الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعـد:
فالرقية الشرعية، هي ما كانت بأسماء الله تعالى وصفاته وآياته وما أثر عن النبي صلى الله عليه وسلم أو بدعاء معروف. قال صلى الله عليه وسلم: لا بأس بالرقى ما لم تكن شركا. رواه مسلم.
قال السيوطى: قد أجمع أهل العلم على جواز الرقى عند اجتماع ثلاثة شروط:
أن تكون بكلام الله، أو بأسمائه وصفاته.
وباللسان العربي: وهو ما يعرف معناه.
وأن يعتقد أن الرقية لا تؤثر بذاتها، بل بتقدير الله تعالى. اهـ
وثبت تعوذ النبي صلى الله عليه وسلم بالمعوذتين لما سحره اليهود. وأنه قال ما تعوذ المتعوذ بمثلهما.
وصح عنه عليه الصلاة والسلام أنه قال لمن رقى بالفاتحة: وما يدريك أنها رقية. رواه البخاري.
وقال الحافظ ابن كثير رحمه الله:أنفع ما يستعمل لإذهاب السحر ما أنزل الله على رسوله في إذهاب ذلك، وهما: المعوذتان، وفي الحديث: "لم يتعوذ بمثلهما".
وكذلك قراءة آية الكرسي، فإنها مطردة للشياطين.
ومن المقرر شرعا أن القرآن والأدعية والأذكار علاج نافع للسحر. روى ابن حبان عن عائشة رضي الله عنها أن النبي صلى الله عليه وسلم: دخل عليها وامرأة تعالجها أو ترقيها، فقال: عالجيها بكتاب الله. وصححه الألباني السلسلة الصحيحة 1931.
والرقية في الماء وشربه أجازها بعض العلماء، قال محمد بن مفلح: قال صالح بن الإمام أحمد ربما اعتللت فيأخذ أبي قدحا فيه ماء فيقرأ عليه ويقول لي: اشرب منه، واغسل وجهك ويديك.
وممن أفتى بالجواز الشيخ محمد بن إبراهيم آل الشيخ والشيخ عبد العزيز بن باز والشيخ محمد العثيمين وغيرهم -رحمهم الله-
وقال الشيخ السعدي: فما من مرض من أمراض القلوب والأبدان إلا وفي القرآن سبيل الدلالة على دوائه وسببه والحمية منه لمن رزقه الله فهما في كتابه، قال تعالى: أولم يكفهم أنا أنزلنا عليك الكتاب يتلى عليهم إن في ذلك لرحمة وذكرى لقوم يؤمنون [العنكبوت:51]. فمن لم يشفه القرآن فلا شفاه الله، ومن لم يكفه القرآن فلا كفاه الله. انتهى كلامه رحمه الله.
وأما عن كيفية الرقية بالقرآن، أو الأدعية الواردة عن النبي صلى الله عليه وسلم، والقراءة على الماء، فهي إما أن يقرأ الرقية الشرعية على إناء فيه ماء أو نحوه ثم يتفل فيه أو ينفث. كما سبق النقل عن صالح بن الإمام أحمد رحمهم الله.
وقال العلامة ابن مفلح: ونقل عبد الله أنه رأى أباه يتعوذ في الماء ويقرأ عليه ويشربه ويصب على نفسه منه.
وأما أن يكتب الرقية بمداد مباح ثم تغسل في ماء ونحوه ثم يشرب ذلك الماء. فقد بينا اختلاف العلماء في هذه الكيفية في فتوى سابقة برقم:7852، فلتراجع.
وقال شيخ الإسلام ابن تيمية في مجموع الفتاوى: ويجوز أن يكتب للمصاب وغيره من المرضى شيئا من كتاب الله وذكره بالمداد المباح، ويغسل ويسقى، كما نص على ذلك أحمد وغيره. انتهى.
والخلاصة أن الاسترقاء من السحر وكذا من العين ثابت عن النبي صلى الله عليه وسلم من قوله وفعله، فيمكنك أن تقرئي في الماء بالفاتحة والإخلاص والمعوذتين وتنفثي فيه بها، لأن هذه السور ثبت عن النبي صلى الله عليه وسلم تخصيصها بالقراءة في الرقية.
وأما قراءة آيات معينة -غير ما ورد - في الماء وصبها على المسحور فقد ذكر ابن القيم أثرا في ذلك عن أبي حاتم عن ليث بن أبي سليم قال: بلغني أن هؤلاء الآيات شفاء من السحر بإذن الله تقرأ في إناء فيه ماء ثم يصب على رأس المسحور والآيات هي قوله تعالى: فلما ألقوا قال موسى ما جئتم به السحر إن الله سيبطله إن الله لا يصلح عمل المفسدين {يونس:81} وقوله: فوقع الحق وبطل ما كانوا يعملون {الأعراف:118} وقوله: إنما صنعوا كيد ساحر ولا يفلح الساحر حيث أتى {طه:69}.
وعلق عليه سماحة الشيخ عبد العزيز بن باز رحمه الله قائلا: ثبت في سنن أبي داود أن النبي صلى الله عليه وسلم قرأ في ماء في إناء وصبه على المريض، وبهذا يعلم أن التداوي بالقراءة في الماء وصبه على المريض ليس محذورا من جهة الشرع إذا كانت القراءة سليمة. انتهى كلام الشيخ.
وأما استعمال هذه المياه المقروء عليها في الحمام؛ فإن كان بحيث يصان عن مجاري المياه النجسة أو المستقذرة فلا بأس به، كأن يتم الاغتسال في طست ونحوه، وإلا فالأولى ترك ذلك ؛ فقد روي عن الإمام أحمد كراهة الاغتسال به، قال ابن مفلح الحنبلي في الآداب الشرعية: قال الخلال: إنما كره الغسل به لأن العادة أن ماء الغسل يجري في البلاليع والحشوش، فوجب أن ينزه ماء القرآن من ذلك، ولا يكره شربه لما فيه من الاستشفاء. انتهى.
هذا، ونفيد السائلة انه لا مانع من الاغتسال بماء الرقية الشرعية على ممن هو على غير طهارة، لأن هذا الماء ليس قرآنا حتى تمنع الحائض وغير الطاهر من مسه.
كما أنه لا مانع من إضافة ماء طاهر على الماء المقروء عليه إذا احتيج إلى ذلك لتدفئته ونحوه، كما أنه من الممكن تدفئة الماء المقروء عليه ذاته، ولعل هذا أحسن.
ومن أهم ما ينبغي أن ننبه عليه هو أن المسحور يجب عليه أن يستقيم في نفسه، فيقوم بما أوجب الله عليه من الطاعات، ويجتنب ما حرم الله عليه من المعاصي، وينبغي أن يحافظ على أذكار الصباح والمساء، وأذكار النوم والاستيقاظ، وأن يكون لسانه رطبا من ذكر الله، وأن يحسن ظنه بالله، ويرضى بقضاء الله وقدره، وأن ما أصابه من سحر إنما هو بإذن الله عز وجل، وأن يرفع أكف الضراعة إلى الله سبحانه وتعالى، فلا كاشف للسوء إلا هو سبحانه وتعالى.
وأما عن استعمال الأعشاب أو الزيوت ونحوها فالأصل فيها الجواز خاصة إن كانت ذات رائحة طيبة فإن الشياطين أرواح خبيثة تحب النجس والخبث وتبتعد عما هو طيب وطاهر، ولا يبعد أن توجد أعشاب وزيوت طاردة للشياطين.
وقد قال ابن بطال في كتاب وهب بن منبه (كما في فتح الباري لابن حجر) عن استخدام نحو ذلك في العلاج والرقية: يأخذ سبع ورقات من سدر أخضر فيدقه بين حجرين، ثم يضربه بالماء، ويقرأ فيه آية الكرسي والقواقل: قل هو الله أحد، وقل أعوذ برب الفلق، وقل أعوذ برب الناس، ثم يحسو (يشرب) منه ثلاث حسوات، ثم يغتسل به يذهب عنه كل ما به. اهـ.
لكن حيث إن الذي عرض عليك الأعشاب هو هذا الشخص المعالج بالجن، فلا تأخذيها منه، واقطعي الاتصال به كما قد قررتم فقد أحسنتم بذلك.
وأما رش الماء الذي قرئت عليه الرقية في زوايا الغرفة، فقد بينا جوازه في الفتوى:56090، فلتراجع.
ونسأل الله عز وجل أن يمن عليك وعلى أختك بالشفاء من هذا البلاء، ولك أن تسألي أهل الخير والصلاح عن شيخ يرقي الرقية الشرعية، فإن دلوك عليه، فلا مانع من العلاج عنده. لكن رقيتك لنفسك إن كنت تحسنين الرقية هو أفضل من أن يرقيك غيرك، وقد تقدم ذلك في الفتوى: 20628.
وراجعي لمزيد الفائدة الفتاوى التالية: 2244، 27398، 10981، 13277، 7369، 6347.
والله أعلم.