السؤال
السلام عليكم.
لدي مشكلة في الأعصاب، وأنا أتعالج عند طبيب نفسي، وأتناول أدوية مهدئات وضد الاكتئاب والخوف.
والمشكلة بوالدي، فعندما أسمعه، وهو في حالة سعال -لأنه يدخن فإنه يسعل بطريقة مخيفة- أفقد السيطرة على نفسي، وأبدأ بالصراخ والتكسير، وأحيانا يغمى علي، لكن بعد أن أصحو أشعر بتأنيب الضمير؛ مع أنني أتوسل إليه، وأطلب منه أن يقلل، ولكنه لا يستجيب، مع أنني أتحطم أمامه، فهو أيضا -والله أعلم- لا يسيطر على نفسه؛ فهل يحاسبني الله؟ وكيف يجب أن أتصرف؟ مع العلم أن الأدوية لم تعط فائدة، وعندما أسمعه لا أستطيع تمالك نفسي فأدخل لحالة هستيرية.
جزاكم ربنا كل خير، وفي أمان الله.
الإجابــة
بسم الله الرحمن الرحيم
الأخت الفاضلة/ بنت الإسلام حفظها الله.
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته. وبعد:
فجزاك الله خيرا وبارك الله فيك.
فإنه حسب ما فهمته من رسالتك أنك حساسة جدا لهذا الذي يصدر من والدك، وهو أنه يعاني من نوبات شديدة من السعال لأنه يدخن كثيرا، وحقيقة لا أرى أي سبب منطقي يجعلك تتصرفين بصورة انفعالية وصورة هستيرية، بل يجب أن تتعايشي مع وضع والدك هذا، ويجب أن تتواءمي ويجب أن تتكيفي على هذا، والسعال هو أمر فسيولوجي ربما يكون والدك لا يستطيع التحكم فيه، ومطلوب منك أن تتواءمي وأن تتكيفي مع هذا الوضع، وأن تكوني قوية ومعقولة.
فلا أرى سببا لهذه الانهيارات النفسية التي تحدث لك، فلماذا الخوف؟ فإن هنالك أشياء أفظع وأشد من هذا الذي يحدث أمامك من والدك.
أنا لا أريد أن أكون قاسيا عليك، ولكن من الضروري أن تستبصري أن هذه نقطة ضعف غير مقبولة، ومع أنك لم تذكري عمرك، ولكن أتصور أنك بالغة ومقتدرة، ويجب أن تكون لك الشخصية وتكون لك الكينونة، فكيف تنهارين حين يدخل والدك في هذه النوبات من السعال؟! فإن هذا لا أعتقد أنه أمر صحيح، وفي ذات الوقت عليك أن تقومي بإرشاد والدك وأن تقومي بتوجيهه، وأن ترفعي من مستوى وعيه لمخاطر التدخين، ويكون هذا بصورة لطيفة وطيبة وفيها شيء من الاعتبار والرأفة عليه، فربما تكونين أنت - بإذن الله تعالى – سببا في أن يقتنع والدك بالبعد عن التدخين، وهذا سوف يجعلك تشعرين أنك قد قدمت شيئا حقيقيا لوالدك.
أما أنك تقومين بهذه الانفعالات وتحطمين ما هو أمامك، فإن هذا تصرف غير مقبول، وهذا تصرف هستيري، ونحن في الطب النفسي حقيقة نحذر من مثل هذه الانفعالات؛ لأن الشخص الذي تكون استجاباته بهذه الطريقة سوف يبني خبرات سلبية جدا تعوقه في كل حياته لا يستطيع أن يقاوم، ولا يستطيع أن يتقبل توجيهات الآخرين، ويصعب عليه المقاومة حتى في المواقف والظروف والأحداث التي ربما تكون بسيطة وعادية جدا.
فلا أرى أن هنالك أي حل لهذا الأمر، ولا أستطيع أن أسميه مشكلة؛ لأنه حقيقة لا توجد مشكلة في رأيي، فقط الوسيلة الوحيدة هي أن تتواءمي وأن تقبلي بهذا الوضع الذي عليه والدك، وأن تحاسبي نفسك على تصرفك، هذا لأنه ليس تصرفا صحيحا وليس تصرفا مقبولا.
ابني هذه المفاهيم في نفسك، وسوف تجدين أن مقاومتك النفسية وكفاءتك النفسية قد بدأت في التحسن، وهذا يجعلك - إن شاء الله تعالى – تتقبلين هذا الموقف دون خوف أو دون وجل.
وفي نفس الوقت أرجع وأقول: عليك بنصيحة والدك وتوجيهه، وحتى الذهاب معه إلى الطبيب لإعطائه بعض الأدوية وإجراء بعض الفحوصات الضرورية، فإنا نعرف أن التدخين يسبب السعال ويسبب التهابات، ولكن إذا كان السعال الذي يعاني منه والدك بهذا العنف وهذه الشدة وهذه الاستمرارية، فلابد أن يفحص حتى نتأكد أنه لا يوجد مرض أصاب الرئة من جراء التدخين.
لديك دور يمكنك أن تقومي به، وهو مواجهة مشكلة والدك، وحين تواجهين هذه المشكلة بفعالية وبقصد مساعدة والدك، فهذا سوف يجعلك تتواءمين وتتكيفين مع نوبات السعال التي يعاني منها.
نصيحتي الأخرى لك: أن تبني حياتك بصورة إيجابية، وأن تحسي بقيمة حياتك، وأن تقوي من شخصيتك، وأن تكوني فعالة، فهذا يعطيك أكثر ثقة في نفسك، وتكونين أقوى من الناحية النفسية ومن الناحية الاجتماعية.
أكرر: فإنه من الواضح أنك حساسة، ولذا ذكرت أنك تتعالجين لدى الطبيب النفسي، وأنا لا أعتقد أن الأدوية هي الحل الرئيسي لهذه المشكلة، أما إذا كان لديك في الأصل مرض نفسي أساسي كالاكتئاب أو القلق الشديد أو الوساوس – أو هكذا – فلا مانع من الاستمرار على الأدوية المضادة للقلق والمضادة للتوتر، ومن الأدوية الجيدة عقار يسمى تجاريا باسم (فافرين Faverin) ويعرف علميا باسم (فلوفكسمين Fluvoxamine)، وهو موجود في فلسطين المحتلة وجرعته هي خمسون مليجرام ليلا بعد الأكل لمدة أسبوعين، ثم بعد ذلك ترفع الجرعة إلى مائة مليجرام ليلا، واستمري عليها لمدة ستة أشهر، ثم تخفض الجرعة إلى خمسين مليجرام ليلا، واستمري عليها لمدة ستة أشهر أخرى.
لا أنصحك باستعمال المهدئات والمنومات، ففائدتها وقتية، وفي نفس الوقت تجلب الكثير من المضار على المدى المتوسط وعلى المدى الطويل، حيث إنها ربما تؤدي إلى التعود وإلى الإدمان، وهذا لا شك له سلبياته الكثيرة.
أرجو أيضا أن تتعودي وتتدربي على تمارين التنفس الاسترخائي، هذه تفيد كثيرا الذين يعانون من العصبية الهسترية، ولتطبيق هذا التمرين أرجو أن تضطجعي على السرير، وتكوني مسترخية، وتتأملي في شيء طيب وسعيد، ثم أغمضي عينيك وافتحي فمك قليلا، ثم خذي نفسا عميقا وبطيئا حتى يمتلئ الصدر وترتفع البطن قليلا، ثم بعد ذلك اقبضي على الهواء لفترة قصيرة، ثم أخرجي الهواء عن طريق الفم، ويجب أن يكون إخراج الهواء بكل قوة وكل بطء.
كرري هذا التمرين خمس مرات متوالية بمعدل مرة في الصباح ومرة في المساء لمدة أسبوعين أو ثلاثة على الأقل. هذا يساعد كثيرا.
هنالك نظريات تقول إن التفاعلات الهستيرية أحد أسبابها الرئيسية هو الكتمان، أي أن الشخص لا يعبر عن نفسه ولا يكون منفتحا، ويسكت عن الأشياء البسيطة التي لا ترضيه، وهذه بمرور الزمن يمكن أن تتضخم ويمكن أن تتراكم وتؤدي إلى انفعالات سلبية، فنصيحتي لك هي أن تكوني معبرة عن نفسك وأن تكوني إيجابية، هذا أيضا يساعدك كثيرا في أن تكسبي ثقتك في نفسك، ويزيل هذه التفاعلات الهسترية.
ويمكنك مراجعة العلاج السلوكي للاكتئاب من خلال هذه الاستشارات: (237889 - 241190 - 257425 - 262031 - 265121)، وكذلك العلاج السلوكي للمخاوف: (262026 - 262698 - 263579 - 265121).
بارك الله فيك، وجزاك الله خيرا، ونسأل الله لك العافية والتوفيق والسداد.