السؤال
بسم الله لقد كان أبى من الصوفية وكان إماما وخطيبا لمدة 40 سنة وكان حافظا للقرآن كان يصوم ويقوم الليل وكان رحمه الله كثير الذكر وكثير الصلاة على النبي وكان دائما يدعو إلى الجهاد في سبيل الله وكان عزيز النفس وكريما وكان حسن الخلق بحياته كلها لم يجرح إنسانا ولم يعتد على أحد وكان يحسن لمن أساء إليه وكان يتصدق وكان يحسن إلى أهله وأقربائه كان بيتنا طوال اليوم مفتوحا للناس وكثيرا ما أساء بعض أقربائنا إليه حسدا من عند أنفسهم وكان يستطيع أن يؤذيهم ولكن كان دائما يحسن الظن كان دائما يجلس في المسجد بين صلاة المغرب والعشاء ورغم المرض الذي أصابه لم يثنه ذلك عن الصلاة في المسجد وصيام رمضان مع العلم بأن الأطباء منعوه من الصلاة في المسجد والصوم أنا لا أقول هذا تفاخرا بأبى ولا نزكي أحدا على الله مع العلم بأنني لم أفارق أبي أبدا وكان قليلا ما يجيب أحدا على مسألة ما مخافة أن يخطئ في الإجابة مع العلم بأنه درس ما يزيد عن 16 سنة وعندما كنت أسأله عن الصوفية الذين نراهم يرقصون ويزورون القبور والكثير من البدع والخرافات كان يقول لي هل تراني أفعل ذلك وكنت أسأله عن المولد ماذا تفعلون كان يقول لي إنهم كانوا يبدؤون في قراءة القرآن ومن ثم خطبة قصيرة في فضل النبى وفضل الصلاة عليه وفضل محبته وكانوا ينشدون بعض القصائد في مدح النبى عليه الصلاة والسلام ولا يوجد فيها ما يدعو إلى الكفر وفي ليلة وفاته والله على ما أقول شهيد بعد أن أنهى قيام الليل كنا جالسين في البيت مع أهلى وأتى ليجلس معنا وكان أبى في صحة ممتازة ولا كأن به أي مرض وكان وجهه شديد البياض وكانت ابتسامته عجيبة من 25 سنة لم أراه يبتسم مثل ذلك اليوم لدرجة أننا صرنا نؤشر لبعضنا البعض أقصد مع أخوتى ولقد أصابتنا الدهشة وكان شديد الفرح لا نعرف لماذا وكان لديه موعد مع طبيبه فى اليوم التالي بعد أن أنهينا حديثنا ذهب أخوتى إلى بيوتهم وذهبت أنا إلى النوم ووالدي أيضا وذهب أبي وكان هو إمام المسجد إلى صلاة الفجر وبعد أن رجع أيقظني من النوم وقال لي خذني إلى المستشفى وكان يبعد عن بيتنا لمدة دقيقتين وعندما وصلت إلى المستشفى فاضت روحه إلى خالقها، مع العلم بأن المسجد الذي يصلي فيه الوالد رحمه الله كان خلف المستشفى لكنه أتى إلى البيت وكان دائما عندما يشعر بضيق كان يذهب لوحده لكن سبحان الله في ذلك اليوم لم يفعل والله إنى لا أقول هذا كذبا أو تفاخرا عندما ذهبنا إلى غسله قال لنا مغسل الموتى ما شاء الله النور يشع من وجه أبيكم وبعد الدفن أتى إلينا المؤذن وقال لنا لقد لقيت أبيكم في المسجد يقرأ القرآن عندما أتيت للأذان أليس هذا كرامة من الله أن يتوفى الإنسان بعد صلاة الفجر وهو طاهر قارئ للقرآن إماما للناس أليس هذا دليل على حسن الخاتمة، أما سؤالي فهو: هل أبي كافر لأنه كان من الصوفية ويذهب إلى المولد هل هو زنديق لأنه كان متصوفا كما يقول كثير من الناس ومنهم عبد الرحمن عبد الخالق وهل صلاته وصيامه وقيامه غير مقبول منه لأنه صوفي وكما ذكرت لك أنه لم يزر ويتبرك بالقبور ولم أره يفعل ما يفعله بعض الضالين من رقص وغيره لقد أصبحت بحالة سيئة من هذا الموضوع ولكن والحمد لله تجاوزت ذلك ولكن في المقابل كرهت كل المتشددين في الدين لأني شرحت لهم ذلك لكن دون نتيجة حتى قالوا لي حتى لو كان يصلى ويصوم ويقوم بالعبادات كلها إذا كان صوفيا فهو كافر وقد خرج عن الملة لدرجة إنهم كانوا يقولون لأبي رحمه الله لماذا تصلي السنة في المسجد إنها بدعة فأفيدوني أفادكم الله؟ آسف على الإطالة وشكرا.
الإجابــة
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعـد:
فنسأل الله عز وجل أن يتقبل والدك في عباده الصالحين، وأن يغفر لنا وله ولجميع المؤمنين، فما ذكرته من أحوال والدك قبل وفاته يبشر بحسن خاتمته والحمد لله، وراجع في ذلك الفتوى رقم: 29018.
وأما ما ذكرت عن من حكموا على أبيك بالكفر لمجرد أنه صوفي فهو جهل منهم وظلم كبير، وجرم يخشى معه عليهم، ففي الصحيح: من قال لأخيه يا كافر فقد باء بها أحدهما إن كان كما قال وإلا رجعت عليه. وليعلم هؤلاء أنه ليس كل من وقع في الكفر وقع الكفر عليه، إذ لا يثبت الكفر إلا بتوفر شروط وانتفاء موانع. وراجع في ذلك الفتاوى ذات الأرقام التالية: 12800، 53835، 176653.
هذا من جهة، ومن جهة ثانية فإن الصوفية أجناس ففيهم الأخيار، وفيهم الأشرار، وليس كل من انتسب للصوفية فاسق أو كافر، فقد ينتسب إليهم من يحسن الظن فيهم، ويجهل كثيرا من انحرافاتهم، وقد ينتسب إليهم من يتعاون معهم على بر وتقوى ولا يشاركهم فيما عندهم من الباطل -وهو حال والدك كما تحكي- وإن تبرأه مما يفعله الصوفية لهو خير دليل على صحة معتقده، وراجع في ذلك الفتوى رقم: 64723، والفتوى رقم: 102883.
وليعلم هؤلاء أن الحكم على أحد إنما يكون بما يظهره من عمل، والله يتولى السرائر، وهو وحده الذي يحاسب العباد، وقد قال النبي صلى الله عليه وسلم: إني لم أومر أن أنقب عن قلوب الناس ولا أشق بطونهم. رواه البخاري ومسلم وغيرهما. قال ابن حجر في فتح الباري: وكلهم أجمعوا على أن أحكام الدنيا على الظاهر والله يتولى السرائر، وقد قال صلى الله عليه وسلم لأسامة: هلا شققت عن قلبه. وقال للذي ساره في قتل رجل: أليس يصلي؟ قال: نعم، قال: أولئك الذين نهيت عن قتلهم. انتهى.
وبناء على ما سبق فالواجب على هؤلاء التوبة إلى الله تعالى مما وقع منهم، قال الله تعالى: إذ تلقونه بألسنتكم وتقولون بأفواهكم ما ليس لكم به علم وتحسبونه هينا وهو عند الله عظيم {النور:15}، واستعمال العدل في الحكم على الآخرين كما علمنا القرآن وكما ورد في السنة كما سلف، وأن يحكموا على كل فرد بما يستحقه، قال تعالى: ليسوا سواء من أهل الكتاب أمة قآئمة يتلون آيات الله آناء الليل وهم يسجدون {آل عمران:113}، وقال تعالى: منهم المؤمنون وأكثرهم الفاسقون {آل عمران:110}، وشيخ الإسلام مع قوله ببدعية الاحتفال بالمولد النبوي إلا أنه يقول في كلام له عن حكم المحتفلين به: كذلك ما يحدثه بعض الناس إما مضاهاة للنصارى في ميلاد عيسى عليه السلام، وإما محبة للنبي صلى الله عليه وسلم وتعظيما له، والله قد يثيبهم على هذه المحبة والاجتهاد لا على البدع من اتخاذ مولد النبي صلى الله عليه وسلم عيدا. انتهى.
وهذا لا يعني مشروعية الاحتفال ولكن المقصود من كلامه التفريق بين إحسان المحسن وإساءته كما أنه اعتاد رحمه الله التماس الأعذار للمسلمين، وراجع إن شئت حكم الاحتفال بالمولد في الفتاوى ذات الأرقام التالية: 21712، 1888، 1563، 28549.
وأما قولهم: إن صلاة السنن الراتبة في المسجد بدعة فغير صحيح كذلك، فقد ثبت فعل النبي صلى الله عليه وسلم لها في البيت وهو الأكثر والأفضل، كما ورد فعله لها في المسجد وهو جائز، ففي سنن أبي داود عن ابن عباس قال: كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يطيل القراءة في الركعتين بعد المغرب حتى يتفرق أهل المسجد. قال صاحب عون المعبود: يطيل القراءة في الركعتين بعد المغرب: أي أحيانا لما روى ابن ماجه أنه كان يقرأ فيهما الكافرون والإخلاص (حتى يتفرق أهل المسجد): ظاهره أنه كان يصليهما في المسجد فيحمل على أن فعلهما فيه لعذر منعه من دخول البيت، والأظهر أنه يحمل على بيان الجواز. انتهى.
وفيه أيضا عن ابن عباس عن النبي صلى الله عليه وسلم: أن النبي صلى الله عليه وسلم أتى مسجد بني عبد الأشهل فصلى فيه المغرب فلما قضوا صلاتهم رآهم يسبحون بعدها، فقال: هذه صلاة البيوت. قال صاحب عون المعبود: (رآهم يسبحون): أي يتطوعون ويصلون نافلة (فقال هذه): أي النوافل (صلاة البيوت): أي الأفضل كونها فيها لأنها أبعد من الرياء وأقرب إلى الإخلاص لله تعالى، ولأنه فيه حظ للبيوت من البركة في القوت، والظاهر أن هذا إنما لمن يريد الرجوع إلى بيته بخلاف المعتكف في المسجد فإنه يصليها فيه ولا كراهة بالاتفاق. انتهى.
والله أعلم.