السؤال
سؤالي هذا ليس عن المسائل الفقهية المختلف فيها بناء على اختلاف الفهم للنصوص أو عدم بلوغ النص للمخالفين لمن بلغهم النص من العلماء وإنما هو عن المسائل التي لم يوجد فيها نص شرعي ولا خلاف بين الصحابة.
ما الموقف الصحيح من أخذ الفتاوى والأحكام الشرعية والفروع الفقهية - التي لا يوجد لها نص شرعي في محل النزاع منها بين العلماء - من كتب الفقه وشروح السنة والتفاسير , مثل رد شهادة العبد ومثل مسألة الطلاق المعلق ومذهب ابن حزم في عدم وقوعه مثلا هل يكون كلامه حجة لمن يفتي الناس بعدم وقوعه ويقول أنا أتبع إماما من أئمة الإسلام في مسألة لا يوجد فيها نص شرعي ملزم, وكذلك غيرها من مسائل الخلاف التي لا يقوم الخلاف فيها على نص بل على اجتهاد العلماء فقط مثل التقديم فى إمامة الصلاة بالنسب ومثل بيع الدين بالدين .
يعني هذه المسائل التي لا يوجد فيها نص شرعي ثابت , والتي تكون حدثت بعد انقراض عصر الصحابة كالطلاق المعلق , هل يأخذ الإنسان بأخف الأقوال بناءا على أن الدين يسر أو أشدها بناء على أن الأسلم هو الاحتياط والتشدد؟
ولو فعل إنسان ذلك ووجد كلاما لأحد المتقدمين يطابق مسألته التي يريد حكم الله فيها فعمل بفتوى أو قول ذلك العالم بعد أن علم أن المسألة ليس فيها نص شرعي , فهل يؤاخذ أمام الله لأنه اختار الأسهل والأرفق به.
الإجابــة
خلاصة الفتوى:
كل ما أوردته من الأمثلة كان الخلاف فيه مبنيا على فهم النصوص أو اختلاف بين الصحابة. ومن لم يجد نصا في مسألة معينة فليس له أن يتخير فيما يأخذ به فيها.
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعـد:
فقبل الجواب عما سألت عنه، نريد أولا أن ننبهك إلى أنك ذكرت أنك لا تسأل عن المسائل الفقهية المختلف فيها بناء على اختلاف الفهم للنصوص أو عدم بلوغ النص للمخالفين لمن بلغهم النص من العلماء وإنما هو عن المسائل التي لم يوجد فيها نص شرعي ولا خلاف بين الصحابة... مع أن جميع ما مثلت به من الأمثلة كان الخلاف فيه مبنيا على اختلاف في فهم النصوص أو اختلاف بين الصحابة، كما نبينه على النحو التالي:
1.
شهادة العبد قد رفضها كثير من أهل العلم بحجة أن الله تعالى قال في شأن الشهود: { ممن ترضون من الشهداء} وإنما يرتضى الأحرار. مع أن البخاري قد ترجم فقال: باب شهادة الإماء والعبيد وقال أنس شهادة العبد جائزة إذا كان عدلا وأجازه شريح وزرارة بن أوفى... وأورد فيه الحديث عن عقبة بن الحارث: أنه تزوج أم يحيى بنت أبي إهاب قال فجاءت أمة سوداء فقالت قد أرضعتكما فذكرت ذلك للنبي صلى الله عليه وسلم فأعرض عني قال فتنحيت فذكرت ذلك له قال وكيف وقد زعمت أن قد أرضعتكما فنهاه عنها.
2. حول الطلاق المعلق، جاء في الفتاوى الكبرى لابن تيمية قوله: ... فإن الطلاق المعلق بالصفة روي وقوع الطلاق فيه عن غير واحد من الصحابة كعلي وابن مسعود وأبي ذر وابن عمر ومعاوية وكثير من التابعين ومن بعدهم. وحكى الإجماع على ذلك غير واحد، وما علمت أحدا نقل عن أحد من السلف أن الطلاق بالصفة لا يقع, وإنما علم النزاع فيه عن بعض الشيعة وعن ابن حزم من الظاهرية... اهـ
3. التقديم فى إمامة الصلاة بالنسب قد احتج من قال به بقول النبي -صلى الله عليه وسلم-: قدموا قريشا ولا تقدموها ولولا أن تبطر قريش لأخبرتها بما لها عند الله. أخرجه البزار عن علي. وصححه الشيخ الألباني.
4. بيع الدين بالدين: جاء في الموطأ وغيره عن نافع عن ابن عمر: أن النبي صلى الله عليه وسلم نهى عن بيع الكالئ بالكالئ. وهذا الحديث –رغم تضعيف أهل العلم له- فإن الأمة تلقته بالقبول وعليه العمل إجماعا. قال ابن المنذر: أجمع أهل العلم على أن بيع الدين بالدين لا يجوز.
وفيما يخص موضوع سؤالك، فواجب المسلم هو أن يبحث عن الراجح في المسائل الفقهية، ولا يعمل بالأقوال المرجوحة إلا عند عدم إمكان العمل بالراجح.
والراجح لا يلزم أن يكون دائما مستندا إلى نص، بل يحصل الترجيح بين الأقيسة والحدود...
ومن لم يجد نصا في مسألة فليس له أن يتخير فيما يأخذ به فيها أو أن يأخذ بالأخف فيها، بل إن كان مجتهدا وجب عليه أن يعرضها على قواعد الاجتهاد ويستنبط حكمها من ذلك. وإن لم يكن مجتهدا عرضها على أهل العلم وأخذ بما ترجح عندهم فيها.
ونحسب أن في هذا جوابا عن جميع ما أوردته في سؤالك.
والله أعلم.