إجارة أو بيع منفعة الوقف المستأجر.. رؤية شرعية

0 540

السؤال

سؤالي عن بيع أرض الأوقاف (بيع حق الانتفاع).
يوجد لدينا ارض ملك للأوقاف وهذه الأرض ورثناها عن أبي جدي. وعندما توفي جدي اعتبرت من ضمن التركة وأخذ والدي وآخرون من الورثة في هذه الأرض والجزء الآخر من الورثة اخذ في أراض أخرى ملك لجدي.حيث كانت تعتبر في ذلك الوقت غير مهم أن تكون ملك الأوقاف أو ملك شخصي.
وفي سنة 1934 صدر حكم من المحكمة العليا بأن الأرض ملك للأوقاف على أن يكون للمزارعين حق الانتفاع بها هم وورثتهم.
الآن كل أعمامي باعوا حصصهم في هذه الأرض بيع منفعة وبقيت حصة والدي الذي يخاف أن يكون هذا البيع حراما. مع أنه تم سؤال مفتي البلد في هذا الموضوع وقال إن البيع جائز ولا غبار عليه وتم سؤال أشخاص متدينين وقالوا إن هذا البيع جائز لأن البيع يتم لحق الانتفاع وليس للأرض.
كما أنه يتم الضغط علينا من عدة جهات بأن نبيع هذه الأرض.
حيث تم الاعتداء عليها من أشخاص عدديين وسببوا لنا مشاكل كثيرة لكي يضغطوا علينا بأن نبيع هذه الأرض.كما أنه دفعنا مبالغ طائلة مقابل حماية هذه الأرض ولكن للأسف مازال الظلم واقعا علينا من قبل الأطراف الخارجية.
فالموقف الآن أن نتخلى عن هذه الأرض لهؤلاء الأشخاص الخارجيين لكي يتمكنوا من بيعها لحسابهم أو نبيعها نحن بيع منفعة لحسابنا.
فالرجاء الرد وبسرعة على الايميل الخاص وليس على موقعكم.

الإجابــة

الخلاصة:

 يجوز إجارة الوقف لمدة طويلة محددة إذا كان ذلك يعود على الوقف بالمصلحة، ويشترط أن تكون الأجرة هي أجرة المثل، ومن ملك الانتفاع بالوقف بعقد صحيح جاز له بيع هذه المنفعة لآخر.

الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعـد:

ففي هذا السؤال مسائل مهمة:

الأولى: إجارة الوقف لمدة طويلة محل خلاف عند العلماء؛ فمن أهل العلم من ذهب إلى أنه لا تزيد مدة إجارة الوقف على ثلاث سنين ما لم تكن هناك مصلحة تعود على الوقف.

جاء في الفتاوى الهندية: إذا أجر الواقف أكثر من سنة لا يجوز، وإن لم يشترط فالمختار أن يقضي بالجواز في الضياع في ثلاث سنين؛ إلا إذا كانت المصلحة في عدم الجواز. وهذا يختلف باختلاف المواضع والزمان. اهـ

ومن العلماء من ذهب إلى إجارة الوقف فترة طويلة وإجراء أحكام الإجارة المعروفة عليه.

الثانية: قد يكون الوقف خربا أو يحتاج إلى عمارته ولا يوجد من غلته ما يفي بهذا الغرض فيؤجر الوقف المدة الطويلة لمن يعمره بالبناء ويدفع نظير الانتفاع بالوقف أجرة، ويسمى ما دفعه للعمارة خلوا.

الثالثة: في كل الأحوال يجب أن لا تقل أجرة الوقف عن أجرة المثل، ولا يحل إجارته بغبن فاحش، سواء أجر لمدة طويلة بخلو وبدون خلو.

الرابع: المستأجر الأول أحق بالإجارة إذا كان يدفع أجرة المثل، وإذا تجددت الرغبات في الوقف فتجدد الأجرة إلى أجرة المثل بالغا ما بلغت، فإن أبى المستأجر الأول دفع أجرة المثل فسخ عقده ولو كان بذل خلوا، ويؤجر الوقف لمن يدفع أجرة المثل كما ذهب إلى ذلك بعض أهل العلم، وذهب آخرون إلى بقاء الأمر على ما هو عليه إلى حين انتهاء عقد الإجارة ويتحمل الناظر النقص. جاء في كلام عليش في أرض موقوفة طرح فيها الناس أتربة وأقذارا حتى صارت تلالا لا ينتفع به في الحال فأجرها القاضي تسعة وتسعين سنة لمن ينقل منها ما فيها ويبنيها خانا كل سنة بأربعة أرطال زيت لا غير، وأزال المكتري ما فيها وأصلحها فحصلت الرغبة فيها بزائد عن تلك الأجرة فهل تفسخ الإجارة.. فأجاب: نعم يفسخ إن وجد حين عقد الإجارة من يستأجرها بزائد عما ذكر، أما إن لم يوجد حين العقد من يستأجرها بزائد عما ذكر فلا تفسخ. اهـ

وفي المسألة أقوال أخرى.

الخامسة: وهي بناء على ما تقدم في المسألة الرابعة، فالإجارة من العقود اللازمة ولكنها من الوقف تخضع لمصلحة الوقف، ففي الإجارة الطويلة يمكن فسخها إن كانت المصلحة في الفسخ، وقد ذهب الشافعية في الأصح إلى عدم صحة إجارة الوقف إن كانت بأقل من أجره المثل.

السادسة: ما يعرف بالخلو أو الحكر أو الاحتكار أو حق القرار وهو أن يقوم المكتري بعقار الوقف بالبناء فيه أو زراعته إن كان أرضا مقابل أن يكون له حق الاستمرار فيها.

جاء في رد المحتار: الاحتكار إجارة يقصد بها منع الغير واستبقاء الانتفاع بالأرض. اهـ

وهذا الاحتكار اختلف أهل العلم هل يجوز في الوقف أو لا يجوز؟ على ثلاثة مذاهب، والذين أجازوا ذلك اشترطوا أن لا يعود هذا الحكر على الوقف بالضرر بأن يخاف الاستيلاء عليه، واشترطوا كذلك أن يدفع المستأجر أجرة المثل.

جاء في رد المحتار: قال في جامع الفصولين وغيره:  بني المستأجر أو غرس في أرض الوقف صار له فيها حق القرار وهي المسمى بالكردار له الاستبقاء بأجرة المثل. اهـ

وفي الخيرية: وقد صرح علماؤنا بأن لصاحب الكردار حق القرار وهو أن يحدث المزارع أو المستأجر في الأرض بناء أو غرسا أو كبسا بالتراب بإذن الواقف أو الناظر فتبقى في يده. اهـ. وقد يقال: إن الدراهم التي دفعها صاحب الخلو للواقف واستعان بها على بناء الوقف شبيهة بكبس الأرض بالتراب فيصير له حق القرار فلا يخرج من يده إذا كان يدفع أجر المثل.

وجاء في التنبيه بالحسنى للعزقاوي: المسألة الواقعة هي أن حوانيت الأوقاف بمصر جرت عادة سكانها أنه إذا أراد أحدهم الخروج من ذلك الحانوت أخذ من آخر مالا على أن ينتفع بالسكن في ذلك الحانوت ويسمون ذلك القدر المأخوذ من المال خلوا ويتداولون ذلك فيما بينهم واحدا بعد واحد، وهكذا، ثم قال: والذي يدور عليه الجواب في ذلك أنه إن كان الساكن الذي أخذ الخلو يملك منفعة الحانوت مدة فأسكنها غيره وأخذ على ذلك مالا فما يأخذه إن كان بيده عقد إجارة بأجرة المثل فهو سائغ له، وأخذه أخذ على تلك المنفعة التي يملكها والدافع ذلك الملك لانتفاعه بذلك ولا ضرر على الوقف لصدور الأجرة على وقف أجرة المثل وهذه الصورة عزيزة الوقوع، وأما إن لم يكن مالكا للمنفعة بإجارة وهو كثير الوقوع فلا عبرة بذلك الخلو، ويؤجر الناظر لمن شاء بأجرة المثل. اهـ

وخلاصة المسألة أنه لا يصح لمستأجر الوقف إجارة أو بيع منفعة الوقف المستأجر إلا إذا صدر منه ذلك وهو يملك الانتفاع بعقد إجارة صحيح يلتزم فيه بدفع أجرة المثل وحددت فيه مدة الإجارة.

أما إذا كان استأجر الوقف بدون تحديد مدة أو حددت مدة ولم تكن الأجرة هي أجرة المثل فلا حق له في بيع الانتفاع، وعليه تسليم الوقف إلى الأوقاف أو الناظر ليعمل فيه ما يعود بالمصلحة على الواقف.

والله أعلم.

 

مواد ذات صلة

الفتاوى

الصوتيات

المكتبة