السؤال
بسم الله الرحمن الرحيم... والصلاة والسلام على أشرف المرسلين سيدنا محمد وعلى آله وصحبه أجمعينحرم الإسلام الربا في جميع المعاملات ولكننا وللأسف نجد بعض البلاد الإسلامية تتعامل بالربا بل والأدهى من ذلك والأمر أنهم يحللونه وخاصة عند اقتناء البيوت للسكن بذريعة أن الإنسان مهما اشتغل لا يمكنه اقتناء منزل وبالتالي فطريقة اقتنائها الوحيدة هي التمويل البنكي وهو حلال في هذه الحالة بل والإنسان يكون مضطرا لذلك وسؤالي هو: لماذا لا يتم الرد على أمثال هؤلاء ممن يبيحون التعامل بالربا في مثل هذه الحالات ويحللونه، وما هي حالات الاضطرار التي يمكن أن تسمح لشخص باقتناء منزل بقرض ربوي؟ وجزاكم الله خيرا.
الإجابــة
خلاصة الفتوى:
الربا من المحرمات القطعية التي لا تباح إلا عند الضرورة، وتعرف الضرورة بأنها بلوغ المكلف حدا إن لم يتناول الحرام هلك أو قارب على الهلاك. ومن وجد مسكنا يسكنه بالأجرة لم يكن مضطرا إلى الربا لتملكه.
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعـد:
فإن الربا من أكبر الكبائر وتحريمه قطعي في كتاب الله سبحانه وتعالى وفي سنة النبي صلى الله عليه وسلم، فمن ذلك قوله تعالى: الذين يأكلون الربا لا يقومون إلا كما يقوم الذي يتخبطه الشيطان من المس ذلك بأنهم قالوا إنما البيع مثل الربا وأحل الله البيع وحرم الربا فمن جاءه موعظة من ربه فانتهى فله ما سلف وأمره إلى الله ومن عاد فأولئك أصحاب النار هم فيها خالدون* يمحق الله الربا ويربي الصدقات والله لا يحب كل كفار أثيم* إن الذين آمنوا وعملوا الصالحات وأقاموا الصلاة وآتوا الزكاة لهم أجرهم عند ربهم ولا خوف عليهم ولا هم يحزنون* يا أيها الذين آمنوا اتقوا الله وذروا ما بقي من الربا إن كنتم مؤمنين* فإن لم تفعلوا فأذنوا بحرب من الله ورسوله وإن تبتم فلكم رؤوس أموالكم لا تظلمون ولا تظلمون {البقرة:275-279}، وثبت في الحديث عن جابر رضي الله عنه أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: لعن الله آكل الربا وموكله وكاتبه وشاهديه، وقال: هم سواء. رواه مسلم.
وإذا تقرر هذا فإن بعض من ينتسب إلى العلم يتساهلون في القول بجواز الربا بحجج لا تثبت عند المناقشة والتحليل، فمن ذلك احتجاجه بقاعدة الضرورات تبيح المحظورات، ولكن ما هي الضرورة التي تجيز الاقتراض بالربا؟ وهل شراء المسكن داخل في مفهوم الضرورة، يقول العلماء: الضرورة هي أن تطرأ على الإنسان حالة من الخطر أو المشقة الشديدة بحيث يخاف حدوث ضرر أو أذى بالنفس أو بالعضو -أي عضو من أعضاء النفس- أو بالعرض أو بالعقل أو بالمال وتوابعها ويتعين أو يباح عندئذ ارتكاب الحرام أو ترك الواجب أو تأخيره عن وقته دفعا للضرر عنه في غالب ظنه ضمن قيود الشرع. انتهى من نظرية الضرورة الشرعية.
وعليه فإن الضرورة التي تجيز التعامل بالربا هي بلوغ الإنسان حدا إن لم يتعامل بالربا المحرم هلك أو قارب على الهلاك، وإن شراء المسكن ليس داخلا في هذه الضرورة، صحيح أن المسكن من الحاجات التي لا غنى للإنسان عنها، ولكن ليس شرطا أن يكون المسكن ملكا للساكن، بل يمكن للإنسان أن يكون مستأجرا للمسكن لا مالكا له، كما أنه لا يشترط في المسكن أن يكون فارها، ومن رأى حجر أزواج رسول الله صلى الله عليه وسلم التي كان يسكنها محمد صلى الله عليه وسلم هو وأهله علم أن الضرورة المبيحة للاقتراض بالربا من أجل الحصول على المسكن حالة لا تكاد تتحقق الآن إلا في ندور شديد، قال الشيخ المودودي: لا تدخل كل ضرورة في باب الاضطرار بالنسبة للاستقراض بالربا، فإن التبذير في مجالس الزواج ومحافل الأفراح والعزاء ليس بضرورة حقيقية، وكذلك شراء السيارة أو بناء المنزل ليس بضرورة حقيقية، وكذلك ليس استجماع الكماليات أو تهيئة المال لترقية التجارة بأمر ضرورة، فهذه وأمثالها من الأمور التي قد يعبر عنها بالضرورة والاضطرار ويستقرض لها المرابون آلافا من الليرات لا وزن لها ولا قيمة في نظر الشريعة، والذين يعطون الربا لمثل هذه الأغراض آثمون. انتهى.
وخلاصة الأمر أن الاقتراض بالربا من المحرمات القطعية الثابتة التي لا مجال للتلاعب بها، ولا يباح الاقتراض بالربا إلا في حالة الضرورة، وأن الضرورة تقدر بقدرها، ولا يدخل تملك المسكن في ذلك ما دام المرء يجد سكنا يؤيه هو ومن يعول ولو بإجارة، بدون أن تلحقه مشقة يعجز عن تحملها.
والله أعلم.