السؤال
السلام عليكم ورحمه الله تعالى وبركاته
ابنتي تبلغ من العمر ثلاث سنوات، ألاحظ عليها دائما البكاء المستمر والتبرم والضيق إلا ما ندر، فأحس أحيانا بأنها امرأة مهمومة وليست طفلا، مع توفيري لها جميع وسائل الترفيه في المنزل، وتطلق ألفاظا سيئة بشعة على الجميع، ولا تنفذ أي أمر يطلب منها إلا ما ندر، وأعاني من طريقه تنويمها، إذ أن زوجي يأخذها بعض الأحيان في السيارة كي تنام ثم يحضرها ويضعها في الفراش.
كما أعاني أيضا من كيفية ملاعبتها، إذ من النادر أن تلعب لوحدها، وتضرب أخاها الصغير البالغ من العمر سنة وأربعة أشهر، مع العلم أني دائما أقربه لها وأقول لها هذا ولدك أنت كي تتعامل معه بلطف، ولكنها تلعب معه قليلا ثم تقوم في ضربه، وإذا دخل أي طفل في المنزل تقوم بضربه بعد اللعب معه قليلا، ثم إذا قلنا لها أنه سوف يذهب عنها تقوم بالبكاء الشديد، ولقد احترت كثيرا في كيفية عقابها على الخطأ المتكرر.
جزاكم الله كل خير على إتاحة الفرصة لنا واستقبال استفساراتنا.
الإجابــة
بسم الله الرحمن الرحيم
الأخت الفاضلة/ نوره الحربي حفظها الله.
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته، وبعد:
أسأل الله أن يصلح لنا ولكم النية والذرية، ومنه نستمد التوفيق وعليه التكلان، ولا حول ولا قوة إلا بالله.
أرجو أن تطمئني فهذه الطفلة سوف تتخلى عن عادة البكاء قريبا بإذن الله، ولا شك أن هذه الحالة لها علاقة بالمولود الصغير الذي صرفتم الاهتمام إليه أو هكذا تشعر هذه الطفلة التي وجدت فجأة من يقاسمها الاهتمام والعطف الذي طالما انفردت به وحدها .
ربما كانت هذه الحالة بسبب عدم الاستقرار في فترة الحمل بالنسبة للطفلة صاحبة المشكلة نفسها، فإذا كانت الأم غير راغبة في الحمل وحصل الحمل، أو عانت الأم في فترة الحمل مشاكل وأزمات واضطرابات، فكل هذا يؤثر على الطفل إذا خرج إلى الدنيا، ونجد أنفسنا أمام طفل عصبي المزاج، عدواني إلى غير ذلك من الصفات .
قد يكون السبب هو تلبيتكم لطلبات هذه الطفلة عندما تبكي، وهذا خطأ، ولكن بعض الأطفال يتربى على ذلك بكل أسف، وقد سأل بعض الفلاحين بعض العلماء وقال له: ولدي طفل وأريد أن أعرف منهج الإسلام في تربيته، فقال الشيخ: منذ متى ؟ قال: قبل ثلاثة أشهر، فقال الشيخ: لقد تأخرت كثيرا، ثم قال له : لعله يبكي فتسارعون إلى حمله، قال: نعم، قال فلا تفعلوا؛ لأنه إذا كبر لن تكون عنده حيلة غير الدموع.
قد سبق بالإشارة إلى هذا المعنى العلامة ابن القيم رحمة الله عليه، ونبه إلى ضرورة ترك الطفل يبكي حتى ينشأ واسع الصدر قليل الانفعال، وحتى لا يكون عصبيا، والأم الناجحة تعرف سبب البكاء، فقد يبكي الطفل من الجوع، وربما لعدم اعتدال الجو، وربما لمرض، وربما كان سبب البكاء هو وجود فضلات تؤذيه، وقد يكون سبب البكاء للفت الأنظار ونوع من الدلال، وهذا يحدث كثيرا في المولود الأول، خاصة إذا جاء بعد طول انتظار، أو ولد في أسرة ممتدة، أي فيها جدات وعمات وخالات يتنافسن على الاهتمام والتدليل، وهنا تكون جرعة الاهتمام زائدة، ولا يطيق الطفل فقدها، ولا يقبل بالانتقاص منها مستقبلا.
عندما يأتي طفل للعب معها فأرجو عدم الثناء على الطفل القادم، إلا إذا بدأتم بالثناء عليها، فلا تمدحوا ثياب الأطفال أمامها، ولا تظهروا الحفاوة بهم؛ حتى لا تحقد عليهم وتعتدي عليهم، واحذروا المقارنات السلبية، فلا تقول: هذا طفل نظيف لا يبكي أو نحو ذلك، والصواب أن نقول فلانة ممتازة ثيابها جميلة، وكذلك فلان.
أما العقوبة على الأخطاء، فلابد أولا من الاجتهاد في تفاديها عن طريق التشجيع، وصرف النظر حتى لا نرسخ بعض الأخطاء، والاكتفاء بالنظر وإظهار عدم الرضا، فإذا لم تنفع هذه الوسائل حاولنا بيان الصواب والتشجيع عليه، فلا يجوز العقوبة دون بيان الخطأ، فإذا تكررت الأخطاء بعد ذلك غيرنا نبرة الصوت، واستخدمنا أسلوب التهديد، ويكون بأشياء معقولة، ثم ننفذ هذا التهديد كأن نقول: لن نشتري لك حلوى إذا فعلت كذا وكذا، ونعلق السوط في البيت، وننظر إليه بين الحين والآخر، فإذا لم تجد هذه الوسائل استخدمنا العقوبة، وشرطها أن تكون مناسبة للخطأ، فلا يجوز العقوبة الكبيرة للخطأ الصغير أو غير المقصود، وأن تكون بوسيلة مناسبة، ونتجنب المواطن الحساسة، ونوحد المنهج فلا تعاقب الأم، حتى لا يشعر الطفل أن له ظهر يحميه إذا أخطأ، وأرجو كذلك أن لا يكون فينا من يقول مسكينة اتركوها .
أوصيك أختي بعدم استخدام الكلمات الجارحة، وتجنب العقوبة أمام الأطفال، واحذري أن تعلني عجزك عن العلاج والطفلة تسمع، فلا نقول مثلا عجزنا عن علاج مشكلة هذه الطفلة، وهنا ينتفخ الطفل ويعاند، ولا ترددوا العبارات التي تبكيها .
عندما تبكي الطفلة أو تهرب أو يظهر عليها الخوف الشديد فيفضل إيقاف العقوبة؛ لأن القصد هو التأديب وليس الانتقام .
وأخيرا: لا داعي للقلق، فالطفلة صغيرة، وسوف تتغير إلى الأصلح بعون الله وتوفيقه.
وبالله التوفيق.