توجيهات لفتاة في التعامل مع عنف أبيها المؤثر عليها وعلى أخيها

0 534

السؤال

لدي مشكلة مع والدي، عندما كنا صغارا كان عنيفا معي وإخوتي بالأخص، أخي الأكبر الذي آذاه جدا فأصبح محطما وعصبيا مثله، وفشل في دراسته وعلاقته مع الآخرين.

أنا ذهبت للدراسة في الخارج وحصلت على بعض الثقة بالنفس، لكن عندما عدت وجدت أخي في حالة يرثى لها بسبب العنف اللفظي والجسدي الذي تعرض له، وأصبح كلما انزعج من أمر يكون عنيفا وعصبيا وبشعا بصورة أصبحت أخاف عليه من الجنون وعلينا من الأذى، ولا ندري ماذا نفعل معه؟!

الأسوأ أن الأمر بدأ ينتقل إلي من العصبية والعنف والغضب والصراخ في والدي طول اليوم، وأتذكر ما فعله بي وبإخوتي وأحقد عليه ولا أستطيع مسامحته، وأخاف من ربي، لكن بسببه لا أستطيع الزواج وأخي أيضا؛ لأن علاقة الزواج مشوهة بالنسبة لنا.

أفقدنا والدي بركة بر الوالدين، وأنا حائرة بين عقوق الوالدين وذكريات الظلم، فما هو الحل لكلينا؟

الإجابــة

بسم الله الرحمن الرحيم.
الأخت الفاضلة/ ندى العلي حفظها الله.
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته، وبعد:

فإن ما تعانون منه مع والدكم مشكلة كبيرة، لا سيما أنكم بين أمرين أحلاهما مر: بر الوالدين، ومعايشة شخص يفتقر إلى المشاعر والأحاسيس، أو على الأقل لا يستطيع أن يعبر عنها، ولكن هذا والدكم وصاحب الفضل بعد الله تعالى عليكم، فهو سبب وجودكم في هذه الدنيا، وثقي أن ليس أحد في هذه الدنيا أكثر حبا لكم ويتمنى لكم الخير مثله، ولكن المسكين قد ابتلي بما ترونه منه، فقد يكون تعرض لطفولة قاسية أو لحرمان أو لمواقف سلبية حادة في حياته، وتأكدي أنه حين يقوم بهذا السلوك العنيف تجدينه بعدها يتحسر لما يسببه لكم من شقاء فيزيد انهيارا وتحطيما ولكنه لا يبوح.

وقد يكون تعرض لأسلوب خاطئ في التربية، كالدلال الزائد الذي يفقد الشخص الإحساس بالآخرين، أو القساوة الزائدة كما تعانون أنتم منه؛ لأن الآباء كل منهم يعبر عن حبه لأبنائه بطريقة معينة، منهم من يعبر بسخاء في الجانب المادي، وآخرون في الدلال والدلع، وغيرهم في الشدة والقساوة، وغيرهم في التقتير والحرمان، ومنهم من يوفقه الله لتربيتهم تربية صالحة.

عزيزتي! اختلقوا لوالدكم الأعذار، فليس سهلا على إنسان أن يكوي جسده، وأنتم بالنسبة لوالدكم ليس الجسد وإنما فلذات الكبد.

وبما أن الله جل وعلا يسر لك علما ومخرجا فيكون دورك أكبر، أين دورك مع والدك؟ لماذا لا تتقربين منه وتتوددين إليه؟! خاصة أنك أنت الأنثى وقد حباك الله فن الاحتواء، إضافة إلى أنك أنت الابنة، والبنت بفطرتها تكون أكثر حنانا وتعلقا بوالدها؟

لا تقولي: إنه عصبي وقاس لا يمكن أن يتغير، تغيروا أنتم في معاملتكم معه فسيتغير يقينا، كوني لطيفة معه، أسمعيه كلمات حنان، اخفضي له جناح الذل من الرحمة، قبلي يديه ورجليه، أشعريه بحبك وقربك وحاجتك إليه، ليشعر أنكم عزوته وسنده، لا تقولي: لا أستطيع، استعيني بالله ويقينا سيعينك على ذلك، لا أحد في هذه الدنيا يعيبك بهذا الفعل، بل الكل سيغبطك، يتمنى أن يكون مكانك، هذا باب من أبواب الجنة مفتوح لديكم اغتنموه قبل أن يغلق.

حبيبتي! اتركي الجفاء وابتعدي عنه، فالجفاء لا يولد إلا جفاء، ومع من؟ مع والدك.

تأكدي أن والدك قد كبر ولم يعد كما كان شابا، فهو يشعر الآن أنه محتاج لكم ولكن المسكين معذور لا تعلمون ما بداخله، قد يعاني من أعراض نفسية تجعله لا يستطيع أن يتحكم في نفسه، أما أخوك فأيضا الدور الأكبر عليك، اقتربي منه، خفضي من آلامه، امتصي غضبه، قربيه من والدتك، وفي الأثر: (إن من البيان لسحرا)، شجعيه أن يكمل تعليمه وأن يتزوج، وقولي له: أنك قد استفدت كثيرا من هذه التجربة، أشعريه أنه سيكون أنجح أب وأقرب والد إلى أبنائه، وأنك تتوقعين أن ما حرم منه سيحققه مع أبنائه، وأن بره بوالده وخضوعه له سيجده من أبنائه أضعافا مضاعفة، ارسمي أمامه حياة عائلية جميلة ومستقبلا زاهرا وما ذلك على الله ببعيد.

استعيني بالله ولا تنسي أن تحتسبي عنده كل خطوة، وأكثري من الدعاء للوالد.

أنت كذلك فكري في نفسك وفكري جديا في الزواج إذا تقدم من ترضين دينه وخلقه، ولا تتوقعي أن الرجال وحوش كاسرة، فهم الآباء والأبناء والإخوان، وهم الظل الذي نستظل به.

عزيزتي! احتسبي الأجر ولا تفكري في الماضي فإن التفكير فيه يولد الاكتئاب، عيشي حاضرك واستشرفي المستقبل وكوني متفائلة، فقد يضمك ويضم أخاك بيوت سعيدة ترفرف عليها الطمأنينة والمودة والسكنى، وتكونون أسرا سعيدة يحتذى بها.

كلمة جميلة في رسالتك أعجبتني (بركة بر الوالدين)، إذن أنت متفقة معي وتعلمين أن لبر الوالدين (بركة)، أسأل المنان جلت قدرته أن يرزقكم بره وأن يبارك لكم في النية والذرية.

والله الموفق.

مواد ذات صلة

الاستشارات