السؤال
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته.
أنا فتاة تونسية متحجبة والحمد لله أسعى للقيام بكل ما يرضي الرحمن حسب ما أعرفه من أمور الدين، سؤالي يتمثل في الآتي:
لقد قام تعريفي في كنف العائلة بشاب قصد الزواج، والله! في البداية لم أكتشف فيه سوى كل خير، كنت أشجعه على طاعة المولى وأذكره بأمور الدين وأن شرطي الوحيد هو تشجيعي على طاعة الرحمن ومزيد المعرفة في أمور الدين.
قام بخطبتي ولكن بعد يومين يتصل بي ليعلمني أننا سننفصل، والله، لم أقم بأي عيب تجاهه ولا تجاه عائلته، كنا قد جلسنا نحن النسوة في غرفة والرجال في غرفة، قام بإلباسي الخاتم كما هي تقاليدنا، كان كل شيء يمشي على ما يرام، سألته عن السبب؟ قال لي بأنني قد وضعت "الماكياج"، فبالله عليكم هل هذا السبب مقنع لإلغاء الخطوبة.
والله، لقد وضعت القليل وكنت قد شاورته من قبل وقال لي: ضعي القليل، والله، أنا فتاة ملتزمة وأخاف الله، لقد استغربت عائلتي من هذا التصرف الذي أصبح يمس كل بنت عائلة، مع العلم أنني كنت أقوم بشراء ما يلزم من أشياء "الزهاز" لأننا كنا سنتزوج بعد شهر رمضان الكريم، والله! أحس بالقهر والظلم، بالله عليكم أنتظر منكم الرد.
الإجابــة
بسم الله الرحمن الرحيم
الأخت الفاضلة/ Wafa حفظها الله.
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته، وبعد:
فإنه ليسرنا أن نرحب بك في موقعك الشبكة الإسلامية، فأهلا وسهلا ومرحبا بك، وكم يسعدنا اتصالك بنا في أي وقت وفي أي موضوع، ونسأل الله - تبارك وتعالى - أن يفرج كربتك وأن يقضي حاجتك، وأن يمن عليك بزوج صالح طيب مبارك يكون عونا لك على طاعته ورضاه. اللهم آمين.
وبخصوص ما ورد برسالتك - أختي الكريمة الفاضلة – فإنه حقا ما ذكرته وجعله خطيبك سببا في الانفصال ليس معقولا ولا مقبولا، فإنك فعلا لم ترتكبي ذنبا ولم تقعي في جرم محرم، خاصة وأنك قد اتفقت معه على مقدار الماكياج الذي تضعينه على وجهك، وهذا أمر هو فطرتك، فإنك أولا وسط مجتمع النساء ولم يرك أحد من الرجال.
وثانيا: أن هذه مناسبة طيبة خاصة وأنه يعرفك قبل الماكياج، فمعنى ذلك أن هذه المناسبة تدخل السرور والمرأة تتزين في مثل هذه المناسبات، خاصة وأن أهل زوجها لعلهم يرونها لأول مرة، وقد اتفقت معه وشاورته على ذلك، فأنا أرى -بارك الله فيك- أن هذه الحجة واهية وأنك فعلا قد ظلمك هذا الرجل، ولكن أخشى ألا يكون هذا هو السبب الحقيقي؛ لأن بعض الناس قد يظهر أشياء ويخفي أشياء أخرى، ولكن في عموم الأحوال أنت فعلا ضحية لهذا التصرف الخاطئ غير المبرر، وأقول لك -أختي الكريمة- بارك الله فيك:
اعلمي أن الله لا يضيع أهله، فالله تبارك وتعالى لا يتخلى أبدا عن أوليائه، فأنت بفضل الله تعالى فتاة ملتزمة تخافين الله تبارك وتعالى فأبشري بعوض طيب، واعلمي أنه لو كان له فيك من نصيب وأنك كنت من نصيبه الذي قدره الله تعالى فسوف يأتيك - بإذن الله عز وجل – مرة أخرى وسوف يعتذر لك وسوف تبدءاون الحياة معا - بإذن الله تعالى – بطريقة طيبة.
أما إذا لم يكن لك فيه من نصيب وليس هو مما قدره الله لك فمعنى ذلك أن الله جعل هذا السبب البسيط سببا للانفصال لعل الله قد سبق في علمه أن تكوني زوجة لغيره من الصالحين الطيبين، هذا ما نسأل الله تبارك وتعالى أن يتحقق لك، فنحن لا نريدك -بارك الله فيك- أن تقفي طويلا أمام هذا الأمر، وإنما عليك كما أوصاك الحبيب عليه الصلاة والسلام أن تقولي: (قدر الله وما شاء فعل)، (اللهم اؤجرني في مصيبتي واخلفني خيرا منها).
واعلمي -أختي الكريمة الفاضلة- أن الزواج من الأرزاق التي قدرها الله تبارك وتعالى، فأنت ترين معي في عالم الحياة أن هذا غني وهذا فقير وهذا متوسط الحال، وهذا طويل وهذا قصير وهذا متوسط الطول، وهذا أبيض وهذا أسمر وهذا متوسط بينهما، وهذا لديه أولاد ذكور وهذا لديه بنات إناث وهذا لديه خليط وهذا ليس له أحد، هذه كلها أرزاق الله تبارك وتعالى، هذه فتاة متزوجة وهذه لم تتزوج، وهذه متزوجة وهذه بكر ما زالت بنتا وهذه مطلقة، هذه كلها أقدار الله، فكل شيء يقع في هذا الكون -أختي الكريمة- إنما يقع بقدر الله تعالى، والله تبارك وتعالى يقول: (( إنا كل شيء خلقناه بقدر ))[القمر:49]، وقال: (( وخلق كل شيء فقدره تقديرا ))[الفرقان:2].
فما على المسلم إلا أن يفوض أمره لله تعالى، ولكن بما أن هذا ابتلاء فأنت مطالبة أن تقولي ما علمك إياه الحبيب - عليه الصلاة والسلام -: (قدر الله وما شاء فعل، اللهم اؤجرني في مصيبتي واخلفني خيرا منها)، وإن شاء الله تعالى أنا واثق من أن الله لن يتخلى عنك؛ لأنك - ولله الحمد والمنة – فتاة ملتزمة تخافينه، والله تبارك وتعالى يحب أولياءه ويدافع عنهم سبحانه جل جلاله، فأبشري بفرج من الله قريب، ولا داعي للشعور بالقهر أو الظلم أو غيره؛ لأن هذا لن يغير من الواقع شيئا، بل إنه سيؤثر على نفسيتك وعلى استقبالك لخطيب آخر، وإنما اتركي الأمر وراء ظهرك وتوجهي إلى الله بالدعاء أن يرزقك الله تبارك وتعالى زوجا صالحا طيبا مباركا، واعلمي أننا في شهر رمضان وأن دعاء الصائم مستجاب، فألحي على الله وأبشري بفرج من الله قريب.
هذا وبالله التوفيق.