السؤال
جزاكم الله عنا خير الجزاء، سؤالي يتعلق بشبهتين يثيرهما أعداء السنة النبوية المطهرة، الأولى هي مسألة تحريم الصلاة قبل الظهر بقليل لأنه وقت تسعر فيه جهنم، فيقولون كيف ذلك وميعاد الظهر يختلف من مكان لآخر، وبالتالي لا يمكن أن يكون لتسعير جهنم وقت محدد، فكل لحظة تمر تكون ظهرا في مكان ما على الأرض، والشبهة الثانية هي ما ادعاه عبد الله بن عمرو بن العاص (رضي الله عنهما) من أنه وأبوه تلاحيا ليبيت عند الرجل الذي وصفه النبي (صلى الله عليه وسلم) بأنه من أهل الجنة، فيقولون هذا من الكذب، فكيف تصفون الصحابة بأنهم كلهم عدول وتنفون عنهم الكذب، رجاء سرعة الرد للأهمية؟ وجزاكم الله خير الجزاء.
الإجابــة
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعـد:
فإن الحديث صحيح، وعلى المسلم الإيمان به، وأن يتذكر النار، ويحذر من أسباب الاصطلاء بحرها، وأن يجاهد نفسه على الاستقامة على أمر الله والتمسك بالطاعة والتقوى لعله يكون ممن هم عنها مبعدون لا يسمعون حسيسها.. وليعلم أن ما ثبت من نصوص الوحي لا يعارض الواقع ولا العقول السليمة كما قرره أهل العلم قديما وحديثا، فقد أطال النفس شيخ الإسلام في الكلام عليه في كتابه درء تعارض العقل والنقل، وكذلك الشيخ الزنداني حفظه الله من المعاصرين، فقد قال: لا يمكن أن يقع تعارض بين قطعي من الوحي وقطعي من العلم التجريبي فإن وقع في الظاهر فلا بد أن هناك خللا في اعتبار قطعية أحدهما.
وأما المسألة التي بين أيدينا فما دلت عليه من النهي عن التنفل في هذا الوقت فهذا الذي عليه جمهور أهل العلم، والواجب التسليم أيضا لما دل عليه الحديث في تسعير جهنم في هذا الوقت، وأما السؤال المذكور فلم نر كلاما لأهل العلم فيه إلا أنه ينبغي التنبه إلى أن النار قد ذكر ابن رجب في كتابه التخويف من النار أنها تسعر في غير وقت نصف النهار واحتج له بحديث الطبراني: خرج النبي صلى الله عليه وسلم ذات غداة فقال: سعرت النار وجاءت الفتن. ويدل لهذا أيضا ما في البخاري من حديث سمرة في حديث الرؤيا الطويل، قال: فانطلقنا فأتينا على رجل كريه المرآة فإذا هو عند نار يحشها يسعى حولها... إلى أن قال: فأما الرجل الكريه المرآة الذي عند النار يحشها فإنه مالك خازن جهنم.
واعلم أن النار تحت الأرض كما ذكر المحققون من أهل العلم واحتجوا له بحديث مسلم عن أبي هريرة قال: كنا عند رسول الله صلى الله عليه وسلم يوما فسمعنا وجبة، فقال النبي صلى الله عليه وسلم: أتدرون ما هذا، قلنا: الله أعلم، قال: هذا حجر أرسل في جهنم منذ سبعين خريفا فالآن انتهى إلى قعرها. وبناء على ذلك فيحتمل أن تكون الأرض في دورتها اليومية حول نفسها كلما كان جزء منها مسامتا لقرص الشمس تأثر ذلك الجزء من تسعير جهنم وحرها الموجود دائما.
وأما عدالة الصحابة فهو أمر متفق عليه عند أهل العلم.
وأما كلام عبد الله بن عمرو هنا فحمله بعضهم على أنه لم يقصد الكذب، وإنما أراد ما حصل من كلام بينه وبين أبيه سابقا، فاستعمل التعريض حتى تحصل له مصاحبة هذا الرجل المشهود له بالجنة، ورؤية عمله حتى يقتدي به، والمعاريض جائزة كما روى البخاري في الأدب عن عمر بسند صحيح أنه قال: إن في المعاريض لمندوحة عن الكذب.
هذا، وننبه إلى أن مريد حوار الكفار يتعين عليه أن يسعى أولا لإقناعهم بالدخول في الدين، فإذا آمنوا بالله ورسوله صلى الله عليه وسلم إيمانا صحيحا انقاذوا وسلموا لما ثبت في نصوص الوحيين، ولا ينبغي أن يحاورهم إلا وعنده علم شرعي يستطيع أن يحاورهم به، وأما من ليس عنده علم فيتعين عليه عدم الحوار معهم لئلا تنطلي عليه شبههم ويزيغ بسبب ذلك، وراجع في ذلك الفتاوى ذات الأرقام التالية للاطلاع على المزيد في محاورة المنحرفين وفي حكم الكذب لتحقيق مصلحة: 78928، 18815، 63123، 48814، 25629، 32860، 56402، 61074.
والله أعلم.