الوساوس القهرية وعلاجها

0 711

السؤال

بسم الله الرحمن الرحيم

أنا في صراع مع نفسي حول وجود الله، علما أني أصلي، ولكن أنا في ضياع، أخاف أن أكون من الذين يظلهم الله، أرشدوني أرجوكم أرشدوني.

الإجابــة

بسم الله الرحمن الرحيم
الأخت الفاضلة/ ريم حفظها الله.
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته، وبعد:

فإنه ليسرنا أن نرحب بك في موقعك إسلام ويب، فأهلا وسهلا ومرحبا بك، وكم يسعدنا اتصالك بنا في أي وقت وفي أي موضوع، ونسأل الله العلي الأعلى بأسمائه الحسنى وصفاته العلى أن يثبتك على الحق، وأن يهديك صراطه المستقيم، وأن يصرف عنك كيد شياطين الإنس والجن، وأن يملأ قلبك محبة له وعلما به وإخلاصا وإخباتا له، وحسن ظن به، وتوكل عليه، وأن يرزقك حبه وحب من يحبه وحب كل عمل صالح يقربك إلى حبه، وأن يخرجك من هذه الفترة الحرجة، وأن يثبتك على الحق، وأن يهديك صراطه المستقيم.

وبخصوص ما ورد برسالتك، فإن كونك حريصة على حل المشكلة معنى ذلك أنها ليست عقيدة في قلبك، وإنما هي مجرد شبهات أثارها الشيطان في عقلك وفي نفسك؛ لأن الإنسان الملحد والعياذ بالله الذي يضله الله تعالى يرى أنه على الصواب ولا يرى أنه على الخطأ، ويزين له الشيطان عمله، كما أخبر الله تبارك وتعالى في قصة سبأ حيث قال جل جلاله: (( وزين لهم الشيطان أعمالهم فصدهم عن السبيل فهم لا يهتدون ))[النمل:24].

أما كونك تشعرين فعلا بأن وضعك غير طبيعي وتشعرين بحرج شديد في نفسك، وتخافين على نفسك من سوء الخاتمة، فإن هذه كلها علامات تدل على أنك بخير وأن طريقك إلى خير بإذن الله تعالى.

وبخصوص هذه الصراعات النفسية حول وجود الله تعالى، فإنه أحيانا يذكر كثير من علماء التربية أنها تكون مصاحبة لعملية البلوغ، حيث إن الإنسان في مرحلة البلوغ يخرج من مرحلة الطفولة إلى مرحلة الرجولة أو الأنوثة الكاملة، ويحدث عنده اختلاف في جسده، حيث كما تعلمين تتغير معالم الجسد، وأعتقد أنك قد لاحظت ذلك على نفسك، وكذلك أيضا يحدث هناك تغير في نفسيته، وقد تكون هذه التغيرات سلبية أو إيجابية، حيث إن بعض الشباب في هذه المرحلة يقبل على الله بشدة ويقبل على التدين، وليس لديه أدنى مانع أن يضحي بحياته من أجل الدين، وقد يحدث العكس كما يحدث معك أنت في هذه المرحلة الآن.

ولكني أقول: ابنتي الكريمة إنها مسألة وقت، وإنها لن تطول، ولكن أريد أن أنبهك إلى أمر وهو مواصلة الصلاة وعدم التوقف عنها مهما كانت نسبة هذه الشبهات؛ لأن الشيطان - يا بنيتي - يحرص على أن يفسد الإنسان بكل وسيلة من الوسائل الممكنة، وهو يركز على عنصرين خطيرين لإضلال الناس جميعا: عنصر الشهوات والشبهات.

عنصر الشهوات، وهو أن يزين للناس الفجور ويزين لهم شرب الخمور والمعاصي، والعياذ بالله والزنى وغيره، يزين لهم هذه الأشياء حتى يغرقوا فيها، فلا يستطيعوا أن يقيموا دينا ولا أن يحافظوا على دولة.

والسلاح الثاني: سلاح الشبهات، وهو أن يثير في نفس الإنسان شبهات حول ذات الله تبارك وتعالى، أو حول النبي عليه الصلاة والسلام، أو حول القرآن أو حول العلم والعلماء أو غير ذلك من هذه الشبهات التي تجعل الإنسان فعلا يكاد أن يتمنى الموت ليخرج من هذه الأفكار الخطيرة التي لا يريد أن يبوح بها حتى بينه وبين نفسه.

ولذلك أقول: هذه مسألة وقت، وما دمت الحمد لله تصلين وأنك الحمد لله نشأت نشأة طيبة وأنك تعلمين أن الله موجود، وتعلمين بأن الخالق لكل شيء هو الله، فهذه كلها إن شاء الله تعالى عبارة عن نوع من الحرب الخفية التي يشنها الشيطان عليك، ولكن الذي أريده أن لا تستسلمي لهذه الفكرة، كلما جاءتك هذه الفكرة حاولي أن تطارديها وبقوة حتى لا تستقر في ذهنك.

أول ما تشعرين فعلا بأن الشيطان سيدخل إلى نفسك، وأن الفكرة هذه ستأتي تصبح مسيطرة على عقلك، فحاولي أن تغيري واقعك، ومعنى تغيير الواقع أنك إذا كنت نائمة فقومي من الفراش، وتحركي، وإذا كنت جالسة على أي هيئة من الهيئات فحاولي أن تقومي من مكانك وأن تتحركي، وأن تقولي: (لا إله إلا الله، لا إله إلا الله، لا إله إلا الله، أعلم أن الله على كل شيء قدير، وأن الله قد أحاط بكل شيء علما، وأن الله أحصى كل شيء عددا، وأن الله سبحانه وتعالى هو الخالق لكل شيء)، كلمات من هذا المعنى كأنك ترسلين إلى نفسك رسائل إيجابية بأن هذه الأفكار جاءتك بالغلط وأنها ليست صحيحة وأنها ليست حقيقية، وأن وجودنا نحن دليل على وجود الله، ووجود السموات والأرض دليل على وجود الله تعالى، بل وجود الكائنات كلها سواء كانت معلومة أو غير معلومة، وكل ذلك دليل على وجود الله؛ لأنه يستحيل أن توجد صنعة بغير صانع، فالسيارات اليابانية عندما يراها الناس يقولون هذه صناعة اليابان، والسيارات الكورية عندما يراها الناس يقولون هذه سيارات كورية، والصناعات الأمريكية كذلك، والصناعات الصينية كذلك، فنحن عندما نرى الصنعة نقول بأن صانعها موجود، فكيف نقول بأن الله غير موجود، رغم أن في كل شيء له آية، كما ورد في قول الشاعر:

وفي كل شيء له آية ... تدل على أنه واحد

فهذه -إذن- فكرة شيطانية كما ذكرت وسوف تزول بإذن الله تعالى.

أنصحك إذا كان لديك فرصة من الوقت مثلا لتدخلي إلى المواقع التي تتكلم عن الإعجاز العلمي في القرآن والسنة، وتحاولي أن تشاهدي بعض الأفلام الوثائقية التي وضعها العلماء أمثال الدكتور زغلول النجار وغيره وستجدين أشياء مذهلة تجعل قلبك يمتلئ يقينا بأن الله تبارك وتعالى موجود وأن الله خالق كل شيء.. فهذا من الممكن.

وهناك كتاب أيضا للشيخ عبد المجيد الزنداني بعنوان: (توحيد الخالق)، أيضا هذا الكتاب يدلنا على أن الله تبارك وتعالى موجود، وأنه الخالق لكل شيء سبحانه وتعالى، ويذكر هناك بعض النظريات العلمية التي تؤيد هذا الكلام، وإذا دخلت على الإنترنت أيضا وكتبت في مواقع البحث (توحيد الخالق) ستجدينه، ومن الممكن الاستفادة منه، فهذا حسن، وإذا لم يتيسر فلعلك تجدينه في بعض المكتبات إن وجد، وإلا فإن شاء الله تعالى مسألة الإعجاز العلمي منتشرة الآن بكثرة على سيديهات وعلى أشرطة وفي كتب وكتيبات، فمن الممكن أن تزودي نفسك بمثل هذه المعارف حتى يطمئن قلبك، ولكن كما ذكرت لك يا بنيتي ريم هي حرب خفية، أهم شيء إذا لم تستسلمي لها سوف تزول بإذن الله من تلقاء نفسها، ولكن إذا جاءتك كما ذكرت فقولي: (أعلم أن الله على كل شيء قدير، وأنه الخالق لكل شيء، وأن الله الموجد لكل شيء)، وتبدئين تقرئين بعض الآيات وتنظرين في نفسك، وتقولين: (يدي هذه علامة على وجود الله، وعيني علامة على وجود الله، كما أن السيارات التويوتا علامة على وجود شركة تسمى تويوتا، وكما أن البنيان هذا علامة على أن هناك بناء قام به، وأن هذه الأشياء كلها تدل على أن هناك من فعلها فيستحيل أن يكون هذا الكون العظيم بدون موجد وأن تكون السموات مرفوعة بغير عمد نراها ولم يوجدها أحد، وهذه الفكرة فكرة تافهة).

وحاولي أن تحقري من هذه الفكرة، ولذلك كلما جاءتك بارك الله فيك ابصقي على الأرض وكأنك تقولين بأن هذه هي الفكرة وطئيها بقدم، كأنك تتخلصين منها وتقولي: (هذه فكرة تافهة وفكرة ناقصة)، وابدئي كما ذكرت لك بالرسائل الإيجابية: (الله هو الخالق، والله عز وجل خلقني، والله عز وجل يرزقني، وهو خالق السموات والأرض، والله هو الموجد لكل شيء، هو الله، ويستحيل أن توجد هذه الأشياء ولا يوجد خالقها أو صانعها؛ لأن العقل والمنطق لا يقبل ذلك).

مع كما ذكرت لك بعض الأشياء المتعلقة بالإعجاز العلمي، سوف تجدين أن هذه المسألة تزول بإذن الله تعالى في القريب العاجل، وتكثرين كلما جاءتك هذه الفكرة من الاستعاذة بالله من الشيطان الرجيم، وإن شاء الله سوف تزول عنك وتكونين طبيعية جدا بإذن الله يا بنيتي، وهي سحابة صيف سوف تمر وتعود بالأجواء الرائعة إلى أعماق نفسك بإذن الله تعالى، وأتمنى لك التوفيق في دراستك، وأن تكوني من المتميزات حتى تتمكنين من خدمة دينك بقدرة وتفوق وتميز.

هذا وبالله التوفيق.

مواد ذات صلة

الاستشارات