السؤال
أنا متزوج منذ ثلاثة أشهر، وزوجتي تعمل مدرسة، وقد تحملت ديونا كثيرة بسبب الزواج وبناء بيت الزوجية، وكنت أجد حرجا كبيرا من أن أطلب من زوجتي أن تساعدني، ولكني لم أجد مناصا من ذلك، إلا أنها فاجأتني بأن كل مستحقاتها هي لأهلها وإخوانها الذين أنفقوا عليها حتى تخرجت وحصلت على عمل، ولا أستطيع أن أجبرها على شيء، غير أني محتاج، وأحيانا يوسوس لي الشيطان بالسرقة من هنا وهناك، فكيف أقنعها أن تساعدني مع محافظتي على كرامتي؟!
علما بأنها رأت أمي قد باعت كل ذهبها لتساعدني، وهي لا تحرك ساكنا، وقد بدأت أشعر أني ندمت على زواجي منها، فهي لا تحس بي.
أفيدوني وجزاكم الله خيرا.
الإجابــة
بسم الله الرحمن الرحيم
الأخ الفاضل/ وسيم حسن حفظه الله.
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته، وبعد:
فإنه ليسرنا أن نرحب بك في موقعك: (استشارات الشبكة الإسلامية)، فأهلا وسهلا ومرحبا بك، وكم يسعدنا اتصالك بنا في أي وقت وفي أي موضوع، ونسأله تبارك وتعالى أن يفرج كربتك وأن يقضي حاجتك، وأن يعينك على قضاء دينك، وأن يشرح صدر زوجتك للوقوف معك وقفة طيبة تحمد لها في حياتك.
وبخصوص ما ورد برسالتك فإن النبي صلى الله عليه وسلم قال: (لا يحل مال امرئ مسلم إلا بطيب نفس منه)، فيحرم على الإنسان أن يأخذ مالا دون إرادة صاحب المال ودون رغبته، وأما إذا أعطى الإنسان صاحبه مالا أو شيئا طيبة به نفسه فهو حلال مبارك، أما إذا أخذ بالغصب والقوة أو السرقة أو النصب أو الاحتيال أو غير ذلك فهو حرام وسيطالب يوم القيامة برده إلى صاحبه ولن يستطيع فيدخل بذلك النار إذا لم تكن له حسنات كافية.
وقد ورد ذلك في حديث المفلس، كما أخبر النبي صلى الله عليه وسلم فقال: (أتدرون من المفلس؟ قالوا: المفلس فينا من لا درهم له ولا متاع. قال: المفلس من يأتي يوم القيامة بصلاة وصيام وصدقة، ولكنه ضرب هذا وشتم هذا وسفك دم هذا وهتك عرض هذا، فيأخذ هذا من حسناته وهذا من حسناته، حتى إذا فنيت حسناته أخذ من سيئاتهم فطرحت عليه ثم طرح في النار).
وكونك قد غلبتك الديون بسبب الزواج وبناء بيت الزوجية، وزوجتك رفضت أن تقف معك وأن تساعدك بحجة أن هذه الأموال مستحقات لإخوانها وأهلها الذين صرفوا عليها، فلعلكما لا زلتما في بداية الحياة الزوجية والحياة لم تقو بينك وبينها بالصورة الكافية، أو قد تكون امرأتك التزمت مع أهلها بذلك، وهي ترى أن من الواجب عليها أن توفي لأهلها بذلك، خاصة أن أهلها صرفوا عليها وعلموها، وأن لها إخوة وأخوات يحتاجون إلى مساعدة، وهذا يحدث كثيرا، فتجد الرجل يعلم ابنته أو ابنه لكي يعطيه الراتب حتى ينفق على بقية إخوانه، وهذا الكلام أعرفه عن قرب في المجتمعات التي نعيش فيها جميعا.
وهذا الكلام وإن كان جيدا إلا أنه ينبغي أن يراعى شيء آخر، وهو أن عدم وقوف المرأة مع زوجها يؤدي إلى خلل في العلاقة بينها وبين زوجها، فإن الرجل بذلك سينفر منها وسيشعر بأنها غير متعاونة معه، وبذلك نصنع شرخا لا يمكن جبره مدى الزمن.
وهناك أمر آخر ينبغي أن تعلمه زوجتك الفاضلة وهو أن وقتها من حقك وليس من حقها أو حق أبيها، فما دام قد جاءتك إلى بيتك فهذا الوقت كله ملك لك، وعندما خرجت لتعمل - حتى وإن كانت قد اشترطت عليك ووافقت - فهذا حقك، ومن حقك أن تمنعها في أي وقت كان؛ لأن هذا تضحية بوقتك، فما دمت تنفق عليها ووفرت بيت الزوجية فمن حقك أن تظل امرأتك في بيتك ولا تخرج إلا بإذنك، ولذلك نص العلماء على حرمة خروج المرأة من بيت زوجها بغير إذنه.
فالأمر يحتاج إلى نوع من التفاهم فيما بينك وبينها، واضرب لها مثلا بأمنا خديجة رضي الله تعالى عنها عندما تزوجت النبي عليه الصلاة والسلام ولم يكن له مال، فأنفقت مالها كله عليه رضي الله تعالى عنها، وكان يأخذ هذا المال حتى ينفق منه على الفقراء والمساكين من الصحابة رضي الله عنهم، ولم تقل بأن هناك التزام ولم تقل بأني كذا وكذا.
وينبغي أن تعلم زوجتك أن مقام زوجها أعظم من مقام أبيها، فخذ الأمور بحكمة وقل لها أنك مدين ولا تحب أن تسأل الناس، وأن أمك باعت ذهبها لتساعدك، وبين لها أن من حقك شرعا أن تمنعها من العمل إذا لم تتعاون معك، واطلب منها أن تخرج هذه الأموال طيبة بها نفسها، وذكرها بحديث زينب امرأة عبد الله بن مسعود رضي الله تعالى عنهما عندما قالت: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: (تصدقن يا معشر النساء ولو من حليكن، قالت: فرجعت إلى عبد الله فقلت: إنك رجل خفيف ذات اليد، وإن رسول الله صلى الله عليه وسلم قد أمرنا بالصدقة فأته فاسأله، فإن كان ذلك يجزئ عني وإلا صرفتها إلى غيرك، قالت: فقال عبد الله: بل ائتيه أنت، قالت: فانطلقت فإذا امرأة من الأنصار بباب رسول الله صلى الله عليه وسلم حاجتي حاجتها، قالت: وكان رسول الله صلى الله عليه وسلم قد ألقيت عليه المهابة، قالت: فخرج علينا بلال فقلنا له: ائت رسول الله صلى الله عليه وسلم فأخبره أن امرأتين بالباب يسألانك: أتجزئ الصدقة عنهما على أزواجهما وعلى أيتام في حجورهما، ولا تخبر من نحن. قالت: فدخل بلال فسأله. قال له: من هما؟ فقال : امرأة من الأنصار وزينب، فقال: أي الزيانب؟ فقال امرأة عبد الله، فقال: لهما أجران: أجر القرابة وأجر الصدقة) متفق عليه.
وعاهدها أنك عندما تنتهي من الديون أن لا تسألها فلسا ولا دينارا ولا غير ذلك، نسأل الله أن يصلحها وأن يشرح صدرها لتقف معك وتساعدك وأن يعينك على قضاء دينك وأن يديم بينكما المحبة والوئام والتفاهم والانسجام، وأن يجعل كل واحد منكم عونا لصاحبه على طاعته ورضاه، إنه جواد كريم.
وبالله التوفيق.