السؤال
السلام عليكم.
أنا شاب مسلم عمري 27 سنة ـ يا حسرتاه ـ أعاني من مشكلة وهي تتجلى في عدم قدرتي على التعبير عن آرائي، مثلا:
لا أقدر أن أدافع عن نفسي إذا اتهمت في شيء ما، لا أخرج ما في نفسي لدفع الظلم عني إلى درجة يتهمونني فيها بالجبن أو ضعف الشخصية إلى ما هنالك، وكذلك عدم قدرتي على المحاورة لا في المنزل ولا مع الأشخاص إذا كانوا يتناقشون في موضوع ما سواء المسائل الدينية أو الدنيوية، وأكثر من واحد لاحظ في هذه المشكلة.
وكذلك صمتي يقتلني، إذا كنت جالسا مع أحد أبقى صامتا لا أعرف ما أقول حتى لو طرح موضوعا ما أقول كلمتين أو ثلاثا وأسكت، رغم أن تعليمي لا بأس به، ولا أظن أن التعليم له علاقة بمشكلتي؛ حيث هناك من هو أقل مني تعليما بكثير ولكن تجده محاورا جيدا في جميع المجالات، ولا يسكت أبدا، وأغلبيتهم هكذا إلا أنا.
حتى أني لا أريد الزواج بسبب هذه المشكلة، كيف سأحاور زوجتي، نبقى صامتين أو ماذا؟
أرجو منكم الإفادة وجزاكم الله خيرا، لقد تعبت وتعبت نفسيتي، ولا أعرف ملجأ آخر غيركم.
الإجابــة
بسم الله الرحمن الرحيم
الأخ الفاضل/ خالد حفظه الله.
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته، وبعد،،،
فإن افتقاد الكفاءة الذاتية والمهارات الاجتماعية هي ظاهرة نشاهدها بقلة، أي أنها ظاهرة ليست منتشرة، ولكن الأكثر انتشارا هو أن بعض الناس يقدر إمكانياته ومقدراته بصورة سلبية جدا؛ مما يجعله يفتقد الثقة بنفسه، ويعتقد أنه ليس مقتدرا على مخالطة ومحاورة الآخرين أو إبداء رأيه وأفكاره متى ما تطلب الأمر.
الذي تحتاجه أنت هو تطوير المهارات الاجتماعية، ويتأتى ذلك باتباع الآتي:
أولا: أرجو أن تعيد تقييم نفسك، بمعنى أنك الآن -وحسب ما ورد في رسالتك- ليس لديك المقدرة على التعبير أو إبداء الرأي أو أن يكون لك حضور في المواقف التي تتطلب ذلك.
حاول أن تنظر إلى الجوانب الإيجابية في شخصيتك، وأقول لك أنك الآن قد عبرت عن آرائك بصورة جلية، وبصورة واضحة جدا في هذه الرسالة التي أرسلتها إلى موقعك إسلام ويب، وهذا في حد ذاته يمكن أن آخذه دليلا معقولا على أنك إنسان مقتدر، ولكنك لا تقدر هذه المقدرات التقدير الصحيح، وبني لديك المفهوم السلبي عن ذاتك وعن مقدراتك المعرفية ومقدراتك على التواصل.
إذا إعادة تقييم الذات هو مطلب ضروري في تنمية المهارات والتنمية البشرية عموما.
ثانيا: أرجو أن تكثر من الاطلاع، وأن تكون لك ذخيرة جيدة من المعلومات، والمعلومات التي تقتنيها حاول أن تكررها وحاول أن تتصور نفسك أنك تقوم بإلقاء محاضرة أو درس أو عرض ما في الموضوع الذي قرأته أو اطلعت عليه، أجر حوارا متعدد الأطراف في خيالك، بمعنى أن تكون أنت البادئ بطرح هذه الأفكار، وبعد ذلك شاركك شخص أو شخصان وقم أنت أيضا بدور هؤلاء الأشخاص، وهذا الحوار نسميه بتمثيل الأدوار أو بـ (السيكودراما Psychodrama)، وهو ممتاز جدا وجيد جدا إذا طبقته بالصورة الصحيحة، بشرط أن تحاول أن تنقل هذا الأمر إلى أرض الواقع، انقل هذا إلى أرض الواقع لأن ذلك نوع من تطوير المهارات.
ثالثا: الذي أرجوه منك هو أن تنظر إلى الناس في وجوههم حين تتحدث إليهم، وحاول أن تتجنب استعمال اللغة الحركية، كاستعمال اليدين مثلا عند الكلام، ولابد أن تبدأ بالمبادئ الرئيسية للتعبير الصحيح، فحين تسلم على أحد سلم عليه وقل له التحية الإسلامية كاملة، وحين يسلم عليك أحد رد عليه التحية بأحسن منها وكن متبسما في وجهه، هذه أمور بسيطة ومهمة جدا.
رابعا: عليك أن تكون لك ذخيرة أو رصيد من الردود المطلوبة في مواقف معينة، فعلى سبيل المثال في أوقات الأفراح إذا أردت أن تهنئ شخصا بزواجه فما هي الكلمات المفروض أن تقولها؟ كرر ذلك، وفي حالات العزاء إذا أردت أن تقدم العزاء لأحد قد فقد عزيزا عليه ما هو أطيب العزاء الذي تقوله؟ أكتب هذه ورددها مع نفسك بصوت عال وتصور أنك تخاطب هذا الإنسان.
إذا أردت أن تشتري شيئا من السوق ماذا تقول للبائع وكيف تحاوره وكيف تقطع معه السعر؟ هذه أمور أساسية وبسيطة جدا أرجو ألا تحقرها، ودرب نفسك عليها تدريبا واقعيا؛ لأن البداية الصحيحة للمهارات الاجتماعية تكون من هنا.
خامسا: أرجو أن تشارك في اللقاءات الجماعية مثل المشاركة في حلقات التلاوة؛ لأن المشاركة في مثل هذه الحلقات سوف تتيح لك الفرصة على المخاطبة وعلى اللقاء وعلى أن تبدأ وتتلو مع الآخرين بصوت عال وواضح، هذا أيضا نوع من المهارات الاجتماعية الضرورية.
سادسا: أرجو أن تنضم لأي جمعيات خيرية أو جمعيات الشباب، هذه الجمعيات يستطيع الإنسان أن يحس فيها بالألفة وبالتواؤم وينفتح على الآخرين.
إذن هذه برامج في ظاهرها بسيطة ولكنها مهمة جدا، وفوق ذلك أقول لك مكررا أنه يجب أن تكون لك الثقة في نفسك ويجب أن تعرف أنك لديك مقدراتك ولكنك كنت لا تستعملها أو تستغلها الاستغلال الصحيح.
ولابد أن تحاور أهل بيتك ولابد أن تتكلم، ولابد أن تكون لك مشاركات، ولابد أن يكون لك وجودك، اطرح آراءك، شارك الأسرة... هذه أمور ليست بالصعبة، وبالطبع التغيير لا يأتي ما بين يوم وليلة، التغيير المهاراتي يأتي بعد وقت من الزمن، ولكن بشرط أن تطبق ما أشرنا إليه، وهنالك برامج كثيرة جدا يمكنك أن تطلع عليها على الإنترنت، أو بالاطلاع على الكتب والكتيبات التي تتحدث عن تطوير المهارات الاجتماعية والمهارات الذاتية.
لا أعتقد أنك في حاجة إلى علاج دوائي، ولا أعتقد أن هنالك ما يمنعك أن تتزوج، فالزواج هو في حد ذاته يؤدي إلى الطمأنينة وإلى السكينة، ومن خلال السكينة يستطيع الإنسان أن يحاور وأن يتكلم مع زوجته وهكذا.
أرجو ألا تتخذ مثل هذه القرارات المسبقة، لأنها قرارات خاطئة ولن تساعد في تحسين حالتك.
أعتقد أنك بخير، أنت محتاج لأن تثق في نفسك وأن تثق في مقدراتك، ولابد أن تتخذ أيضا القدوة الحسنة، انظر إلى الأشخاص الذين لديهم المقدرة الفائقة على المحاورة في البرامج التليفزيونية والخطباء في المساجد والمحاضرين في مختلف الأنشطة، حاول أن تكثر من الذهاب إلى الندوات وإلى المحاضرات، وحاول أن تردد وأن تقلد ما يقوله هؤلاء الناس، هم بشر مثلك وليس أكثر من ذلك.
إذن ثق في نفسك كما ذكرت لك وعرض نفسك لمصادر المعلومات، ولا تتردد وحاول أن تكتسب من خبرات الآخرين وتطبقها على نفسك.
وبالله التوفيق.