على الجمع والجماعات، وإنما اللهم أنه يصلي حسب ما تيسر له.
ثم بعد ذلك أيضا قلتي أنه يتكلم بندية شديدة، فهي توحي بأنه مغرور أو متكبر، وقطعا هذا سوف ينعكس على زوجته في المستقبل، فهو الآن يتعامل معكما بهذه الطريقة وغدا سيتعامل مع ابنتكما بنفس الطريقة أيضا، وقد لا تتحمل ذلك في المستقبل، ثم بعد ذلك نبدأ نفكر في حل، ولن يكون هناك حل مناسب.
ومع الأسف الشديد لا أدري هل الخطبة قد تمت أم لا، وأتمنى أن لا تكون قد تمت إلا بعد أن تقوموا بالتحري المطلوب والبحث عن الرجل في محل عمله بصورة لا تؤخذ فيها وجهة نظر ابنتكم؛ لأن شهادة ابنتكم مجروحة وغير مقبولة، ولكن من الممكن أن يقوم أحد أبناءك أو أقاربك بزيارة عمل هذا الأخ، ومعرفة العلاقة الموجودة بين هذا الأخ وبين زملائه في العمل، وكيف يتعامل معهم، وهل هذه الندية هي طبيعته أم أنه يصطنعها معكم لإشعاركم بأنه من أسرة راقية ومحترمة وأنه شخصية قوية، فقد يكون هذا الأخ فهم الأمر فهما خاطئا، وعندما يظهر هذا الكبر وهذا التعالي لعله بذلك يرضيكما وهو لا يدري أنه يهدم لديكما صرح كبير، وهو صرح الثقة والمحبة والمودة.
وقد يكون مافي هذا الأخ من الندية وهذا الكبر وهذا التعالي ليست طبيعته؛ لأن هذه الندية لو كانت طبيعته وتلك شخصيته فهذا خطر على ابنتكما في المستقبل؛ لأنه بهذه الكيفية سيركب رأسه في كل أمر ولن يكون لديه قدرة على الحوار والتواصل مع ابنتكم، وبالتالي ستكون الحياة عرجاء، وستشعر بأنها ممتهنة، وأن الحب وحده غير كاف لإنجاح الحياة الزوجية، وأن الحب أحد عوامل النجاح ولكن ليس كل عوامل النجاح، وكثير من الحياة الأسرية المستقرة بدأت بغير حب ولا معرفة ما بين الزوجين قبل الزواج، وإنما بدأت بالطريقة التقليدية وبارك الله فيها وأصبحت حياة طيبة بفضل الله، وجاءت المحبة والرحمة بعد ذلك.
ولذلك لابد من التحري عن الأخ في محل إقامته وفي محل عمله، وأعطوا لأنفسكم الفرصة المناسبة للتأكد من ذلك؛ لأن الزواج ليس شيئا سهلا، فنحن إذا أردنا أن نشتري سلعة أو نشتري آلة من الآلات ندقق ونذهب إلى عشرات المحلات لنأتي بالشيء الأفضل والأقل سعرا، فما بالك بالحياة الزوجية، هل يعقل أن نبيع ابنتنا بهذه السهولة بحجة أن هذا الشاب بينه وبينها علاقة عاطفية؟ لا، بل نقف أمامها بقوة من أجل مصلحتها.
ولا تقدمي على إنهاء الإجراءات إلا بعد التأكد والتحري، وأن هذا الرجل فعلا أخ صادق، وأن هذه الندية -كما ذكرت- هي مصطنعة وليست حقيقية، أما إذا كانت حقيقية فمن حقكم أن تناقشوه فيها، وأن تقولوا له: (أخي الكريم هذه الطريقة طريقة جافة وطريقة شديدة، وهذه المعاملة يا ولدي تفقدك محبة الناس لك، وهذه المعاملة مرفوضة بالنسبة لنا، لماذا تتعامل معنا بهذه الطريقة؟).
ولا مانع أبدا أن يتكلم زوجك معه بكل صراحة ووضوح، وأن يبين له أن هذا مبدأ مرفوض، وأننا لن نقبل هذه المعاملة بحال من الأحوال، فإذا اعتذر الرجل وبدأ يغير من طريقته فأقول: لعل هذه فقط كانت مجرد شيء ظاهر ليس من مكوناته الشخصية الحقيقية، أما إذا أصر على ذلك فأرى أن تقفوا وقفة طويلة متأنية وأن تبينوا لابنتكم أن هذه الندية خطر، وأن الرجل الذي لا يتنازل ولا يتواضع وأن الرجل الذي لا يراعي الأكبر سنا والأعلى مقاما بالنسبة له، صعب جدا أن تعيش المرأة معه في سعادة وأمن وأمان.
إذا ما قدر الله لكم ووجدتم أن الأمور ظاهرة فقط وأن الرجل على خير، فإذن عليكما أن تدعما هذه الأسرة بالدعاء المتواصل أن يجعلهما الله تعالى من سعداء الدنيا والآخرة، وأن يرزقهما الذرية الصالحة، وأن يعينهما على التفاهم والحوار والانسجام، وأن يجعل كل واحد منهما عونا لصاحبه على طاعة الله ورضاه، وعلى الأمن والأمان والاستقرار.
وبالله التوفيق.