السؤال
أريد حفظ القرآن وتربية أبنائي على خطى الحبيب - عليه الصلاة والسلام - وتركت عملي لذلك، لكني لا أرى من نفسي إلا الكسل والنعاس الدائم والنسيان، سجلت في مراكز لتبدأ همتي بالدراسة وحفظ كتاب الله، لكن أرى أن لا همه لدي فعليا، وليس لي سوى الكلام، أما فعليا فالكسل يقتلني والنعاس يحيط بي، وهذا لا يكون إلا عند إرادتي طلب العلم الشرعي.
حاولت بالدعاء والاستعاذة، وإجبار نفسي مثلا على أن أكون مستيقظة في صلاة الفجر وتلاوة القرآن، لكن لا أعلم لم هذا الكسل، ولا أعلم ماذا أفعل؟ وأنا بعت الدنيا لأجل طلب العلم الشرعي وتعليم أبنائي أصول الدين الحنيف ليكونوا أبطالا كجميع الصحابة.
أرشدوني بارك الله فيكم كيف لي أن أقضي على الكسل والنعاس وأكون مثل الأمهات زوجات الحبيب المصطفى ومثل كثير من أهل العلم الذين لا تنام لهم عين قط؟
الإجابــة
بسم الله الرحمن الرحيم
أختي السائلة - أهل الله - حفظك الله تعالى.
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته.. وبعد:
فإنه ليسرنا أن نرحب بك في موقعك استشارات الشبكة الإسلامية، فأهلا وسهلا ومرحبا بك، وكم يسعدنا اتصالك بنا في أي وقت وفي أي موضوع، ونسأله تبارك وتعالى أن يرزقك الهمة العالية، وأن يصرف عنك هذا الكسل والنعاس والنسيان، وأن يجعلك من صالح المؤمنين، وأن يوفقك لطلب العلم الشرعي، وتربية أبنائك حتى يكونوا كصاحبة النبي الكريم محمد صلى الله عليه وسلم.
بخصوص ما ورد برسالتك فإن الشيطان – لعنه الله – حريص على أن يفسد على الإنسان حياته، لقد اتخذت قرارا رائعا وهو ترك عملك من أجل تربية أبنائك تربية طيبة، ولكن الشيطان علم أن هذه الثمرة وهذه النتيجة لو تحققت لخسر خسارة فادحة، فلم يعطك الفرصة لكي تتمكني من تحقيق الحلم الذي بدأته ولا تحقيق وتنفيذ هذه الرغبة التي تركت العمل من أجلها، بدأ يسلط عليك سهامه وأعوانه، وبدأ يستعين عليك بكل أخضر ويابس حتى يجعلك في غاية الفتور والكسل والنوم الدائم والنسيان، حتى تفقدين الغاية التي أردت أن تحققيها وتتيهين مع نفسك فلا تستطيعي أن تنهضي بنفسك ولا بأبنائك.
ولذلك أقول لك - بارك الله فيك -: أتمنى بداية أن تقومي أولا بعمل رقية شرعية، وهي عبارة عن آيات من القرآن والسنة، والحمد لله أنتم في الأردن عندكم الكثير من الأخوة الكبار أصحاب العقيدة السليمة الذين يعالجون بالرقية الشرعية، بل إنك تستطيعين أن تعالجي نفسك بنفسك، وهي موجودة حتى على هذا الموقع وفي المواقع الإسلامية الآيات والأحاديث المتعلقة بالرقية، وهناك كتيبات عندكم في الأسواق، وهناك أشرطة كذلك أيضا، حاولي أن تستمعي إليها وأن تقومي برقية نفسك لاحتمال أن يكون هناك شيء مما يتعلق بالحسد أو المس أو غير ذلك، خاصة وأن الذي تعانين منه شيئا جديدا لم تكوني تشعرين به عندما كنت في عملك، فأنت كنت في عملك تعملين بانتظام وتحرصين على أن تتواجدي في وقت الدوام ولا تخرجين إلا في نهاية الدوام، فلم يكن لديك هذا الكسل أو الخمول أو هذا النوم الدائم، فإذن هذه حالة طارئة وكل شيء له سببه، فأتمنى أن تقومي بالرقية الشرعية.
ثانيا: أتمنى جزاك الله خيرا أن تحافظي على ورد من القرآن يوميا تقرئينه، حتى وإن كنت لا تحفظينه، هذا في البداية - .
ثالثا: لابد من أن تلزمي نفسك بأشياء تلتزمي بها، وذلك كوضع برنامج يومي لحياتك، ضرورة تخطيط حياتك من جديد، وعدم ترك المسائل على البركة – كما يقولون – وإنما لابد من تحديد ساعات لكل شيء، على الأقل في المرحلة الأولى، مثلا صلاة الفجر، وإذا لم تستيقظي لصلاة الفجر بعد ذلك تقومين في الوقت الذي تقومين فيه وترتبين وقتك ترتيبا جديدا وتلزمين نفسك بهذا.
توجد كتب تتعلق بإدارة الوقت وفن إدارة الوقت، فتستطيعين أن تحصلي على كتاب من المكتبة من هذه الكتب وأن تضعي لنفسك خطة يومية من الفجر إلى العشاء، تعطي أوقاتا للنوم، وأوقاتا للبيت، وتعطي أوقاتا للزوج، وأوقاتا للأولاد وأوقاتا لطلب العلم، وأوقاتا للحفظ.
لابد من ذلك لأنك لو تركت نفسك بهذه الكيفية فستخرجين من الدنيا وأنت على قدر قليل من العمل الصالح، والأصل فيها أن الكسل والنعاس هذا كما ذكرت لك من أخطر الأمور التي تصيب المرأة المسلمة، فلابد أن تربطي نفسك - بارك الله فيك – بإحدى دور التحفيظ وأن تلتزمي بذلك حتى وإن كان هناك نوع من الحرج في البداية، لأنك لو تركت نفسك بدون إلزام لن تلتزمي بشيء أبدا؛ لأن الشاعر يقول:
والنفس كالطفل إن تهمله شب على *** حب الرضاع وإن تفطمه ينفطم
فالآن لو تركت الطفل يرضع سيتمنى يرضع لعشرين سنة، ولكن لو أوقفته عن الرضاع في أي فترة وهو صغير سوف يتوقف.
فكذلك نفسك لو تركتها بهذه الحالة صدقيني لن تتوقف أبدا عن هذا الكسل وذلك الخمول، ولكن لو أوقفتها سوف تتوقف.
فلابد من وضع خطة، برنامج تستطيعين أن تضعيه أنت بنفسك، حتى دون كتب أو غيره، تقولين من الساعة كذا إلى الساعة كذا هذا للقرآن، والساعة كذا للساعة كذا هذا لكذا، ترتبين وتوزعين وقتك توزيعا جيدا، وترتبطين كما ذكرت بإحدى دور التحفيظ، حتى تلزمي نفسك بذلك، لأنك ستشعرين بالحرج إذا لم تحفظي، ولذلك الآن - الحمد لله - أنت بدأت هذه الخطوة وسجلت في مركز لتبدأ همتك بالحفظ، وحتى وإن كان في الأول هناك نوع من التكاسل ولكن مع استمرارك ومع وجودك في المركز - بإذن الله تعالى – سوف ترتفع همتك.
أتمنى أيضا أن تقرئي كتابا اسمه (علو الهمة) للشيخ محمد إسماعيل المقدم، أو لغيره من الكتاب المسلمين الذين يعرضون عليك صورا من أصحاب الهمم العالية من أصحاب النبي عليه الصلاة والسلام ومن العلماء العاملين أيضا إلى يومنا هذا؛ لأن هذا يدفع إلى الهمة، حتى إنك تشعرين وتقولين لماذا لا أكون مثل هذه، يعني إذا كان هؤلاء النسوة قد وصلن لهذه الدرجة فلماذا لا أكون مثلهن وقد أعطاني الله تبارك وتعالى ما أعطاهم، بل إنك أحيانا تشعرين أنك مستمتعة بكثير من الصفات والمنح والجوارح التي لم تكن لدى كثير من هؤلاء المتميزين.
فاقرئي كتابا في التميز، واقرئي بعض الكتب عن سير الصحابيات وغير ذلك، واقرئي أيضا كتاب (علو الهمة) حتى تشعرين بارتفاع الهمة عندما تطالعين هذه الكتب وسترين أن هناك الكثير من الناس فعلوا أكثر مما فعلت، والتزمي في مراكز التحفيظ، وحددي وقتا ضروريا جدا، ورتبي وقتك من الآن، ولا تتقاعسي في ذلك، والتزمي به، ستتعبين في الأيام الأولى، ولكن صدقيني مع الأيام يصبح لك عادة، ولا تسمحي أبدا لأي برنامج أن يدخل على البرامج الأخرى، وإنما هذا وقت للقرآن انتهى الوقت ولم تحفظي اتركي القرآن وانتقلي إلى البرنامج الثاني حتى لا تتداخل الأمور عندك مرة أخرى.
عليك - بارك الله فيك – بالدعاء أيضا كما فعلت، وألحي على الله تبارك وتعالى ومن الممكن إذا كانت ظروفك تسمح أن تتصدقي بصدقة سرية بنية أن الله تبارك وتعالى يفتح لك ويفتح بك.
أنا واثق - بإذن الله تعالى – أنك ستنجحين، وأنا أعلم أن النجاح - بإذن الله تعالى – ليس مستحيلا وإن كان فيه مشقة، ولكن سوف تصلين إليه - بإذن الله تعالى – مع تطبيق هذه الأشياء التي ذكرتها.
أسأل الله لك التوفيق والسداد، وأن يجعلك الله من المسلمات العالمات العاملات، وأن يعينك على تربية أبنائك تربية صالحة، وأن تقر عينك بهم كجيل الصاحبة - رضي الله تعالى عنهم – وأن يجمعك وإياهم في مستقر رحمته ودار كرامته.
والله ولي التوفيق.