السؤال
أختي جامعية عمرها 22 سنة، إنسانة طبيعية جدا، ولكن عندما تغضب - تزعل بشدة من موضوع أو شيء معين - تتحول إلى طفلة صغيرة، وتبدأ في تشبيك أصابعها، وتتكلم كأنها طفلة صغيرة، حيث تتكلم كلاما غير منطقي، وعند محاولة تهدئتها أو الاقتراب منها تصرخ عاليا، وتستمر لمدة ربع ساعة أو أكثر على هذه الحالة، ثم بعد ذلك تعود لحالتها الطبيعية، وقد عرضناها على طبيب نفسي ولكن لا يوجد تحسن في حالتها، فما الذي يصيبها؟
وجزاكم الله خيرا.
الإجابــة
بسم الله الرحمن الرحيم
الأخ الفاضل/ محمد علي حفظه الله.
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته، وبعد:
فلا شك أن الغضب هو أحد الانفعالات النفسية السلبية، وبعض الناس ليس لهم المقدرة على إدارة الغضب، وهذا تكون له تبعات نفسية كثيرة.
والذي يحدث لأختك ويبدر منها ويظهر في صورة تحول إلى سلوك طفل صغير، هذا نسميه بالنكوص أو الرجوع إلى مرحلة عمرية سابقة، وتفسير ذلك أن بعض الأشخاص الذين لديهم هشاشة في قواهم النفسية، حين يتعرضون إلى أي ضغوط أو أي ردود أو نفسية أو أي انفعالات نفسية تحدث لهم حالة النكوص والرجوع هذه، وهذا نوع من الدفاع النفسي السلبي، والعلماء فسروا هذا النكوص بأنه دليل على البحث عن الاهتمام وشد الانتباه واستدرار العطف.
هذا ليس نوعا من التصنع أو التمثيل، إنما هو شعور وميكانزمات نفسية تكون على مستوى اللاوعي.. أرجو أن أكون قد أوضحت طبيعة هذه الحالة التي تحدث للفاضلة أختكم.
أما طريقة العلاج، فإننا ننصح بالتجاهل، فحين تأتي هذه النوبات لها يفضل تجاهلها؛ لأن التجاهل لا يلبي حاجة الإنسان في شد الانتباه، والذي أقصده هو أننا حين لا نستجيب ولا نتفاعل مع الشخص حين تصدر منه مثل هذه التصرفات، هنا نكون قد أوقفنا المردود الإيجابي النفسي الذي يحدث له من اهتمامنا به وتركيزنا عليه.. إذن التجاهل بقدر المستطاع لهذا السلوك وعدم الاهتمام به من جانبكم هذا سوف يساعدها كثيرا.
ثانيا: أرجو من هذه الأخت أو الابنة الفاضلة أن تتعلم إدارة الغضب، وأقصد بذلك أن تعرف أولا أن الغضب هو تعبير مزعج للإنسان وللآخرين، وأن من يتحكم ظهور الغضب إنما هو الشيطان، وإذا استعاذت بالله من الشيطان الرجيم عندما يأتيها الغضب فإن هذا علاج نبوي صريح؛ حيث أوصى النبي صلى الله عليه وسلم لبعض أصحابه: (لا تغضب، لا تغضب، لا تغضب)، وحيث قال للذي احمر وجهه وكان في موقف غضب: (إني أعلم كلمة لو قالها لذهب الله عنه ما به: أعوذ بالله من الشيطان الرجيم) أو كما قال صلى الله عليه وسلم.
ويجب أن تعلم أن الغضب لن يوصل الإنسان لأي نتيجة إيجابية، بل على العكس تماما يؤدي إلى صعوبات كثيرة في علاقاته الاجتماعية ويسبب له القلق والتوتر.
وهذه الأخت يجب أن تنصح بأن تعبر عن ذاتها كلاميا، تعبر عن مشاعرها لفظيا، ولا تعبر عن طريق الأفعال مثل تشبيك الأصابع أو الكلام كما يتكلم الطفل الصغير والذي أسميناه بـ(النكوص)، وسيكون من الجميل بالنسبة لها أن تتجنب ما نسميه بالاحتقان النفسي، والذي ينتج من التراكمات النفسية السلبية، والتي يكون سببها أن الإنسان يتحمل فوق طاقته ويسكت عن أشياء كثيرة تكون غير مرضية له، وهذا يؤدي إلى احتقان واحتقان نفسي، يشتد هذا الاحتقان ليظهر في شكل سلوك غير متواءم وغير مقبول مثل الذي يبدر من الفاضلة أختك.
أنصح أيضا أن تلتزم هذه الأخت ما ورد في السنة المطهرة فيما يخص تدارك ومواجهة الغضب، ومن أهمهما الاستغفار والاستعاذة بالله من الشيطان الرجيم كما ذكرنا حين الغضب، وأن ينفث الإنسان على شقه الأيسر، وأن يغير المكان وموضعها وهيئتها، من أنها إذا كانت قائمة فلتجلس وإذا كانت جالسة فلترقد، وأن تتوضأ مثلا؛ لأن الوضوء من الماء والغضب من الشيطان والشيطان من النار، ولا يطفئ النار إلا الماء، وأن تصلي ركعتين.
قد أتاني أحد الإخوة يعاني من ثورات شديدة من الغضب للدرجة التي أخلت بصلته مع الآخرين، وأصبح يعيش في حالة من القلق والاكتئاب، وهو رجل لديه قيم فاضلة، وهذا أدى إلى تصادم داخلي لديه، وحين نصحته بتطبيق ما ورد في السنة المطهرة، في مواجهة الغضب، وقام بتطبيق ذلك، أتاني بعد شهرين ليقول لي: (لقد شفيت تماما؛ لأني أصبحت حين تنتابني بوادر الغضب الأولى أتذكر فقط ما ورد في السنة المطهرة لمواجهة الغضب، ودون أن أطبقه يذهب عني الغضب)، وقد صدق!
إذن ما ورد في الإرشادات النبوية لعلاج الغضب خير علاج وهو عظيم جدا، فأرجو أن تساعد أختك هذه للإلمام حول ما ورد في السنة المطهرة، وأن تساعدها في تطبيقه، ولابد أن يكون لها قناعات فعلية بالقيمة العلاجية العالية السامية لهذا الطب النبوي.
هذه الأخت أيضا سيكون من الجميل لها أن تمارس أي نوع من التمارين الرياضية التي تناسب الفتاة المسلمة، فهذا يؤدي إن شاء الله إلى استرخاء داخلي، وهنالك تمارين مخصوصة للاسترخاء، إذا مارستها أيضا ستنتفع بها كثيرا، ويمكنها أن تتحصل على شريط أو كتيب من أحد المكتبات الكبرى يوضح كيفية ممارسة تمارين الاسترخاء.
بقي أن أضيف أن هذه الابنة حفظها الله إذا كانت قلقة بطبيعتها، فلا بأس من أن تتناول أحد الأدوية البسيطة جدا لعلاج القلق، ومن هذه الأدوية دواء يعرف تجاريا باسم (سبرالكس Cipralex)، ويعرف علميا باسم (استالوبرام Escitalopram)، وهي في حاجة؛ لأن تتناوله بجرعة صغيرة، وهي خمسة مليجرام ليلا بعد الأكل.
الدواء لا يوجد في عبوة خمسة مليجراما، إنما يوجد في شكل حبوب تحتوي على عشرة مليجراما وأخرى على عشرين مليجراما، فيمكنها أن تتحصل على العبوة التي تحتوي على عشرة مليجراما وتتناولها نصف حبة فقط ليلا، لمدة شهرين، ثم خمسة مليجراما يوما بعد يوم لمدة شهر، ثم تتوقف عن تناوله.
يوجد أيضا دواء آخر يمكن أن يكون بديلا جيدا للسبرالكس، وهو يعرف تجاريا باسم (فلوناكسول Flunaxol) ويعرف علميا باسم (فلوبنتكسول Flupenthixol)، والجرعة المطلوبة لعلاج القلق ونوبات الغضب هو حبة واحدة (نصف مليجراما) يوميا في الصباح لمدة ثلاثة أشهر.. وهذه الأدوية كلها أدوية بسيطة وأدوية سليمة وغير إدمانية وغير تعودية.
وختاما نشكرك كثيرا على ثقتك في إسلام ويب، ونسأل الله تعالى لأختك الصحة والعافية، ونشكرك على اهتمامك بأمرها.
وبالله التوفيق والسداد.