السؤال
من المعلوم أن كفار مكة كانوا شديدي العداوة للمسلمين معاندين للحق ويريدون إطفاء جذوة الإيمان منذ أن انطلقت لأول وهلة، فكيف يقوم من هذا وصفهم بالسجود وهم على شركهم وكفرهم عندما قرأ عليهم النبي صلى الله عليه وسلم القرآن، ماذا كان موقفهم بعد ذلك السجود ؟
الإجابــة
خلاصة الفتوى:
تلاوة النبي- صلى الله عليه وسلم- لسورة النجم هي التي أخذت بمجامع قلوب الحاضرين من المشركين وغيرهم، وكانت أول سجدة نزلت فلما سجد صلى الله عليه وسلم سجد جميع من حضر من المسلمين وغيرهم .
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعـد:
فإن خلاصة سبب سجود كفار قريش مع النبي- صلى الله عليه وسلم- وأصحابه- على ما ذكره أهل التفسير وشراح الحديث- عند ما قرأ سورة النجم: أنها كانت أول سجدة نزلت.. وأن تلاوة النبي- صلى الله عليه وسلم- لها أخذت بمجامع قلوبهم ولم يكن كبارهم وعتاتهم حاضرين، وكان من حضر منهم مختلطا بالمسلمين، وقد ألقى الشيطان على آذانهم من الثناء على آلهتهم ما ظنوا أنه من كلام النبي- صلى الله عليه وسلم- وهو ما كانوا يتمنونه ويطلبونه منه دائما، وقد شاع هذا السجود حتى بلغ أهل الحبشة فظنوا أن قريشا أسلموا فرجعوا إلى مكة.
ولما انتبه المشركون وعلموا أن النبي صلى الله عليه وسلم ثابت على موقفه من كفرهم ومن أصنامهم، وأن ما سمعوا ليس من كلام النبي صلى الله عليه وسلم عادوا كما كانوا، وهم لم يسلموا أصلا، وإنما سجدوا معه لما ذكرنا.
جاء في تفسير القرطبي وغيره عند قول الله تعالى: وما أرسلنا من قبلك من رسول ولا نبي إلا إذا تمنى ألقى الشيطان في أمنيته فينسخ الله ما يلقي الشيطان ثم يحكم الله آياته والله عليم حكيم {الحـج:52} الآيات: أن النبي صلى الله عليه وسلم كان يقرأ يوما سورة النجم ويرتلها- كما أمره ربه- ترتيلا ويفصل الآي تفصيلا كما هو معروف عنه في قراءته فترصد الشيطان لتلك السكنات فلما وصل إلى قول الله تعالى "أفرأيتم اللات والعزى ومناة الثالثة الأخرى" دس الشيطان فيها ما اختلقه من تلك الكلمات محاكيا نغمة النبي صلى الله عليه وسلم بحيث يسمعه من دنا إليه من الكفار فقال عليه لعنة الله "تلك الغرانيق العلا، وإن شفاعتهن لترجى" فظنوها من قول النبي- صلى الله عليه وسلم- وفرحوا بها وقالوا ذكر محمد آلهتنا بخير فلما سجد سجدوا معه. ولم يقدح ذلك عند المسلمين لحفظهم السورة قبل ذلك على ما أنزلها الله وتحققهم من حال النبي صلى الله عليه وسلم في ذم الأوثان وعيبها.. وكان موقف المشركين بعد ذلك هو الكفر والعناد..
وأما ما نقل عن بعضهم: أن النبي صلى الله عليه وسلم هو الذي نطق أو تلفظ بتلك الجملة القبيحة (تلك الغرانيق..) فباطل وكذب.. وهو مستحيل عقلا ولا يجوز شرعا.
والله أعلم.