السؤال
السلام عليكم.
أنا يا دكتور أعاني من مرض الرهاب الاجتماعي منذ صغري ولم أعلم بهذا إلا قبل عدة أشهر، أعاني كثيرا من هذا، فعندما أتكلم مع أصدقائي يحمر وجهي وتزداد نبضات القلب، وأغلط كثيرا في الكلام لعدم التركيز فيما أقول، مما أدى إلى أن أكون معزولا عن الناس لعدم القدرة على التحدث معهم.
أعاني كثيرا من هذا وأزعل إذا قال لي أحد الأقرباء أني أحتاج إلى دكتور نفسي أمام الجميع، فأنا لا أستطيع أتكلم مع مجموعة من الأشخاص، فإذا ذهبت لمناسبة ما أخاف أن أغلط في شيء ما حتى ولو كان تافها.
عمري 19 سنة، أعتقد أني أشكو من هذا المرض منذ دخولي سن 15 سنة، فكنت لا أتكلم مع أحد أبدا، ولكن لم يصل بي إلى أن أترك المسجد أو المدرسة بسبب هذا الأمر، كنت أتهرب من الناس ولا أصاحب أحدا منهم ولا أشارك مع المعلم في الدرس، ولكني حاليا أدرس التمريض في قسم الجراحة وأخاف أن يزداد بي المرض فيؤدي إلى الاكتئاب.
سمعت عن الأدوية التي تعالج المرض ولكنها غالية الثمن، فهل هي مفيدة أم أن مراجعة الدكتور النفسي يكون أحسن؟ وأعتقد أني لا أستطيع أن أذهب إليه، وسمعت أيضا عن جرعة التفرانيل فهل هي مفيدة لهذا المرض؟
ولكم جزيل الشكر.
الإجابــة
بسم الله الرحمن الرحيم
الأخ الفاضل/ المحتار حفظه الله.
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته، وبعد:
بارك الله فيك وجزاك الله خيرا، وأشكرك كثيرا على ثقتك فيما تقدمه الشبكة الإسلامية.
فإن الأعراض التي ذكرتها تنطبق بصورة واضحة على ما يعرف بالرهاب الاجتماعي أو ما يسمى بالقلق الاجتماعي أو الخوف الاجتماعي؛ لأن الخوف الاجتماعي في الأصل هو ناتج من نوع من القلق الذي يتولد داخليا لدى الإنسان، ثم بعد ذلك يكون هذا القلق موجها نحو مواقف اجتماعية خاصة عند مواجهة الآخرين أو التحدث أمامهم.
حقيقة الذي أرجوك أن تتفهمه تماما أن هذه الحالة حالة بسيطة وأن العلاج بيدك بدرجة كبيرة، أولا يجب أن تفهم وتعرف أن الحالة هي قلق نفسي وليست أكثر من ذلك، لا علاقة لها بالاكتئاب أبدا.
ثانيا: يجب أن تكون حريصا ألا تعطلك أو تعيقك هذه الأعراض؛ لأن العلاج الأساسي يتمثل في المواجهة وفي الفعالية وفي أن يظل الإنسان مواظبا على واجباته وعلى صلاته وعلى تواصله مع الآخرين وعلى دراسته وعلى عمله، فالعلاج بالعمل يعتبر الآن فنا من الفنون الجميلة جدا فيما يخص العلاجات النفسية.
ثالثا: يهمنا جدا أن نوضح لك بعض المفاهيم: كثير من الذين يعانون من الرهاب أو الخوف الاجتماعي يعتقدون أن الآخرين يقومون بمراقبتهم أو أنهم سوف يفشلون أمام الناس أو أنهم سوف يسقطون أرضا، وهكذا.. هذا ليس صحيحا أبدا، هذا لم يحدث ولن يحدث بإذن الله.
أضف إلى ذلك أن الأعراض التي تحس بها من شعور بالتلعثم وتسارع في ضربات القلب، وربما رعشة واختناق وخلافه، هذه الأعراض مبالغ فيها جدا، بمعنى أن تظهر لك بصورة مجسمة وبصورة ومضخمة ومكبرة، وهي أقل كثيرا مما تظهر عليه ومما تحس به، فأرجو أن تتفهم هذه المفاهيم العلمية لأنها في رأيي تمثل ستين أو سبعين بالمائة لعلاج الحالة.
يأتي بعد ذلك العلاج السلوكي الآخر، والعلاج السلوكي يتمثل في المواجهة، فيجب أن تكتب في ورقة كل المواقف التي تجد صعوبة في مواجهتها، وتبدأ في مواجهة هذه المواقف الواحد تلو الآخر، تعزم وتتذكر أن المواجهة هي العلاج، وتتذكر أن مشاعرك مضخمة ومجسمة وليست حقيقة.
المواجهة يجب أن تكون في الواقع – أي بالتطبيق – ويمكن أيضا أن تجري بعض التمارين السلوكية التي نسميها بالمواجهة في الخيال، بمعنى أن تتأمل وأنت جالس في مكان ليس به ضوضاء أو إزعاج، تتأمل أنك في مواجهة مجموعة كبيرة من الناس أو أنك تلقي درسا أو محاضرة أو أنك تقوم بالصلاة بالناس أو تستقبل في بيتك ضيوفا وتقوم بإكرامهم – وهكذا – عش هذه المواقف الاجتماعية بكل قوة وبكل تأمل وبكل جدية كأنك تعيش الواقع، هذا يخفف عليك كثيرا ويجعلك تستطيع التطبيق، بمعنى أن تواجه كل مواقف الخوف.
هناك أيضا نوع من العلاج السلوكي الذي وجد أنه فعال جدا وهو ممارسة الرياضة الجماعية مع مجموعة من الأصدقاء، وأنت ما شاء الله في عمر الشباب الذي يؤهلك لذلك، فمارس كرة القدم وأي نوع من الرياضة الجماعية؛ لأن الرياضة الجماعية تؤدي إلى نوع من التفاعل والتمازج الاجتماعي الذي يقلل ويقضي إن شاء الله على الخوف الاجتماعي.
لقد وجد أيضا أن حضور حلقات التلاوة والمشاركة فيها يؤدي إلى زوال هذا الخوف، وهذا أمر منطقي جدا؛ لأن هذه الحلقات هي مكان الطمأنينة؛ لأنه (( ألا بذكر الله تطمئن القلوب ))[الرعد:28] كما أن الرفقة التي فيها هي رفقة خيرية وطيبة يطمئن لها الإنسان، فأرجو أن تكون حريصا على ذلك وأنت بفضل الله تعالى تعيش في المملكة العربية السعودية، وبفضل من الله تعالى هذه الحلقات القرآنية موجودة ومتوفرة، وهذا أمر يجب أن تستفيد منه.
يبقى بعد ذلك العلاج الدوائي، هنالك عدة أدوية تساعد كثيرا خاصة إذا طبق معها الإرشادات السلوكية السابقة، ومن أفضل الأدوية دواء يعرف علميا باسم (باروكستين Paroxetine) ويعرف تجاريا باسم (زيروكسات Seroxat) أو (باكسيل Paxil)، ودواء آخر يعرف تجاريا باسم (زولفت Zoloft) أو (لسترال Lustral) ويسمى علميا باسم (سيرترالين Sertraline)، ودواء ثالث يعرف تجاريا باسم (سبرالكس Cipralex) ويعرف علميا باسم (استالوبرام Escitalopram)، ودواء رابع يعرف تجاريا باسم (فافرين Faverin) ويعرف علميا باسم (فلوفكسمين Fluvoxamine) هذه الأدوية فعالة وممتازة ولكنها ربما تكون مكلفة بعض الشيء.
أما بالنسبة لعقار (تفرانيل Tofranil) أو ما يسمى علميا باسم (إمبرمين Imipramine) هو أيضا من الأدوية الجيدة، وهو أول دواء تم بحثه علميا واتضح أنه يساعد في علاج الرهاب الاجتماعي، فقط هذا الدواء قد يسبب بعض الآثار الجانبية البسيطة، خاصة في عمرك لن تحس بهذه الآثار الجانبية - إن شاء الله تعالى -.
يمكنك أن تتحصل على هذا الدواء وتبدأ في تناوله، ابدأ بجرعة خمسة وعشرين مليجراما ليلا لمدة أسبوعين، ثم بعد ذلك ارفع الجرعة إلى خمسين مليجراما واستمر عليها لمدة شهر، ثم ارفع الجرعة إلى مائة مليجرام – خمسين مليجراما صباحا وخمسين مليجراما ليلا – واستمر على هذه الجرعة لمدة ستة أشهر، ثم بعد ذلك خفض الجرعة بمعدل خمسة وعشرين مليجراما كل شهرين، حتى تتوقف عن الدواء.
بجانب التفرانيل يوجد عقار آخر وهو بسيط جدا وغير مكلف مطلقا، يعرف تجاريا باسم (إندرال Inderal) ويعرف علميا باسم (بروبرانلول Propranlol) فأرجو أن تبدأ في تناوله بجرعة عشرة مليجرام صباحا ومساء لمدة ثلاثة أشهر، ثم خفض الجرعة إلى عشرة مليجرام يوميا لمدة شهر واحد، ثم توقف عن تناوله.
هذا الدواء يساعد كثيرا في تخفيض ضربات القلب وإرجاعها إلى معدلها الطبيعي، كما أنه يساعد في زوال التلعثم في الكلام، أو الرعشة التي قد يشتكي منها البعض.
أرجو أن تتناول الدواء الذي وصفته لك وتتبع الإرشادات التي ذكرتها لك، وحقيقة أنت تدرس التمريض، وهذه مهنة طيبة ونبيلة جدا وسوف تتيح لك الفرصة أيضا بالتواصل مع الآخرين، ودائما نقول أن التواصل مع الآخرين هو من أفضل سبل التأهيل للذين يعانون أي نوع من القلق الاجتماعي أو الرهبة الاجتماعية.
أسأل الله لك الشفاء والعافية، وجزاك الله خيرا، ونشكرك كثيرا على تواصلك مع الشبكة الإسلامية، وبالله التوفيق.