السؤال
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته.
أشكركم على مجهوداتكم، وأسأل الله أن يوفقكم لما يحبه ويرضاه.
مشكلتي أني غير راضية عن نفسي، عن شكلي تحديدا، وذلك لأن طولي يبلغ 1.74 م، وهذا يزعجني بشدة، قد يبدو لكم الأمر سخيفا، كذلك هو بالنسبة لي وأنا أكتب الرسالة، لكن إذا عدت إلى حياتي اليومية صار ذلك عائقا، لدرجة أني أحيانا عندما أختلي بنفسي أقول: أنا أكره نفسي وأضجر كثيرا، والمشكلة أن هذه العقدة لا تكاد تفارقني، وكلما مر بجانبي أحدهم قارنته بنفسي، مع أن هذا الشعور لم يحصل معي إلا منذ عام، تعبت من التفكير أني غير عادية ولا أصلح لأن أكون متزوجة، رغم أني أبلغ من العمر 18 سنة، أرجو منكم النصيحة، كيف أكف عن هذا التفكير السلبي؟ كيف أثق بنفسي وأرضى عنها وأحبها؟
بارك الله فيكم، ومشكورين سلفا.
الإجابــة
بسم الله الرحمن الرحيم
الأخت الفاضلة/ خديجة حفظها الله.
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته وبعد،،،
فإنه ليسرنا أن نرحب بك في موقعك إسلام ويب، فأهلا وسهلا ومرحبا بك، وكم يسعدنا اتصالك بنا في أي وقت وفي أي موضوع، ونسأل الله العلي الأعلى بأسمائه الحسنى وصفاته العلى أن يربط على قلبك، وأن يشرح صدرك للذي هو خير، وأن يشغلك بشيء نافع مفيد، وأن يرزقك حسن الظن به سبحانه وتعالى وحسن الثقة بنفسك، وأن يمن عليك بزوج صالح طيب مبارك، وأن يوفقك في دراستك، إنه جواد كريم.
وبخصوص ما ورد برسالتك – ابنتي الكريمة الفاضلة – من أنك غير راضية عن نفسك، وذلك لأن طولك كما ذكرت يبلغ مترا وأربعة وسبعين سنتيمترا، وهذا يزعجك بشدة، وتقولين بأن هذه العقدة لا تكاد تفارقك كلما مر بجانبك أحد الأفراد وقمت بمقارنته بنفسك، وأن هذا الشعور لم يحصل معك إلا منذ عام فقط، وأنك تعبت من التفكير أنك غير عادية ولا تصلحي لأن تكوني زوجة.
أقول لك ابنتي الكريمة الفاضلة: إن هذا الذي ذكرته إنما هو نوع من الهراء، وإنما هو نوع من خفة العقل وعدم الرزانة والحكمة، وهو نوع من عدم الرضا بقضاء الله تبارك وتعالى وقدره، فأنت تعلمين –وكما لا يخفى عليك– أن الذي صورنا في الأرحام إنما هو الله، حيث قال سبحانه وتعالى: (( هو الذي يصوركم في الأرحام كيف يشاء ))[آل عمران:6]، وقال أيضا: (( وصوركم فأحسن صوركم ))[غافر:64] وقال أيضا: (( لقد خلقنا الإنسان في أحسن تقويم ))[التين:4].
فالله تبارك وتعالى ما خلق الإنسان إلا بصورة طيبة، وما خلق الإنسان بمواصفات معينة إلا لحكمة يعلمها جل جلاله سبحانه، فهو الذي خلق الناس جميعا، وشاء جل جلاله سبحانه أن يجعل هذا طويلا، وأن يجعل هذا متوسطا وأن يجعل هذا قصيرا، وأن يجعل هذا أبيض وأن يجعل هذا أشقر وأن يجعل هذا أسمر، وأن يجعل هذا عربيا، وأن يجعل هذا هنديا، وأن يجعل هذا صينيا، وأن يجعل هذا أوروبيا، هذا ترتيب الله تعالى لتكتمل المنظومة الإنسانية؛ لأن الناس جميعا لو كانوا في صورة واحدة وطول واحد لأصبحت الحياة سخيفة لا معنى لها ولا طعم.
أما هذا التفاوت فله مزايا كثيرة وله حكم عديدة، نعلم بعضها ونجهل الكثير منها وعنها، وهذا مثله كمثل الأطعمة التي يخرجها الله تبارك وتعالى من الأرض، فكلها يسقى بماء واحد ورغم ذلك قال الله تعالى: (( ونفضل بعضها على بعض في الأكل ))[الرعد:4] فلو أن الطعام كان نوعا واحدا لمل الناس هذا النوع من الطعام، ولكن شاء الله تعالى أن يجعل التربة واحدة وأن يجعل الهواء واحدا وأن يجعل الماء واحدا، ولكنه يجعل الأصناف متعددة متنوعة، ونحن أيضا جميعا لآدم عليه السلام كما قال النبي عليه الصلاة والسلام: (كلكم لآدم وآدم من تراب)، ولكن الله تبارك وتعالى عندما أرسل الملك لأخذ قبضة من طين الأرض ليخلق منها آدم أخذ هذه القبضة من أماكن مختلفة من الأرض، ولذلك خرجنا جميعا كلنا لسنا في صورة واحدة، وإنما فينا الاختلاف البين الواضح الذي نراه حتى في أصابع اليد في اليد الواحدة، فكل إنسان طبيعي في يده خمسة أصابع يجدها مختلفة، فإذا كان الاختلاف في اليد الواحدة فهل نظن أن الناس يتفقون وهم ليسوا يدا واحدة؟!
إذن أقول لك: إن هذا التفكير تفكير سخيف حقيقة كما ذكرت أنت، وإعطاؤه مساحة من التفكير سخافة أكبر وأكبر، فإن هذا الطول الذي تتكلمين عنه طول رائع جدا، فأنت لست قصيرة قصرا يجعلك مذمومة أو يجعلك أضحوكة، ولست طويلة طولا أيضا يجعلك إنسانة غير مرغوبة، وإنما صدقيني هذا الطول من أروع الأطوال التي تكون لأي رجل أو امرأة، فهذا الطول طول متوسط، فأنت لست حقيقة بالقصيرة ولست بالطويلة، ولذلك فعلا هذا التفكير تفكير مرضي، والذي أنصحك به كلما جاءك هذا التفكير السلبي أن تطارديه من ذاكرتك، فلا تشغلي بالك به؛ لأن هذا حالة مرضية وتفكير سلبي قاتل، يجعلك غير راضية - كما ذكرت - عن نفسك وغير مستريحة لها.
أقول لك: لو أنك خلقت نفسك أو أنت التي صنعت نفسك أو أنت التي حددت طولك، لقلت: من الممكن أن يكون هذا الكلام له محمل، لكن بما أن الله هو الذي خلقك على هذه الكيفية فأين الإيمان بالقضاء والقدر؟! ألم يقل النبي عليه الصلاة والسلام عن أركان الإيمان أنها ستة، وأن من هذه الأركان الستة (الإيمان بالقدر خيره وشره) من الله تعالى، فالإيمان بالقدر أن يرضى الإنسان بما قسم الله له.
إذن هذا التفكير تفكير خاطئ وهو من عمل الشيطان، وهو يدل على قلة الإدراك والوعي، فهذه ليست قضية أبدا نشغل بالنا بها، فإن هناك قضايا نحن مسئولون عنها بين يدي الله، أما قضية الطول والقصر هذه ليست للإنسان، ولذلك لا ينبغي أن يشغل بها أبدا بأي حال من الأحوال، الذي خلقني على هذه الصفة إنما هو الله وأنا مؤمن مسلم أحب الله ورسوله، فأنا أرضى بما قسم الله لي، وهذا ما قاله النبي عليه الصلاة والسلام: (وارض بما قسم الله لك تكن أغنى الناس).
إذن فالمطلوب منك - بارك الله فيك – أن تطاردي هذه الأفكار السلبية، كلما بدأت تشعرين بأنها ستتحرك في داخلك استعيذي بالله من الشيطان الرجيم، وقولي (رضيت بما قسم الله)، كلما جاءتك استعيذي بالله من الشيطان الرجيم وقولي (رضيت بما قسم الله).
هذا الأمر يحتاج بعض الوقت، ثم بعد ذلك - إن شاء الله تعالى – سوف يزول عنك، أهم شيء لا تستسلمي لهذا التفكير، وصدقيني فهذا طول رائع، وهذا طول ممتاز جدا، وهذا لا يوجد فيه أدنى عيب، ولكن العيب في تفكيرك أنت، وليس العيب حقيقة في الطول؛ لأن هذا الطول صدقيني طول متميز للغاية، ومن الممكن أن تنظري حولك، ومن الممكن أن تسألي الناس: هل هذا يعتبر فعلا من القصر المذموم الذي يجعل الإنسان محل أنظار الناس؟ أنا أقول لك: يستحيل أن يكون هذا الطول سببا في نظر الناس إليك على أنك قصيرة، ولكن أنت تتوهمين أن الناس يستخفون بك وأنك قصيرة، هذا كله كما ذكرت يدل على سخافة التفكير الذي تفكرينه، ومن هنا فأنا أقول لك: أتمنى أن تكوني جادة وأن تكوني واعية، وأن تعلمي أن هذه المسائل لا ينبغي لأحد أن يفكر فيها حتى وإن كان قصيرا، لأننا لم نصنع أنفسنا ولم نخلق أنفسنا حتى نقف طويلا أمام هذه الأشياء أو تلك العيوب التي قد يخلق الإنسان بها لحكمة يعلمها الله جل جلاله.
أنت ممتازة جدا، وأنت طبيعية جدا، وأنت ليس فيك أي عيب حقيقة، وطولك طول رائع وطول ممتاز -وصدقيني- واسألي الناس ممن حولك، وقارني نفسك بغيرك، ستجدين أن هناك الآلاف من النساء أقصر منك وحياتهم أسعد؛ لأن هذه القضية لم تشغلهم كما شغلتك؛ لأن هذا إن دل على شيء -يا بنيتي- يدل على أنك ليس عندك قضية، وأن تفكيرك ناقص وقاصر، وهناك قضية ينبغي أن تفكري فيها حقيقة، وهي علاقتك مع الله تبارك وتعالى أين هي؟ هل أنت فعلا صالحة صوامة قوامة؟ هل أنت لو مت تدخلين الجنة؟ هل أنت الآن قد رضي عنك والداك بحسن المعاملة معهم؟ هل أنت من التي تصل أرحامها؟ هل أنت الآن من الطالبات المتميزات في دراستك؟ هل أنت الآن من الجارات الصالحات لجيرانك؟ هل وهل وهل وهل ... آلاف القضايا أمامك لم تفكري فيها، رغم أنها أخطر بكثير من هذه القضية التي تشغلك.
فأنا أقول لك -يا بنيتي-: كلما هاجمك هذا التفكير حاولي أن تطارديه بسرعة ولا تستسلمي له، وقولي: (رضيت بقضاء الله وقدره، رضيت بما قسم الله لي) ومع الأيام - بإذن الله تعالى – سوف تنتهي هذه المسألة.
هناك بعض الكتيبات في المكتبات منها بعنوان: (كيف تعيدين ثقتك بنفسك) أو (كيف تكونين واثقة من نفسك) حاولي أن تطلعي عليها إن أردت، ولكن كما ذكرت أكثري من الاستعاذة بالله من الشيطان الرجيم، واستغفري الله تعالى على هذا التفكير القاصر الغير مسئول، واسألي الله تعالى أن يرزقك الرضا بما قضاه لك وقدره، واعلمي أن طولك هذا ممتاز ورائع، وصدقيني، وأنا والله لا أقول إلا الحق في هذه المسألة، واسألي من حولك، وانظري إلى من حولك، وستجدين نفسك رائعة بمعنى الكلمة، والعيب ليس في الطول، وإنما العيب في التفكير.
أسأل الله تعالى أن يدلك على الصواب، وأن يأخذ بناصيتك إلى الحق، وأن يرزقك الرضا بما قضاه وقدره لك، إنه جواد كريم، هذا وبالله التوفيق.