0 813

السؤال

أنا في كرب لايعلمه إلا الله فهل يجوز لي تخصيص بعض الذكر كالحوقلة وقول حسبنا الله ونعم الوكيل والصلاة على الرسول في أوقات معينة من اليوم كأدبار الصلوات المكتوبة وبعد قراءة أذكارها، هل يعد ذلك بدعة وهل عملي غير خالص لوجه الله خصوصا أني أقوله لينكشف كربي وهمي وهو من أمور الدنيا؟

الإجابــة

الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعـد:

فلا شك أن قول: "حسبنا الله ونعم الوكيل" عظيم النفع بالغ الأثر، لما فيه من تفويض الأمر لله، وإظهار التوكل عليه سبحانه، وقد قال ذلك إبراهيم الخليل عليه السلام حين ألقي في النار، وقاله محمد صلى الله عليه وسلم حين قالوا له: إن الناس قد جمعوا لكم فاخشوهم، روى كل ذلك البخاري من حديث ابن عباس.

ولا شك كذلك في فضل الحوقلة فهي كنز من كنوز الجنة، كما في الحديث المتفق عليه عن أبي موسى الأشعري أن النبي صلى الله عليه وسلم قال له: ألا أدلك على كنز من كنوز الجنة؟ لا حول ولا قوة إلا بالله.

 وقال ابن كثير في التفسير: قال محمد بن إسحاق: جاء مالك الأشجعي إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال له أسر ابني عوف، فقال له رسول الله صلى الله عليه وسلم: أرسل إليه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم يأمر أن تكثر من قول لا حول ولا قوة إلا بالله، وكانوا قد شدوه بالقد فسقط القد عنه، فخرج فإذا هو بناقة لهم فركبها وأقبل، فإذا بسرح القوم الذين كانوا قد شدوه فصاح بهم، فاتبع أولها آخرها فلم يفجأ أبويه إلا وهو ينادي بالباب فقال أبوه: عوف ورب الكعبة، فقالت: أمه: واسوأتاه ! وعوف كيف يقدم لما هو فيه من القد، فاستبقا الباب والخادم، فإذا عوف قد ملأ الفناء إبلا، فقص على أبيه أمره وأمر الإبل، فقال أبوه: قفا حتى آتي رسول الله صلى الله عليه وسلم فأسأله عنها، فأتى رسول الله صلى الله عليه وسلم فأخبره بخبر عوف وخبر الإبل، فقال له رسول الله صلى الله عليه وسلم: اصنع بها ما أحببت وما كنت صانعا بمالك، ونزل: ومن يتق الله يجعل له مخرجا  ويرزقه من حيث لا يحتسب. رواه ابن أبي حاتم. اهـ

ولا شك كذلك في فضل وعظيم أثر الصلاة على رسول الله صلى الله عليه وسلم فقد روى الترمذي في سننه عن أبي بن كعب قال: كان رسول الله صلى الله عليه وسلم إذا ذهب ثلثا الليل قام فقال: يا أيها الناس اذكروا الله اذكروا الله جاءت الراجفة تتبعها الرادفة، جاء الموت بما فيه، جاء الموت بما فيه، قال أبي: قلت يا رسول الله إني أكثر الصلاة عليك فكم أجعل لك من صلاتي، فقال: ما شئت، قال: قلت: الربع، قال: ما شئت، فإن زدت فهو خير لك، قلت: النصف، قال: ما شئت فإن زدت فهو خير لك، قال: قلت: فالثلثين، قال: ما شئت فإن زدت فهو خير لك، قلت: أجعل لك صلاتي كلها، قال: إذا تكفى همك ويغفر لك ذنبك.

قال الترمذي: حسن صحيح، قال: في تحفة الأحوذي: يعني إذا صرفت جميع أزمان دعائك في الصلاة علي أعطيت مرام الدنيا والآخرة. انتهى.

وأما التزام ما ذكرت من تخصيص دعاء معين بوقت معين فننصح بعدم التزامه لأنه يخشى أن يكون داخلا في ضابط البدعة الإضافية، فمن البدع الإضافية التزام العبادات المعينة في أوقات معينة لم يوجد لها ذلك التعيين في الشريعة. وراجع الفتوى رقم: 631.

ونوصيك بالاستغناء عن ذلك بمواصلة الدعاء واستعمال التحصينات والتعاويذ المأثورة، وتحر في دعائك أوقات الإجابة الفاضلة، كثلث الليل الآخر وقت النزول الإلهي، وفي السجود، وبين الأذان والإقامة، وفي الصيام وعند الفطر في اليوم الذي تصوم فيه، فإن الدعاء يرفع البلاء وينفع مما نزل ومما لم ينزل، كما يدل له دعاء القنوت في السنن وصحيح ابن حبان وفيه: وقنا شر ما قضيت. وفي الحديث: لا يرد القضاء إلا الدعاء. رواه الترمذي، وفي الحديث: لا يغني حذر من قدر، والدعاء ينفع مما نزل ومما لم ينزل، وإن البلاء لينزل فيتلقاه الدعاء فيعتلجان إلى يوم القيامة. رواه الحاكم وحسنه الألباني.

وواظب على الأدعية المأثورة في رفع البلاء والدعاء بالاسم الأعظم ودعاء يونس فقد ثبت أن النبي صلى الله عليه وسلم كان يدعو في أوقات الشدة والأزمات، ففي مسند أحمد وسنن الترمذي والمستدرك أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: دعوة ذي النون إذ دعا وهو في بطن الحوت لا إله إلا أنت سبحانك إني كنت من الظالمين، فإنه لم يدع بها مسلم ربه في شيء قط إلا استجاب له. صححه الحاكم ووافقه الذهبي و الألباني.

 وعن أنس بن مالك رضي الله عنه قال: كنت جالسا مع رسول الله صلى الله عليه وسلم ورجل قائم يصلي فلما ركع وسجد تشهد ودعا، فقال في دعائه: اللهم إني أسألك بأن لك الحمد لا إله إلا أنت المنان بديع السموات والأرض، يا ذا الجلال والإكرام يا حي يا قيوم إني أسألك، فقال النبي صلى الله عليه وسلم لأصحابه أتدرون بم دعا، قالوا: الله ورسوله أعلم، قال: والذي نفسي بيده لقد دعا الله باسمه العظيم الذي إذا دعي به أجاب، وإذا سئل به أعطى. رواه النسائي والإمام أحمد.

 وفي الحديث أنه صلى الله عليه وسلم قال: إني لأعلم كلمة لا يقولها مكروب إلا فرج الله عنه: كلمة أخي يونس عليه السلام، لا إله إلا أنت سبحانك إني كنت من الظالمين. والحديث رواه أبو يعلى في معجمه من حديث سعد بن أبي وقاص. وفي سنن أبي داود وسنن ابن ماجه من حديث أسماء بنت عميس قالت: قال لي رسول الله صلى الله عليه وسلم: ألا أعلمك كلمات تقولينهن عند الكرب أو في الكرب: الله، الله ربي لا أشرك به شيئا.

 وروى أحمد وغيره عن ابن مسعود رضي الله تعالى عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: ما أصاب أحدا قط هم ولا حزن فقال: اللهم إني عبدك وابن عبدك وابن أمتك، ناصيتي بيدك ماض في حكمك عدل في قضاؤك، أسألك بكل اسم هو لك، سميت به نفسك، أو علمته أحدا من خلقك، أو أنزلته في كتابك، أو استأثرت به في علم الغيب عندك، أن تجعل القرآن ربيع قلبي ونور صدري وجلاء حزني وذهاب همي، إلا أذهب الله همه وحزنه وأبدله مكانه فرجا قال: فقيل: يا رسول، ألا نتعلمها؟ فقال: بلى، ينبغي لمن سمعها أن يتعلمها.

 وأخرج أحمد وأبو داود عن نفيع بن الحارث أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: دعوات المكروب: اللهم رحمتك أرجو، فلا تكلني إلى نفسي طرفة عين، وأصلح لي شأني كله لا إله إلا أنت.

 وأخرج البخاري ومسلم عن ابن عباس رضي الله عنهما قال: كان النبي صلى الله عليه وسلم يدعو عند الكرب يقول: لا إله إلا الله العظيم الحليم، لا إله إلا الله رب السموات والأرض ورب العرش العظيم.

وأما الإخلاص فإنه لا علاقة له بهذا فلا حرج على العبد على الراجح أن يعمل عملا صالحا ليستفيد به فائدة أو يزيل به ضررا، فكم رغب الأنبياء في عمل الخيرات لإصلاح أمور الدنيا والأخرى كما أخبر تعالى عن نوح أنه قال لقومه: فقلت استغفروا ربكم إنه كان غفارا * يرسل السماء عليكم مدرارا * ويمددكم بأموال وبنين ويجعل لكم جنات ويجعل لكم أنهارا {10-12}

والله أعلم.

مواد ذات صلة

الفتاوى

الصوتيات

المكتبة