السؤال
أنا ولله الحمد امرأة متدينة أحافظ دائما على صلاتي، ابتعثت منذ عامين تقريبا للدراسة في بلد أوروبي، في تخصص الطب.
أبلغ من العمر 30 عاما، ولست متزوجة بالرغم من شهادة الجميع لي بتمام الخلق وحسن التربية. مشكلتي أني أشعر بأني منجذبة نحو مشرف بحثي! مع العلم أنه غير مسلم، ولا يشعر بذلك.
الله يعلم بمعاناتي، ومنذ ذلك الحين وأنا أداوم على الصوم والاستغفار، علي أتخلص مما بي. أشعر بأني متعبة وخجلة من أن أطلب من الله العون ليساعدني على ضعفي ويقويني في رضاه.
أفيدوني أفادكم الله، ماذا أفعل؟
والسلام عليكم.
الإجابــة
بسم الله الرحمن الرحيم
الأخ الفاضل/ هدى حفظه الله.
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته. وبعد:
فإنه ليسرنا أن نرحب بك في موقعك إسلام ويب، فأهلا وسهلا ومرحبا بك، وكم يسعدنا اتصالك بنا في أي وقت وفي أي موضوع، ونسأل الله – العلي الأعلى – بأسمائه الحسنى وصفاته العلى أن يجنبك الفواحش ما ظهر منها وما بطن، وأن يحفظك من كل مكروه وسوء، وأن يصرف عنك كيد شياطين الإنس والجن، وأن يوفقك في دراستك، وأن ترجعي إلى بلدك سالمة غانمة محافظة على دينك وعلى علاقتك مع ربك ومولاك ومتبعة هدي نبيك صلى الله عليه وسلم .
وبخصوص ما ورد برسالتك - أختي الكريمة الفاضلة – من أن مشكلتك أنك تشعرين بأنك منجذبة نحو مشرف بحثك، مع العلم أنه غير مسلم، وهو لا يشعر بذلك، والله تبارك وتعالى هو الذي يعلم معاناتك ومقاومتك لهذه الرغبة التي سيطرت عليك وأفسدت عليك حياتك.
أقول - أختي الكريمة الفاضلة - : إن العواطف لا تعرف الأديان ولا تعرف اللغات ولا تعرف الجنسيات، فإن العواطف والمشاعر تتجه إلى الإنسان حيث تشعر النفس بجوعها، فهي جائعة تجاه شيء معين وما أن ترى هذا الشيء الذي تريده حتى تنجذب إليه، وتلك هي النفس الأمارة بالسوء، ويأتي العقل ليتحكم في هذه العواطف: هل هي تسير في مسارها الطبيعي أم لا؟ ومن هنا فإن الله تبارك وتعالى أنعم علينا بنعمة العقل حتى يكون فاصلا ومقيدا لرغبات النفس وشهواتها.
فالنفس كما تعلمين بطبيعتها متمردة، وكما قال الله تعالى: (( إن النفس لأمارة بالسوء إلا ما رحم ربي ))[يوسف:53]، وإذا لم يقف العقل مانعا لها وحائلا بينها وبين الحرام لوقعت فيه وغرقت غرقا لا نجاة بعدها، ولذلك أنت قطعا ومما لا شك فيه يقينا تعلمين أن إقامة علاقة مع رجل مسلم خارج إطار الزوجية محرم، فما بالك بإقامة علاقة مع رجل غير مسلم، وقد قال تعالى: (( لا هن حل لهم ولا هم يحلون لهن ))[الممتحنة:10] لا المرأة المسلمة تحل للرجل الكافر ولا الرجل الكافر يحل للمرأة المسلمة، ولذلك هذه المشاعر التي تشعرين بها تجاه هذا المشرف إنما جاءت أولا نتيجة الفراغ العاطفي الذي تعيشينه، فلقد وصلت إلى الثلاثين عاما ولم تتزوجي، ولست متزوجة، وقطعا تعانين من فراغ عاطفي كبير وأمامك مساحة واسعة لم يملأها أحد، فما أن تعاملت مع الرجل تعاملا مباشرا إلا وبدأت في الميل رغما عنك إليه، رغم أنه – كما ذكرت – لا يشعر بذلك ولا يعرف عن ذلك شيئا، فتلك هي مشكلتك - أختي الكريمة الفاضلة – وهي نوع من الابتلاء والاختبار الشديد، وهذا إن دل على شيء فإنما يدل على أنك على درجة عالية من الإيمان، ولذلك ابتلاك الله تعالى بهذا الابتلاء الشديد، فأنت ولله الحمد امرأة متدينة ومحافظة على صلاتك ومحافظة على طاعة الله تعالى، ولعل الله شاء أن يبتليك حتى تتأكدي هل أنت فعلا متدينة أم لا؟ لأن التدين قد يكون قشريا وقد يكون ظاهريا، ولذلك ما أن تتراء المعصية للإنسان حتى يقع فيها، كما لو كان لا يعرف من الدين شيئا، فهذه معركتك الآن التي لابد أن تحسميها لصالح دينك، الرجل غير مسلم، ومعنى غير مسلم أنه لا يجوز بحال أن يكون بينك ويبنه أي علاقة خارج إطار العمل، وهذه العواطف التي تعتمل في نفسك ماذا تعملين بها؟ إذا استطعت أن تغيري هذا المشرف إلى غيره فذلك حسن، وإذا استطعت أن تغيري هذا النشاط بالكلية وتبحثي عن نشاط آخر أو عن تخصص آخر لا تتعاملين معه هذه المعاملة فهذا حسن، إن استطعت أن تتركي الدراسة كلها بالكامل وأن تبحثي عن مجال آخر بعيدا عن هذا فهذا حسن، وإن لم تستطيعي ذلك ولجأت إلى العودة إلى بلدك حتى وإن أخفقت في الدراسة فذلك أفضل؛ لأن دينك أولى - أختي الكريمة – من أن يضيع؛ لأن الشهادة قد تستفيدين منها وقد لا تستفيدين، بل إنه في جميع الأحوال قد تأتين بشهادة كبيرة ويستفيد منها غيرك، أما أنت لم تستفيدي منها شيئا، اللهم أكثر من السمعة وحرف الدال (دكتورة) الذي سيوضع أمام اسمك، ولكن معاناتك الحقيقة لم ولن تحل بهذه الكيفية.
فالنبي عليه الصلاة والسلام أخبرنا بقوله: (احرص على ما ينفعك واستعن بالله ولا تعجز)، فانظري في مصلحة نفسك أولا قبل أن تنظري في مصلحة الناس، فإذا كانت مصلحة نفسك أن تظلي وتواصلي الدراسة بدون أدنى قدر من التضحية فلا مانع، أما إذا كنت ستشعرين أنك ستضحين بدينك أو قيمك أو مبادئك فأنا أرى أن العودة أفضل وأسلم وأنجى وأحكم مائة مرة من البقاء في مجتمع يذهب بدينك وعفتك وفضيلتك، وأفضل مائة مرة من آلاف الشهادات وأفضل مائة مرة بالدنيا وما فيها، ولذلك أقول:
أتمنى بجوار المحافظة على الصوم والاستغفار أن تحاولي جادة وبجدية وبقوة البحث عن تخصص آخر أو أن تحولي بحثك إلى مشرف آخر لم تبتلي معه بهذا الابتلاء، فحاولي قدر الاستطاعة حتى تجدي هذا المشرف الجديد أن تكبتي هذه المشاعر وتلك العواطف ولا تصرحي بها أبدا، واجتهدي ألا تختلي به، وألا تطيلي الجلوس معه، وإنما اجعلي الجلوس بقدر ملح الطعام، الحاجة الضرورية القصوى، وإذا كنت تستطيعين أن تقومي بشيء بنفسك فلا تستعيني به أبدا؛ لأن الاحتكاك سيؤدي إلى مزيد من عمق العاطفة لديك وبالتالي مزيد من المعاناة والتي قد تضعفي أمامها فتفقدي دينك ودنياك معا - والعياذ بالله رب العالمين - .
فأنا أرى ضرورة البحث عن مشرف آخر إذا كان ذلك ممكنا، وابدئي في ذلك في أسرع وقت، وخلال هذه الفترة قللي الاحتكاك به إلى أضيق حد ممكن، ولا تختلطي به وحدك حتى لا تكوني عرضة لأن يسيطر عليك الشيطان، لأني أتوقع بأنه هو الآن قد يشرح لك بعض المسائل وأنت مشغولة به هو شخصيا تفكرين في يده وتفكرين في عينه وتفكرين في شعره.
والشيطان يزين ذلك كله لك وتستمتعين فقط لمجرد الجلوس معه حتى وإن لم يشرح لك شيئا، هذه كلها إنما هي النفس الأمارة بالسوء، وأنت لديك نفس أوشكت أن تتمرد على شرع الله تعالى، إذا لم تكبحيها بموقف قوي فقد تضيع عليك الأخضر واليابس – والعياذ بالله - .
فكما ذكرت البحث عن مشرف آخر أو نقل إلى تخصص آخر أو ترك هذه الجامعة إلى غيرها لا مانع من ذلك أو العودة إلى بلدك سالمة في دينك ودنياك خير لك ألف مرة من أن تضحي بدينك خاصة بأن هذا الرجل غير مسلم.
أنا ذكرت لك أنه حتى وإن كان مسلما لا يجوز أن تختلي به ولا أن تتكلمي معه، فما بالك بأن هذا رجل غير مسلم؟! وأنت تشعرين بهذا الكلام يقينا، وهو أيضا في نفس الوقت لا يشعر بذلك، المشكلة أنه لو شعر بذلك قد يبادلك هذا الأمر فتسقطين نهائيا، ولكن أقول: من رحمة الله أنه لم يشعر بذلك لأنك مازلت محافظة على توازنك، وهذا الذي أتمناه.
قاومي - بارك الله فيك – حتى تبحثي عن مخرج عملي، لا يكفي مجرد الصيام والاستغفار فإن هذه وسائل وإن كانت رائعة ولكن أحيانا قد يكون التحدي أكبر منها، فهي تعجز عن المقاومة أيضا لأن التحدي أخطر منها، ولكن الحل العملي إنما هو عن مشرف آخر أو الانتقال إلى تخصص آخر أو البحث عن جامعة أخرى أو العودة حتى دون إكمال الدراسة فذلك خير لك وأسلم.
أسأل الله تبارك وتعالى أن يثبتك على الحق، وأن يحفظك من كل مكروه وسوء، وأوصيك بمواصلة الصوم والاستغفار والصلاة على النبي عليه الصلاة والسلام والدعاء والتضرع إلى الله تعالى أن يعافيك، ولا تشعري بأنك خجلة من الله تعالى من أن تطلبي منه العون، بل اطلبي منه العون وألحي عليه أن يعافيك؛ لأنه كما ذكر الله تعالى في القرآن: {ليس لها من دون الله كاشفة}، فإذا لم يعافيك الله ولم يثبتك فإنك ستضيعين ضياعا لا نجاة بعده إلا إذا شاء الله تعالى، فأوصيك بمواصلة الدعاء ومع الاستغفار ومع الصيام ومع الصلاة ومع الصلاة على النبي صلى الله عليه وسلم خاصة والبحث عن حل عملي كما ذكرت لك.
أسأل الله لك التوفيق والسداد والهداية والرشاد، وأن ترجعي إلى بلدك سالمة غانمة عفيفة فاضلة تقية نقية صالحة.
هذا وبالله التوفيق.