وساوس أم بأنها ترمي ابنها من مكان مرتفع

0 375

السؤال

السلام عليكم ورحمة الله وبركاته.

أعاني من وسواس يكاد يخنقني، وهذا الوسواس عبارة عن تخيل أني ألقيت ابني من بناء مرتفع، وكلما صعدت السطح وولدي معي يأتيني هذا الوسواس، وهذا الإحساس يعذبني حتى يضغط على رأسي، فهل هناك أم تأتيها هذه الوساوس اللعينة؟

علما بأني من المستحيل أن أفعل هذا، لكن الشيطان دائما يوهمني أنه يمكنك أن تفعلي هذا، فكيف أتخلص من هذا الجحيم وهذا التفكير دون أدوية؟ ولماذا ابني بالذات؟ لأن هذه الوساوس لم تفلح من الناحية الدينية ولله الحمد، ولكني أخاف جدا من هذه الأفكار.

أرجو منكم الدعاء، وشكرا.

الإجابــة

بسم الله الرحمن الرحيم
الأخت الفاضلة/ رانيا حفظها الله.
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته، وبعد:

فإن الوساوس من هذا النوع موجودة وبكثرة، وهي من أكثر أنواع الوساوس ألما على النفس، أتفق معك تماما أنها تجعل الإنسان في حيرة وفي كدر وقلق، وتجعله يحس أن هذه الأفكار أخذت جل وقته، وجعلته يتجنب أشياء كان يمارسها في الحياة بصورة طبيعية.

هذه الوساوس نصنفها تحت وساوس الأفكار العنيفة، وكما أكدت لك هي كثيرة ومنتشرة، فمنذ فترة قريبة كان لدي مريض يعتقد أنه إذا أخذ زوجته معه في السيارة في شارع معين – والشارع معروف لدينا – إذا سار في هذا الشارع فإن زوجته سوف تموت دهسا في حادث مروري يكون هو السبب فيه ولن تدخل الجنة مطلقا؛ لأن باب الريان قد أغلق أمامها، هذا النوع من الوساوس كان مؤلما لهذا الرجل، وجعلته يتجنب هذا الشارع بالرغم من أهمية الشارع وأنه يوصل الناس بمرافق كثيرة في الدولة.

أيضا كانت تأتينا سيدة تحس أنها سوف تقتل ابنها البالغ أربع سنوات بسكين المطبخ، كانت تعتقد أنها سوف تذبحه أو تطعنه بسكين المطبخ، مما كان يسبب لها الكثير من الألم النفسي الفظيع، للدرجة التي جعلتها تتجنب وضع أي سكاكين في المطبخ.

فهذه أمثلة، وكل هؤلاء قد تم علاجهم ولله الحمد، وتحسنت أحوالهم واقتنعوا تماما أن هذه وساوس وأن الوساوس يمكن أن تزول.

شيء آخر مهم جدا يجب أن أذكره لك، وهذا مثبت بحثيا وعمليا، وهو أن صاحب الوساوس -خاصة الوساوس العنيفة- لا يتبعها ولا يطبقها؛ لذا من النادر والنادر جدا ما نجد أصحاب الوساوس في ساحة الجريمة، يعرف عنهم أنهم من أصحاب الضمائر اليقظة، وهم باللطف والرحمة والرأفة على الآخرين، للدرجة التي لا يمكن أن يقوموا بأي نوع من الاعتداء، فهذه يجب أن تكون مطمئنة لك.

قد ذكرت أنك لا تريدين العلاج الدوائي، ولكني أؤكد لك أن العلاج الدوائي مهم؛ لأن الوساوس الفكرية استجابتها أكبر للعلاج الدوائي، قد تكون الوساوس الطقوسية والفعلية ووساوس الأعمال استجابتها أقل للدواء، ولكن في حالة الوساوس الفكرية المتسلطة -خاصة ذات الطابع العنيف- فالدواء مهم ومطلوب، وهذه الأدوية بفضل الله تعالى سليمة جدا.

ولا أقلل من شأن العلاج السلوكي، ولابد أن تمارسيه، ولكن لابد أن تتناولي معه الدواء أيضا لتتحصلي على أفضل النتائج، والعلماء النفسيون أثبتوا تماما أن أحد مميزات الدواء الإيجابية جدا هو أنه يرغب الإنسان في العلاج السلوكي؛ لأن كثيرا من الناس لا يطبقون العلاج السلوكي أو لا يستمرون عليه؛ لأنه يتطلب التركيز ويتطلب الصبر والاستمرارية وربما يكون مملا بعض الشيء، إذن فالمطلوب هو أن تأخذي بهذا وذاك، حتى تتحصلي على أفضل النتائج.

أول علاج سلوكي هو أن تتفهمي بصورة دقيقة ما ذكرته لك حول الحالتين السابقتين، وكذلك أن أصحاب الوساوس لا نشاهدهم في ساحة الجنح والمخالفات والجرائم.

ثانيا: اجلسي مع نفسك جلسة عميقة، من خلال هذه الجلسة حللي هذا الوساوس تحليلا دقيقا، وحاولي بعد ذلك أن تخضعيه للمنطق، وسوف تصلين لقناعة أنه فعلا تفكير سخيف وحقير، وهذا يجب أن ينقل تفكيرك إلى ما هو واقعي، وهو لماذا أهتم بهذه الأفكار؟ لماذا لا أحقر هذه الوساوس؟ هذه الوساوس يجب ألا تشغلني.

الوسواس يجب أن تفهمي أيضا أنه نوع من القلق النفسي الشديد، والقلق النفسي الشديد يعالج دائما بالبحث عن الطمأنينة، والطمأنينة نجدها في كتاب الله، نجدها في الصلاة في وقتها، نجدها في الدعاء، ونجدها في الذكر، ونجدها في الاستغفار، وأن تستعيذي بالله تعالى من هذا الذي تعانين منه، قال تعالى: (( الذين آمنوا وتطمئن قلوبهم بذكر الله ألا بذكر الله تطمئن القلوب ))[الرعد:28].

بعد ذلك تفاصيل العلاج السلوكي تقوم على مبدأ التعريض مع منع الاستجابة، أي أن تعرضي نفسك للموقف دون أن تهربي منه أو دون أن تستجيبي استجابة سلبية، في هذه الحالة أنت مطالبة بأن تجلسي في مكان هادئ، اجعلي ابنك يجلس بجانبك، انظري إليه وتأملي أنه يصعد معك السطح في عمارة شاهقة، وأنت واقفة معه على حافة سور السطح تنظرين إلى الأرض وهو بجانبك، عيشي هذا الخيال لمدة لا تقل عن ربع ساعة.

وخيال آخر: تصوري من خلاله أنك قد تركت ابنك هذا لوحده على سطح العمارة وبدأ يصرخ ويصرخ، ثم لحق بك، هذا النوع من التفكير في الخيال وأفكار أخرى مشابهة يجب أن يطبق بمعدل مرتين على الأقل في اليوم ولمدة أسبوعين.

يأتي بعد ذلك التطبيق الفعلي، وهو أن تأخذي ابنك معك إلى السطح واجعليه يجلس بجانبك، وأنت هنا معه حقري هذه الفكرة، قولي لنفسك: (هذه فكرة سخيفة، فكرة وسواسية لن آخذ بها أبدا) هذا هو التمرين الأول.

التمرين الثاني هو ما نسميه بتمرين تعزيز السلوك السلبي، من خلال هذا التمرين: اربطي فكرة إزاء ابنك بشيء مقزز أو منفر، ومن هذه المنفرات هو أن تقومي مثلا بالضرب على يدك على حائط السطح، اضربي عليها بشدة حتى تحسي بالألم وتنظري إلى ابنك في نفس اللحظة، والهدف هو أن تربطي ما بين الفكرة الوسواسية وهذا الاستشعار المخالف وهو إيقاع الألم بالنفس في هذه الفترة، كرري هذا التمرين عدة مرات، ومن الضروري جدا أن يكون ذهابك بابنك إلى السطح مرة أو مرتين في اليوم، دون أن تشعري الصغير بأي نوع من الفزع أو الاستغراب، المهم هو التكرار وتكرار التعريض.

من الطبيعي أن يزداد القلق لديك في بداية التمارين، يومين أو ثلاثة سوف تجدين أن القلق على الابن والتوتر أصبح شديدا، وهنا يجب ألا تهربي من الموقف، لابد أن تستمري في نفس الموقف، بعد انقضاء يومين آخرين سوف تجدين أن القلق قد أصبح لا يراوح مكانه، بمعنى أنه لا توجد زيادة أو نقصان، بعدها مع التطبيق سوف يبدأ القلق في النقصان والانحسار حتى ينتهي تماما، هذا هو المطلوب لإزالة وتعديل مثل هذا السلوك الوسواسي.

هنالك تطبيقات أخرى كثيرة، منها مثلا أن ترسمي على ورقة عمارة شاهقة وبها السطوح، وترسمي رسمة لابنك وأنت معه وتنظري إليها، وتقولي لنفسك (لماذا أخاف؟ ابني معي وابني في حرز الله تعالى) وهكذا، هذه تمارين كلها مفيدة جدا.

أنت أيضا في حاجة لممارسة تمارين الاسترخاء، خاصة تمارين التنفس، فيمكنك - قبل أن تبدئي مواقف التعريض مع منع الاستجابة – أن تمارسي تمارين الاسترخاء، والتي تتمثل في أن تأخذي نفسا عميقا وبطيئا عن طريق الأنف، املئي صدرك بالهواء، ثم بعد ذلك أمسكي الهواء لفترة قليلة في الصدر، ثم أخرجيه عن طريق الفم، ويجب أن يكون أيضا إخراجه بقوة وبطء شديد، هذا التمرين يكرر خمس مرات متوالية بمعدل مرة في الصباح ومرة في المساء لمدة أسبوعين أو ثلاثة على الأقل.

يبقى بعد ذلك العلاج الدوائي وهو ضروري في مثل حالتك، وهذه الأدوية أصبحت بفضل الله تعالى الآن فعالة وسليمة، كما أن جرعاتها مختصرة، ولا يشعر الإنسان بأي ضرر أو تفاعلات سلبية، منها العقار الذي أوصي باستعماله يعرف تجاريا باسم (بروزاك Prozac)، ويسمى علميا باسم (فلوكستين Fluoxetine)، وربما تجدين البروزاك تحت مسمى تجاري آخر في بلاد المغرب، ولذا اسألي عن الدواء تحت اسمه العلمي وهو (فلوكستين) أرجو أن تبدئي في تناوله بجرعة كبسولة واحدة (عشرين مليجراما) يتم تناولها بعد الأكل، ويمكن تناولها صباحا أو مساء.

استمري على هذه الجرعة الصغيرة لمدة شهر، ثم بعد ذلك ارفعي الجرعة إلى كبسولتين في اليوم لمدة ستة أشهر، ولابد أن يكون هنالك انضباط والتزام من جانبك في تناول الدواء حسب ما وصفناه، بعد ذلك خففي الدواء إلى كبسولة واحدة في اليوم لمدة ستة أشهر أخرى، ثم إلى كبسولة يوما بعد يوم لمدة شهرين، ثم توقفي عن تناول الدواء، وهذا الدواء ليس بإدماني ولا يؤثر مطلقا على الهرمونات النسوية.

يوجد دواء شبيه ومماثل له يعرف (باروكستين Paroxetine) ويعرف تجاريا باسم (زيروكسات Seroxat) أو (باكسيل Paxil)، ويسمى في المغرب باسم (ديروكسات Deroxat) إذا لم تتحصلي على البرزواك يمكنك أن تتناولي الديروكسات بنفس الطريقة وبنفس الجرعة التي ذكرتها لك.

أرجو اتباع الإرشادات السابقة وتطبيقها، مع ضرورة تناول الدواء حتى تزول عنك هذه الوساوس، وأود أن أنبه إلى أن استعمال الدواء ضروري؛ لأنه أيضا يمنع حدوث الوساوس الأخرى، حيث إننا نعرف أن الوساوس كثيرا ما تنتقل من موضوع إلى آخر، وأنت ذكرت أن الوسواس لم يفلح من الناحية الدينة، ولكنه تسلط عليك فيما يخص ابنك، وهذا ليس من المستغرب؛ لأن الوساوس دائما تنشأ من بيئة الناس، وتشمل ما هو محبب ومقرب إلى الإنسان، نسأل الله لك العافية والشفاء، وأن يجعل ذريتك قرة عين لك، ونشكرك على تواصلك مع إسلام ويب.

وبالله التوفيق.

مواد ذات صلة

الاستشارات