المصاعب النفسية جراء الغربة والبعد عن الأهل وكيفية التغلب عليها

0 683

السؤال

السلام عليكم ورحمة الله وبركاته

أنا شاب في الـ 25 من العمر، تخرجت من كلية الهندسة الميكانيكية من بلدي، وحصلت على وظيفة حكومية ولكن أجرها قليل نوعا ما.

حصلت على عقد عمل في السعودية ـ الحمد لله ـ فتركت الوظيفة وسافرت، والآن يجول في خاطري أمران:

الأول: أحس أن الغربة صعبة علي فأقول في نفسي: هذا لأني لم أقنع بعملي في بلدي.

الثاني والأهم هو: أنني ودائما يأتيني وسواس بأن أحدا من أهلي سوف يموت ولن أراه.

الإجابــة

بسم الله الرحمن الرحيم
الأخ الفاضل/ جعفر كامل حفظه الله.
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته، وبعد،،،

إن الابتعاد عن الوطن هو من الظواهر التي أصبحت كثيرة جدا في هذه الأيام، فقد كان في السابق هنالك نوع من الهجرات معظمها لأسباب طبيعية أو حتى لأسباب سياسية، وهنالك دراسات أجريت على الذين هاجروا من هنجاريا (المجر) سابقا بعد التغيرات التي حدثت عام 1956، وكذلك دراسات أجريت على الذين هاجروا من الدول الأسكندنافية قبل خمسين عاما إلى كندا، واتضح أن الناس الذين يهاجرون في الأصل بجانب الأسباب الطارئة في بلادهم قد يكونون من الذين يفتقدون الاستقرار النفسي في الأصل.

هذه الدراسات كانت هي المصدر المعترف به لتحليل الحالة النفسية للمهاجرين، ولكن بعد عام 1960 وكثرت هذه الهجرات لأسباب اقتصادية، فهذه الهجرات تنقسم إلى هجرات دائمة وإلى هجرات مؤقتة، والهجرة الدائمة هي استقرار الإنسان في البلد الذي اختاره، والهجرة المؤقتة التي تكون بقصد طلب العمل ولأسباب اقتصادية وهي الشائعة الآن.

هنالك دراسات الآن تشير إلى أن الذين يهاجرون هم في قمة الاستقرار النفسي، ولا توجد أي فوارق بينهم وبين بقية الناس، هذه الدراسات خالفت الدراسات الأولى، ومن الواضح أن الذين يهاجرون لأسباب اقتصادية هم من أصحاب المقدرات، وكذلك الاستقرار النفسي الكامل، بمعنى أنهم ليسوا بعرضة لأمراض نفسية أكثر من الآخرين.

هنالك بعض الناس مهما كانت أسباب الهجرة مغرية ومفيدة لهم فإنهم قد يجدون صعوبة في التوائم ومواكبة الحياة في البلد الذي اختاروه كمستقر جديد لهم، وهؤلاء قد يصابون ببعض القلق والتشوق للوطن الأم ويبدأ لديهم اجترار واسترجاع بعض الذكريات للوطن خاصة فيما يرتبط بعلاقاتهم وصداقاتهم وأهلهم – وهكذا -.

حقيقة هذه الظاهرة لا نستطيع أن نقول أنها ظاهرة مرضية، فهي ظاهرة يمكن أن نقول أنها طبيعية لدرجة كبيرة، إلا أن هنالك أقلية من الناس وسط هذه المجموعة تكون الأعراض لديهم بالشدة والقوة التي تؤدي إلى اكتئاب نفسي وأعراض جسدية كثيرة، مما يصعب عليهم المقدرة في الاستمرار والمكث في البلد الذي هاجروا إليه.

قصدت بهذه المقدمة أن أوضح لك الحقائق العلمية العامة حول أثر الهجرة على الإنسان من الناحية النفسية، وأنت في نظري حالتك بسيطة جدا، وأنت بالطبع قد تواءمت وتكيفت على الحياة في بلدك الأصلي ووسط الأهل؛ لذا حين انتقلت إلى المملكة العربية السعودية أصبح القلق يسيطر عليك؛ لأن الوساوس التي تأتيك بأن أحد أهلك سوف يموت ولن تره، هذه سمة من سمات القلق، وهو جزء من قلق عدم التكيف.

حالات قلق عدم التكيف قد تستمر لشهرين إلى ستة أشهر، وغالبا لا تستمر أكثر من ذلك، وفي حالتك يجب أن تقوم بما يعرف بالإقناع الذاتي أو الإقناع الداخلي، وذلك من أجل تمكين ذاتك من قبول العمل والعيش في المملكة العربية السعودية.

المؤشرات المفيدة لك أو الركائز التي سوف تساعدك على تغيير تفكيرك وإزالة هذا القلق هي:

أولا: تذكر أنك قد أتيت إلى وظيفة أفضل من ناحية الدخل، وربما تكون أيضا هذه الوظيفة وسيلة لك لتطوير نفسك واكتساب خبرات جديدة، هذه فائدة عظيمة جدا يجب أن تضعها في حسبانك وفي بالك.

ثانيا: أنت هاجرت إلى المملكة العربية السعودية، وهذه بلاد طيبة حيث يوجد البيت الحرام والمسجد النبوي، وهذه فرصة عظيمة لك حين تتاح الفرصة لأن تذهب لعمرة ولزيارة المسجد النبوي والسلام على رسول الله صلى الله عليه وسلم، وإذا أتيحت لك فرصة الحج فهذا سوف يكون إنجازا عظيما جدا، فالبلد الذي انتقلت له سوف تجد فيه الراحة وسوف تجد فيه التواؤم إذا فكرت بعمق.

ثالثا: الإنسان يمكن أن يبني علاقات وصداقات جديدة، فأنت بالطبع تعمل وسط جنسيات مختلفة وهذه فرصة لئن يتعرف الإنسان على الآخرين ويوسع مداركه ويزيد من ثقافته واطلاعه، فهذا جانب أيضا عظيم ومفيد جدا.

رابعا: الاتصالات أصبحت سهلة وليست بالصعوبة السابقة، فيمكنك التواصل مع أهلك في حدود المقبول والمعقول.

خامسا: هذه الأفكار القلقية الوسواسية وهي تفكيرك بأن أحد أهلك سوف يموت ولن تره في أثناء غيابك، والجواب على ذلك هو أن الموت حق والموت قد يقع في أي لحظة، ولكن لا ينبغي للإنسان أن يتعامل مع الأمور بهذه الطريقة، فعليك أن تسأل الله أن يحفظك وأن يحفظ أهلك وأن تلتقي معهم دائما على خير، وإن حصل موت في غيابك فسل الله الرحمة والمغفرة للمتوفى، فليس هنالك أكثر من ذلك، وربما تكون أنت في بلدك ووسط أهلك ويموت أحد الأقرباء ولا تراه نسبة لسفرك لمنطقة أخرى أو هكذا.

إذن هذه الوساوس يجب أن تحاربها ويجب أن تقلل من شأنها، وعليك أيضا أن تكون حريصا على أعمال الطاعات والمحافظة على صلواتك والدعاء، فإن هذا فيه فائدة ويقلل من القلق، ويوجد في المملكة العربية السعودية فرص عظيمة لك، كأن تنضم لإحدى حلقات التلاوة في المساجد وأن تبني علاقات جديدة، وفي نظري هذه فرصة عظيمة عليك أن تستثمرها، وما تبقى لك من زمن خارج نطاق ساعات العمل استفد منه في ممارسة الرياضة والتواصل مع الآخرين والحرص على العبادة، فهذا - إن شاء الله تعالى – يجعل القلق والتوتر ينتهي، وكما ذكرت لك فإن التاريخ الطبيعي لمثل قلق الفراق هو من شهرين إلى ستة أشهر، وعليك أن تتذكر أن هنالك أناسا يعيشون في بلاد بعيدة وفي غربة صعبة حيث لا يجدون من يتحدثون معه باللغة العربية، ولا يجدون من يعاونهم على إقامة شعائرهم الدينية، فأنت - الحمد لله - تعيش في بلاد كل هذه الأمور ميسرة فيها وسهلة.

أسأل الله لك الشفاء والعافية، ونسأل الله تعالى أن يتقبل طاعتكم في هذه الأيام الطيبة وأن يجعلنا جميعا من عتقائه من النار ومن أهل التوفيق.

وبالله التوفيق.

مواد ذات صلة

الاستشارات