السؤال
السلام عليكم
عمري 21 سنة، تقريبا من 8 سنوات بدأت معي حالة غريبة، حالة رعب، أخاف كثيرا على والدي إذا قدر عليهم شيء ـ لا قدر الله ـ ودائما الوسواس برأسي إذا ناموا أخاف وكذا إذا تأخروا.
وحتى الآن أعاني من هذه المشكلة، وزاد عليها أنه تأتيني وساوس كثيرة فأخاف من الموت وأبكي كثيرا، ولا أقدر أنام إلا بصعوبة، وأظل أحلم أحلاما تقززني، فماذا أعمل؟
الإجابــة
بسم الله الرحمن الرحيم
الأخت الفاضلة/ هلا حفظها الله.
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته، وبعد:
فإن حالتك تنحصر في الشفقة والمخاوف الشديدة على والديك، وكذلك تنحصر في الخوف من الموت، والشعور بالقلق الدائم، والصعوبة في النوم، والتي قد تكون ناتجة من الأحلام المفزعة التي تعانين منها.
أما بالنسبة للخوف على الوالدين، وهذا الخوف الذي وصل إلى درجة الرعب، فهذا في مثل هذه الحالات ربما يعتبر أمرا طبيعيا لدرجة كبيرة، فإن كل إنسان وضع الله له رحمة في قلبه يجب أن يشفق على والديه ويتمنى لهم كل خير، وأن يحفظهم الله من كل مكروه، وهذا أمر طبيعي لدرجة كبيرة، أما إذا كان الأمر قد وصل لدرجة الوسواسية والقلق المستمر وأن يكون هذا الموضوع شاغلا بالنسبة لك بصفة مستمرة فلا شك أن هذا أحد أمراض المخاوف التي هي في الأصل نوع من القلق النفسي، وحتى الخوف من الموت أيضا هو نوع من القلق ولا شك في ذلك، وبقية الأعراض التي ذكرتها أيضا كلها نستطيع أن نقول أنها تنتمي من الناحية التشخيصية أو يمكن إرجاعها إلى القلق النفسي.
من الضروري بالطبع أن نتحدث عن أنواع الشخصيات التي تكون عرضة لمثل هذه الأعراض، وأكثر الناس عرضة لمثل هذه الأعراض هم الأشخاص القلقون بطبيعتهم، الحساسون أو الذين لديهم تراكمات وخبرة سلبية في أثناء الطفولة تمثلت في فراق الوالدين بصورة مفاجئة حتى وإن كان هذا الفراق قصيرا، وكذلك الطفل الذي لم يعط الفرصة لتنمية مقدراته وأن يعيش بصورة فيها نوع من الاستقلالية.
بالطبع أنا أتكلم بصفة عامة، فليس من الضروري أن ينطبق عليك هذا التحليل، والعلاج في مثل حالتك بالطبع هو أن تنظري إلى الأمور بمنظار المنطق، بمعنى أن الخوف والشفقة المطلقة لا فائدة فيها، ولن تجني أي نفع بالنسبة لك، بل على العكس تماما سيكون مردها المزيد من الاهتزاز والمزيد من التبعثر في الثقة بالنفس، والمزيد من القلق والتوتر والوساوس.
إذن خاطبي نفسك مخاطبات عقلية ومنطقية وقولي لنفسك: (لماذا أنا أشفق كل هذه الشفقة)، وتذكري أن الله هو خير حافظا، وادعي الله تعالى أن يحفظ والديك وأن يبعد عنهم أي مكروه.
وحين تأتيك هذه الأفكار تذكري دائما أنها أفكار قلقية وأفكار وسواسية وليست أكثر من ذلك، ويا حبذا أيضا لو قمت باستبدال هذه الفكرة بفكرة أخرى، فعلى سبيل المثال: إذا تأخر والدك فبدل أن تقولي أنه ربما يكون قد حدث شيء سيء له قولي: ربما أنه قد تأخر مع أصدقائه وجلس معهم وكانت جلسة طيبة وهذه فرصته أن يروح عن نفسه).
فكري بهذه الطريقة ولا تضعي نفسك أسيرة لفكرة واحدة أو لمنظومة واحدة من التفكير، فإن هذا ليس صحيحا، فضعي الخيارات الأخرى وضعي الاحتمالات الأخرى وكوني أكثر تفاؤلا، فيجب ألا تضعي دائما أسوأ الفروض، فقولي دائما: (لن أضع دائما أسوأ الفروض، فهنالك عدة خيارات فلماذا لا أختار ما هو أفضل؟).
أما بالنسبة للخوف من الموت، فالموت حق ولا شك في ذلك، والإنسان إذا انتابه خوف من الموت ففي رأيي من أفضل الطرق التي تطمئنه هو أن يسعى ويعمل لآخرته ويسأل الله تعالى أن يحفظه وأن يطيل عمله في عمل الصالحات وأن يختم له بخير، هذا هو الشيء الذي نستطيع أن ننصح به وليس أكثر من ذلك، فلا نستطيع أن نقول للناس حقر فكرة الموت أو حاول أن تتناسى هذه الفكرة، فهذا ليس صحيحا وهذا لا يجوز؛ لأن الموت هو حقيقة والحياة أيضا حقيقة، وكل هذه الأمور هي من أقدار الله، إذن عليك أن ترجعي إلى نفسك واقنعيها أن هذا هو التفكير السليم.
بقية أعراض القلق التي تأتيك من عدم القدرة على النوم بصورة سليمة فهذه - إن شاء الله تعالى – يمكن معالجتها بأساليب مختلفة منها تمارين الاسترخاء، فهنالك تمارين سلوكية تعرف بتمارين الاسترخاء إذا تحصلت على أحد الأشرطة أو الكتيبات التي توضح هذه التمارين فسيكون هذا جيد، وإذا ذهبت إلى أخصائية نفسية – وليس طبيبة نفسية – لتقوم بتدريبك على هذه التمارين فهذا أيضا أفضل وأحسن، أما إذا لم تتمكني من الذهاب للأخصائية ولم تتحصلي على أحد هذه الأشرطة والكتيبات فيمكنك اتباع الطريقة الآتية ونسيمها بـ (طريقة جاكبسون Roman jackobson) وهي طريقة مختصرة:
(1) اجلسي في الغرفة ويجب أن يكون المحيط الذي حولك هادئا جدا، وفكري في شيء جميل، ويجب أن تجلسي على كرسي مريح أو على السرير؛ لأن الاسترخاء يتطلب أن يكون الإنسان مستلقيا وكل مجموعة عضلاته في وضع مريح.
(2) بعد ذلك فكري في حدث سعيد وجميل مر عليك في حياتك، ويعقب ذلك أن تغمضي عينيك وتفتحي فمك قليلا، واستمري في التفكير في الحدث السعيد مع مزاج استرخائي.
(3) بعد ذلك خذي نفسا عميقا وبطيئا عن طريق الأنف، ويجب أن يمتلأ صدرك بالهواء حتى ترتفع البطن قليلا، وهذا بالطبع هو الشهيق.
(4) بعد ذلك أمسكي على الهواء قليلا في صدرك ثم أخرجي الهواء بنفس القوة وبنفس البطء عن طريق الفم وهذا هو الزفير.
(5) كرري هذا التمرين خمس إلى ست مرات بمعدل مرتين في اليوم.
ويمكنك أن تقومي بتمارين العضلات (عضلات الجسم المختلفة) فيمكنك أن تشدي على عضلات اليدين وعضلات الصدر وعضلات الأرجل، خذيها مجموعة مجموعة، وقومي بشد العضلات ثم بعد ذلك قومي باسترخائها، وكرري هذا التمرين أيضا عدة مرات.
لا شك أن الإنسان الذي يكون قريبا من الله ويلتزم بعباداته وبعمل الطاعات تكون نفسه مطمئنة، خاصة في هذه الأمور القدرية كالموت وماذا سيحدث للوالدين – وهكذا – فحقيقة نحن ننصحك كما ننصح أنفسنا بأن تعطي هذا الجانب اعتبارا كبيرا.
ونحن لا نعرف إذا كنت لا زلت في المرحلة الطلابية أم تعملين أم أنت جالسة في المنزل؟ وعموما هذا كله يقودنا لضرورة أن تديري الزمن والوقت بصورة إيجابية، فلا تتركي فراغا مخلا في حياتك، فالزمن يمكن استغلاله بصورة طيبة وجميلة وذلك بتوزيع النشاطات الحياتية اليومية بصورة صحيحة، فهنالك بالطبع وقت للراحة ووقت للتواصل، ووقت للترفيه عن الذات بصورة منضبطة، ووقت للعبادات، ووقت للدارسة، ووقت للاطلاع، ووقت لصلة الرحم، وهكذا، هذا سيكون أمرا مساعدا جدا بالنسبة لك أيضا.
إذا كنت ترين أن هذه الأعراض – أعراض القلق والتوتر والمخاوف العامة - بالشدة الشديدة والتي يصعب عليك تحملها، فهنا حقيقة سيكون مجال استعمال الدواء أمرا يجب اعتباره ونوصي به، فالإنسان يستطيع أن يقيس أعراضه أكثر من الطبيب، فإذا كانت هذه الأعراض بالحدة والشدة وأنها سيطرت على كيانك ووجدانك فهنا أيضا استعمال الدواء سيكون أمرا جيدا، خاصة أنه توجد أدوية سليمة جدا وسيكون أمرا مرغوبا فيه، وتناول الدواء بجانب تطبيق الإرشادات السابقة - إن شاء الله تعالى – سوف يعطي نتائج رائعة ومثمرة جدا.
هنالك عقار ممتاز يعرف تجاريا باسم (سبرالكس Cipralex) ويعرف علميا باسم (استالوبرام Escitalopram) سيكون مفيدا جدا بالنسبة لك، وهو يعالج القلق والمخاوف ويحسن المزاج، وهو دواء استرخائي ودواء سليم جدا، وحالتك لا تتطلب جرعة كبيرة، إنما جرعة صغيرة؛ ولذا ننصحك أن تبدئي بجرعة خمسة مليجرام، ولا يوجد مستحضر يحتوي على خمسة مليجرام، إنما يوجد مستحضر يحتوي على عشرة مليجرام، وآخر يحتوي على عشرين مليجراما.
إذن تحصلين على الحبة التي تحتوي على عشرة مليجرام وتناولي نصف حبة (خمسة مليجرام) يوميا لمدة شهر، ثم بعد ذلك ارفعي الجرعة إلى عشرة مليجرام يوميا لمدة أربعة أشهر، ثم خفضي الجرعة إلى خمسة مليجرام (نصف حبة) يوميا لمدة شهرين، ثم توقفي عن الدواء، وأنت لست بحاجة للجرعة الكبيرة وهي عشرون مليجراما لأن حالتك بسيطة وسوف يتم التحكم فيها تماما بالجرعة التي وصفتها لك.
هذا الدواء دواء سليم وغير إدماني وغير تعودي، ولا يؤدي إلى أي آثار جانبية سلبية، وختاما أسأل الله لك الشفاء والعافية، وجزاك الله خيرا على اتصالك وثقتك بالشبكة الإسلامية، وفي هذه الأيام الطيبة عليك بالدعاء أن يحفظ الله تعالى والديك وأن يطيل في عمرهما في عمل الخير، وأن يختم لنا جميعا بخاتمة السعادة، وتقبل الله منا ومنكم.
وبالله التوفيق.