خلاصة الفتوى:
اختلف الفقهاء في تحريم الزوجة والأقرب أنه ظهار إن لم يقصد مجرد التهديد، ويتأكد ذلك إذا أضاف إلى التحريم تشبيهها بمن تحرم عليه على التأبيد كابنته أو أخته أو عمته، فيلزمه ما يلزم المظاهر، والغضب لا يمنع الحكم ما دام واعيا لما قاله وقاصده. وعلى الزوج أن يتقي الله في زوجته فيعاشرها بالمعروف ويكف عن ظلمها ومحاولته الاستيلاء على مالها بدون طيب نفس منها.
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعـد:
فيرجع في ذلك إلى نية زوجك حين تلفظ بهذا اللفظ، فإن كان يقصد تحريمك عليه -وهو الظاهر- فعليه كفارة الظهار على الأقرب من أقوال أهل العلم، فقد صرح القرآن الكريم بلزوم الكفارة في قول من قال: أنت علي كظهر أمي، ولا يخفى أن قول: أنت علي حرام مثلها في المعنى، فإذا أضاف إلى ذلك التشبيه بمن هي محرمة عليه مؤبدا كابنته كان أبين وآكد، وهذا هو مذهب الإمام أحمد وإسحاق، وبه أفتى عثمان رضي الله عنه. وهو اختيار الشيخ الشنقيطي كما في اضواء البيان وغيرهما من أهل العلم من المعاصرين.
وذهب بعضهم إلى أنه ظهار مطلقا، وذهب بعضهم إلى أنه إن نوى طلاقا يكون طلاقا.
وأما إن كان يقصد مجرد تهديدك (مجرد اليمين) واللفظ يحتمله كأن يقول: تحرمين علي مثل ابنتي إن فعلت أو إن لم تفعلي فعليه كفارة يمين إذا حنث، وهذا هو اختيار الإمامين ابن تيمية وابن القيم رحمهما الله كما في إعلام الموقعين.
جاء الفتاوى الهندية – فقه حنفي: ولو قال أنت علي حرام كظهر أمي ونوى طلاقا إو إيلاء لم يكن إلا ظهارا عند أبي حنيفة رحمه الله تعالى، وعندهما يكون طلاقا، وإن نوى التحريم أو لا نية له فهو ظهار بالإجماع. انتهى
وقال ابن قدامة الحنبلي في المغني: وإن قال: أنت علي حرام كظهر أمي أو كأمي فكذلك (يعني يكون ظهارا) وبه قال أبو حنيفة وهو أحد قولي الشافعي. انتهى. ثم قال في الرد على المخالف: وقولهم: إن التحريم مع نية الطلاق طلاق: لا نسلمه، وإن سلمناه لكنه فسر لفظه ها هنا بصريح الظهار بقوله، فكان العمل بصريح القول أولى من العمل بالنية.اهـ
وفي المدونة في الفقه المالكي: قلت: أرأيت إن قال أنت على حرام كأمي، ولا نية له؟ قال: هو مظاهر كذلك قال لي مالك في قوله: "حرام مثل أمي" وقوله "حرام كأمي" عندي مثله، وهذا مما لا اختلاف فيه.
وفي مواهب الجليل – فقه مالكي: وإن قال: لها أنت علي حرام مثل أمي فهو مظاهر لأنه جعل للحرام مخرجا حين قال مثل أمي، قال غيره: ولا تحرم عليه؛ لأن الله أنزل الكفارة في الظهار، ولا يعقل من لفظ به فيه شيئا سوى التحريم. انتهى
وقال شيخ الإسلام ابن تيمية: لو قال : أنت علي حرام ونوى به الطلاق لم يقع به الطلاق عنده. ولو قال أنت علي كظهر أمي وقصد به الطلاق فإن هذا لا يقع به الطلاق عند عامة العلماء، وفي ذلك أنزل الله القرآن؛ فإنهم كانوا يعدون الظهار طلاقا والإيلاء طلاقا، فرفع الله ذلك كله وجعل في الظهار الكفارة الكبرى، وجعل الإيلاء يمينا يتربص فيها الرجل أربعة أشهر ، فإما أن يمسك بمعروف أو يسرح بإحسان . كذلك قال كثير من السلف والخلف... وإذا حلف بالظهار أو الحرام لا يفعل شيئا وحنث في يمينه أجزأته الكفارة في مذهبه ؛ لكن قيل : إن الواجب كفارة ظهار وسواء حلف أو أوقع وهو المنقول عن أحمد . وقيل : بل إن حلف به أجزأه كفارة يمين، وإن أوقعه لزمه كفارة ظهار، وهذا أقوى وأقيس على أصل أحمد وغيره . فالحالف بالحرام يجزئه كفارة يمين، كما يجزئ الحالف بالنذر إذا قال : إن فعلت كذا فعلي الحج أو مالي صدقة . وكذلك إذا حلف.اهـ
ومثل التشبيه بالأم في حكم الظهار البنت وغيرها من المحارم باتفاق الأئمة الاربعة.
قال ابن قدامة: الضرب الثاني: أن يشبهها بظهر من تحرم عليه من ذوي رحمه ، كجدته وعمته وخالته وأخته . فهذا ظهار في قول أكثر أهل العلم؛ منهم الحسن ، وعطاء ، وجابر بن زيد، والشعبي، والنخعي، والزهري، والثوري، والأوزاعي، ومالك، وإسحاق، وأبو عبيد، وأبو ثور ، وأصحاب الرأي. وهو جديد قولي الشافعي. انتهى
وعلى هذا؛ فمن حلف بالحرام ليفعلن كذا أو لا يفعله – وهو قاصد لمعنى التحريم لا مجرد التهديد – فحنث وكانت له امرأة، فإنه يلزمه ما يلزم المظاهر، وهو المذكور في قوله تعالى: والذين يظاهرون من نسائهم ثم يعودون لما قالوا فتحرير رقبة من قبل أن يتماسا ذلكم توعظون به والله بما تعملون خبير *فمن لم يجد فصيام شهرين متتابعين من قبل أن يتماسا فمن لم يستطع فإطعام ستين مسكينا .. {المجادلة3-4}
ويحرم عليه الجماع ومقدماته من التقبيل والمعانقة وذلك قبل التكفير، وإن أخرج زيادة على ذلك كفارة يمين كان أحوط مراعاة للقول بها.
وأما كونه كان غاضبا فلا يمنع الحكم السابق ما دام قاصدا ماقاله واعيا له، فإن كان بحالة لا يعي فيها ما يقول فإنه لا يقع به شيء.
والواجب على زوجك أن يتقي في ألفاظه فلا يأتي بمثل هذا التحريم الذي هو منكر من القول وزور، والذي يعرض حياتكما الزوجية للانفصام، كما أن عليه أن يتقي الله في مالك، وأن يقوم بما يجب عليه من عمل ليسد حاجة من يعول، فقد قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: كفى بالمرء إثما أن يضيع من يقوت. رواه أبو داود وحسنه الألباني.
وراجعي الفتاوى ذات الأرقام التالية: 12979، 7438 ،34125 .
والله أعلم.