الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعـد:
فإن حديث: رفعت الأقلام وجفت الصحف يعني أنه كتب في اللوح المحفوظ ما كتب من التقديرات، ولا يكتب بعد الفراغ منه شيء آخر، فعبر عن سبق القضاء والقدر لما يحصل في الكون برفع القلم وجفاف الصحيفة تشبيها بفراغ الكاتب من كتابته. كذا قال المباركفوي في شرح الترمذي، وابن رجب في جامع العلوم والحكم.
وقد دل لكون كل ما يحدث في الكون كتب سابقا عدة أدلة منها قول الله تعالى: ما أصاب من مصيبة في الأرض ولا في أنفسكم إلا في كتاب من قبل أن نبرأها إن ذلك على الله يسير. {سورة الحديد 22}
وقول الله تعالى: قل لن يصيبنا إلا ما كتب الله لنا هو مولانا وعلى الله فليتوكل المؤمنون. { سورة التوبة51}
وفي حديث مسلم: إن الله كتب مقادير الخلائق قبل أن يخلق السماوات والأرض بخمسين ألف سنة.
وفيه أيضا: أن رجلا قال: يا رسول الله فيم العمل اليوم؟ أفيما جفت الأقلام وجرت عليه المقادير؟ أم فيما نستقبل؟ قال: لا؛ بل فيما جفت به الأقلام وجرت به المقادير. قال: ففيم العمل؟ قال: اعملو فكل ميسر لما خلق له.
وأما الدعاء فله تأثير ونفع عظيم ويحصل به دفع البلاء، فقد ذكر أهل العلم أنه يشرع الدعاء برفع البلاء ورد القضاء، فيدعو العبد بدعاء القنوت: وقني شر ما قضيت رواه الإمام أحمد وأصحاب السنن الأربعة .
وقد ذكروا أن القضاء نوعان قضاء مبرم وقضاء معلق. فالقضاء المبرم الذي لا يتغير، والقضاء المعلق قد يتغير، فقد يكتب في اللوح المحفوظ أن فلانا قد تصيبه آفة أو بلاء، فإذا دعا الله صرف عنه السوء، وإذا وصل رحم تأخر موته ، ويدل لتغير الأحوال بسبب الدعاء ما في الحديث: لا يرد القضاء إلا الدعاء. رواه الحاكم. وفي الحديث: إن البلاء لينزل فيتلقاه الدعاء فيعتلجان إلى يوم القيامة. رواه الحاكم وحسنه الألباني.
ثم إن الدعاء تعبدنا الله به ولو لم تكن عندنا حاجة. وقد ثبت أن الداعي لا يعدم خيرا يناله من دعواته، فإما أن يجد حاجته عاجلا أوآجلا ويدفع عنه من السوء، ففي الحديث: ما من مسلم يدعو بدعوة ليس فيها إثم ولا قطيعة رحم إلا أعطاه الله بها إحدى ثلاث: إما أن يعجل له دعوته، وإما أن يدخرها له في الآخرة، وإما أن يصرف عنه من السوء مثلها. رواه أحمد وصححة الألباني.
وراجع لتعريف القضاء والقدر، وللمزيد من البسط فيما ذكرناه الفتاوى ذات الأرقام التالية:52546،20306،75915،12638،23751، 43198، 73010،18306،65944، 9890، 96904.
والله تعالى أعلم .