السؤال
أنا شاب إمام مسجد ولله الحمد، وأقوم بالدعوة إلى الله من خلال الدروس في المسجد، وكذلك الدعوة الفردية في الحي لكل من أعرف عنه الغفلة أو البعد عن الله أو وقوعه في المعاصي، ولكني للأسف الشديد أعاني من الشغف بمتابعة كرة القدم، وأحب مشاهدة المباريات، ومتابعة الدوريات في بعض البلاد العربية والمسابقات الدولية، وهذا يجعلني أتحسر على ضياع الأوقات، وفقدان القدوة عند من يشاهدني أشاهد المباريات سواء أولادي أو بعض الشباب الذين أشاهد معهم المباريات (في المجالس)، إضافة إلى التقصير في جوانب أخرى، فقد يؤدي إلى التقصير في الدروس أو إشغال الفكر بأمور غير مهمة، فما نصيحتكم وتوجيهاتكم؟ مع الدعوة لي في ظهر الغيب.
الإجابــة
بسم الله الرحمن الرحيم
الأخ الفاضل/ سائل حفظه الله.
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته، وبعد:
فإننا نمدح فيك حرصك على الدعوة إلى الله، ونشكر لك الاهتمام بالوصول إلى الناس ونصحهم، ونسعد بحرصك على الخير، ونعتقد أن هذا الشعور هو الخطوة الأولى في طريق التصحيح والترشيد؛ لأن الاهتمام بالرياضة في حد ذاته قد لا يضر كثيرا إلا عندما يزيد عن حده أو يخرج عن الإطار المقبول شرعا، ولكن مجرد المعرفة للرياضة وأحوال أهلها مدخل هام لدعوة الكثيرين.
وقد تولى بعض الأخيار قطاع الرياضة، فلما سألوه عن خططه قال: سوف أعمل على إصلاح العقائد وإحياء الشعائر، وتحسين الأخلاق بالنسبة للاعبين والمشجعين، واتخذ في هذا الاتجاه خطوات مشهودة ومشكورة من تهيئة أماكن الصلاة في الأندية والميادين، وإقامة حلق التلاوة وتحديدا أساليب راقية للتشجيع تخلو من السب واللعن.
ولا يخفى عليك أخي الكريم أن رياضة كرة القدم تعتبر من أنظف أنواع الرياضة الموجودة في زماننا، والمطلوب هو أن لا تأخذ أكبر من حجمها، ولا تتحول إلى غاية في نفسها؛ لأنها عند ذلك تكون كما قال الأستاذ/ محمد قطب كأنها تربية عجول، أو كما قال الصحفي السوداني محمد طه رحمه الله: (أنا أريد أن أسأل هل هذه الكرة تلعب أم هي مادة للمذاكرة)، وكان كلامه تعليقا على كثرة الصحف الرياضية والتحليلات والمناقشات، ولعلنا نتفق أن الذي يستفيد حقيقة هو الذي يجري ويحرك جسمه، وتكتمل الفائدة إذا استخدم تلك القوة والفنون في الصلاة والصلاح.
ومن هنا فنحن ندعو شيخنا الكريم إلى الانسحاب التدريجي من الساحة الرياضية ولا مانع من الاكتفاء بمعرفة الأخبار الأساسية فقط؛ لأن الدخول في العمق والحماس للفرق الرياضية قد يؤثر على هيبة الشيخ ووقاره وعظمة المهمة التي يقوم بها، ومعلوم أن الرياضة قد تحمل الإنسان على احترام من معه ولو كان كافرا وتحقير من يخالفه، ولكن كان أخا مسلما، وهذه واحدة من الدوائر المظلمة في عالم الرياضة.
وهذا بالإضافة إلى ما نبهتنا إليه من كون الاهتمام بالرياضة وإخبارها يكون على حساب ما هو أهم منها بكثير خاصة لمن هم في مقامك، وقد يضطر الإنسان القدوة إلى ترك كثير من المباحات، كما ترك الأوزاعي كثرة الضحك عندما آلت إليه الخلافة، وزهد أبو الدرداء في التجارة طمعا في تجارة عند الله لا تبور، وعلى قدر أهل العزم تأتي العزائم.
وهذه وصيتي لك بتقوى الله ثم بكثرة اللجوء إلى الله، ومن أمثالك ننتظر التوجيه، ولا أظن أن الانسحاب من ساحات الكرة فيه صعوبة، وقد مرت على فترة في حياتي أخذت الرياضة مني أوقاتا كثيرة، ولكن الله سلم فله الفضل والمنة، فلنعط المرح بمقدار ما يعطى الطعام من الملح.
وبالله التوفيق والسداد.