المواظبة على مواصلة الختمة في الفجر في منظار الشرع

0 524

السؤال

إمام مسجد يختم القرآن في صلاة الفجر كل يوم ربع حزب وكلما ختم أعاد ذلك معتمدا في ذلك تثبيت حفظه فأخبر خطيب الجمعة لهذا المسجد بأنها بدعة ولا يجوز فعل ذلك، مع العلم بأنه كلما ختم قام بالدعاء إثر ذلك وقام بتفريق المشروبات والحلويات فأفتوني؟ يرحمكم الله وتقبل أعمالكم.

الإجابــة

الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعـد:

فلا شك في أنه يشرع للمصلي أن يقرأ في صلاته بعد فاتحة الكتاب ما تيسر له، عملا بحديث أحمد وابن حبان: إذا استقبلت القبلة فكبر، ثم اقرأ بأم القرآن، ثم اقرأ بما شئت. صححه الأرناؤوط. ولا شك أن الهدي الأكمل والأقرب للسنة هو قراءة سورة كاملة بعد قراءة الفاتحة، ففي البخاري أنه صلى الله عليه وسلم قال: كان يقرأ بأم الكتاب وسورة معها في الأوليين من صلاة الظهر وصلاة العصر.

قال ابن قدامة في المغني: وقد اشتهرت قراءة النبي صلى الله عليه وسلم للسورة مع الفاتحة في صلاة الجهر ونقل نقلا متواترا وأمر به معاذا فقال: اقرأ بالشمس وضحاها، وبسبح اسم ربك الأعلى، والليل إذا يغشى. متفق عليه. انتهى. وذكر ابن القيم في زاد المعاد: أن النبي صلى الله عليه وسلم كان من هديه أنه لا يعين سورة في الصلاة بعينها لا يقرأ إلا بها، إلا في الجمعة والعيدين.. قال: وأما في سائر الصلوات فقد ذكر أبو داود من حديث عمرو بن شعيب عن أبيه عن جده أنه قال: ما من المفصل سورة صغيرة ولا كبيرة إلا وقد سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يؤم الناس بها في الصلاة المكتوبة، وكان من هديه قراءة السورة كاملة وربما قرأها في الركعتين وربما قرأ أول السورة، وأما قراءة أواخر السور وأوساطها فلم يحفظ عنه. انتهى.

وقد اختلف الفقهاء في القراءة التي يحصل بها أصل السنة، فذهب المالكية إلى حصول السنة بقراءة ما زاد على الفاتحة ولو آية، سواء كانت طويلة أو قصيرة، وتحصل كذلك عندهم بقراءة بعض آية على أن يكون لها معنى تام، وذهب الحنفية والشافعية والحنابلة إلى حصول السنة بقراءة آية واحدة، واستحب الإمام أحمد أن تكون طويلة كآية الدين لتعدل قراءة سورة، ولعل ما ذهب إليه المالكية أولى لعموم قوله تعالى: فاقرؤوا ما تيسر من القرآن  {المزمل:20}، إذ إنه يشمل قراءة آية كاملة أو جزء منها مما يفيد معنى كاملا، علما بأن قراءة ما زاد على الفاتحة لا يجب وإنما هو سنة، وبهذا يعلم اتفاقهم على جواز القراءة من أوساط وأواخر السور إلا ما نقل عن أحمد من كراهة المواظبة عليه، ويدل للجواز ما روى ابن عباس رضي الله عنهما: أن النبي صلى الله عليه وسلم: كان يقرأ في ركعتي الفجر في الأولى منهما (قولوا آمنا بالله وما أنزل إلينا)، الآية التي في البقرة وفي الآخرة منهما (آمنا بالله واشهد بأنا مسلمون). رواه مسلم وما ثبت في النفل يجوز في الفرض إلا إذا ثبت مخصص للفرض.

وقال ابن قدامة في المغني: ولا تكره قراءة أواخر السور وأوساطها في إحدى الروايتين. نقلها عن أحمد جماعة لأن أبا سعيد قال: أمرنا أن نقرأ بفاتحة الكتاب وما تيسر. وعن أبي هريرة قال: قال لي رسول الله صلى الله عليه وسلم: أخرج فناد في المدينة أنه لا صلاة إلا بقرآن ولو بفاتحة الكتاب. أخرجهما أبو داود. وهذا يدل على أنه لا يتعين الزيادة، وروي عن ابن مسعود أنه كان يقرأ في الآخرة من صلاة الصبح آخر آل عمران وآخر الفرقان. رواه الخلال بإسناده. وعن إبراهيم النخعي قال: كان أصحابنا يقرأون في الفريضة من السورة بعضها ثم يركع ثم يقوم فيقرأ في سورة أخرى، وقول أبي برزة: كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يقرأ في الصبح من الستين إلى المائة دليل على أنه لم يكن يقتصر على قراءة سورة، والرواية الثانية: يكره ذلك نقل المروذي عن أحمد أنه كان يكره أن يقرأ في صلاة الفرض بآخر سورة، وقال: سورة أعجب إلي. فقال المروذي: كان لأبي عبد الله قرابة يصلي به فكان يقرأ في الثانية من الفجر بآخر السورة، فلما أكثر قال أبو عبد الله: تقدم أنت فصل، فقلت له: هذا يصلي بك منذ كم، قال: دعنا منه يجيء بآخر السور وكرهه، ولعل أحمد إنما أحب اتباع النبي صلى الله عليه وسلم فيما نقل عنه وكره المداومة على خلاف ذلكن والمنقول عن النبي صلى الله عليه وسلم قراءة السورة أو بعض سورة من أولها فأعجبه موافقة النبي صلى الله عليه وسلم ولم يعجبه مخالفته. ونقل عنه في الرجل يقرأ من أوسط السور وآخرها، فقال: أما آخر السور فأرجو، وأما أوسطها فلا. ولعله ذهب في آخر السورة إلى ما روي فيه عن عبد الله وأصحابه ولم ينقل مثل ذلك في أوسطها، وقد نقل عنه الأثرم، قال: قلت لأبي عبد الله: الرجل يقرأ آخر السورة في الركعة فقال: أليس قد روي في هذا رخصة عن عبد الرحمن بن زيد وغيره، وأما قراءة بعض السورة من أولها فلا خلاف في أنه غير مكروه فإن النبي صلى الله عليه وسلم قرأ سورة المؤمنين إلى ذكر موسى وهارون ثم أخذته سعلة فركع، وقرأ سورة الأعراف في صلاة المغرب فرقها في ركعتين. رواه النسائي. انتهى.

فإذا ثبت هذا فالأولى عدم المواظبة على مواصلة الختمة في الفجر لأنه ليس ثابتا من هدي السلف، ولكنه لا ينبغي التبديع به؛ لما روي عن السلف مما يفيد جواز قراءة القرآن على التوالي في الفريضة إن رضي أهل المسجد، وروي عنهم ما يفيد كرهه، وقد جزم البهوتي بعدم كراهته فقال في كشاف القناع: ولا تكره قراءة القرآن كله في الفرائض على ترتيبه، قال حرب: قلت لأحمد: الرجل يقرأ على التأليف في الصلاة: اليوم سورة وغدا التي تليها، قال: ليس في هذا شيء، إلا أنه روي عن عثمان أنه فعل ذلك في المفصل وحده... انتهى.

وقال ابن القيم في بدائع الفوائد: اختلف قوله في قراءة القرآن في الفرائض على التأليف على سبيل الدرس، فروى عنه ابنه عبد الله أنه قال: سألت أبي عن الرجل يقرأ القرآن كله في الصلاة الفريضة، قال: لا أعلم أحدا فعل هذا، وقد روي عن عثمان أنه كان يقرأ بعض القرآن سورا على التأليف، وروى عنه حرب في الرجل يقرأ على التأليف في الصلاة اليوم سورة الرعد وغدا التي تليها ونحو ذلك، قال: ليس في هذا شيء إلا أنه يروي عن عثمان أنه فعل ذلك في المفصل وحدها. وروى عنه مهنا أنه رخص أن يقرأ في الفرائض حيث ينتهي، سالم بن قتيبة عن سهل بن أبي حذيفة عن ثابت بن أنس قال: كانوا يقرؤون في الفريضة من أول القرآن إلى آخره. وروى المروزي أن أحمد سئل عن حديث أنس هذا، فقال: هذا حديث منكر. روى حنبل عنه إذا كان المسجد على قارعة الطريق أو طريق يسلك، فالتخفيف أعجب إلي، وإن كان مسجدا معتزلا أهله فيه ويرضون بذلك، فلا أرى به بأسا وأرجو إن شاء الله... انتهى.

هذا وليعلم أنه كان من هدي السلف الختم في صلاة النفل، قال صاحب تحفة الأحوذي: وروى الطحاوي بإسناده عن ابن سيرين قال: كان تميم الداري يحيي الليل كله بالقرآن كله في ركعة. عن عبد الله بن الزبير أنه قرأ القرآن في ركعة، وعن سعيد بن جبير أنه قرأ القرآن في ركعة في البيت... وكان منصور بن زاذان خفيف القراءة وكان يقرأ القرآن كله في صلاة الضحى... انتهى.

وأما الدعاء بعد الختم فهو من هدي السلف ولا بأس أن يدعو في الصلاة، قال النووي في المجموع: يستجاب الدعاء عند الختم وتنزل الرحمة، وكان أنس بن مالك رضي الله عنه إذا أراد الختم جمع أهله وختم ودعا، واستحبوا الدعاء بعد الختم استحبابا متأكدا وجاء فيه آثار كثيرة، ويلح في الدعاء ويدعو بالمهمات ويكثر من ذلك في صلاح المسلمين وصلاح ولاة أمورهم ويختار الدعوات الجامعة. انتهى.

وقال ابن قدامة في الشرح الكبير: ويستحب أن يجمع أهله عند ختم القرآن وغيرهم لحضور الدعاء، وكان أنس إذا ختم القرآن جمع أهله وولده، وروي ذلك عن ابن مسعود وغيره... انتهى.

وقال ابن القيم في جلاء الأفهام: وقد نص الإمام أحمد رحمه الله تعالى على الدعاء عقب الختمة، فقال في رواية ابن الحارث: كان أنس إذا ختم القرآن جمع أهله وولده. وقال في رواية يوسف بن موسى، وقد سئل عن الرجل يختم القرآن فيجتمع إله قوم فيدعون؟ قال: نعم، رأيت معمرا يفعله إذا ختم. وقال في رواية حرب: استحب إذا ختم الرجل القرآن أن يجمع أهله. وروى ابن أبي داود في فضائل القرآن عن الحكم، قال: أرسل إلي مجاهد وعبدة بن أبي لبابة: أرسلنا إليك، إنا نريد أن نختم القرآن وكان يقال: إن الدعاء يستجاب عند ختم القرآن ثم دعوا بدعوات.

وروى أيضا في كتابه عن ابن مسعود أنه قال: من ختم القرآن فله دعوة مستجابة، وعن مجاهد قال: تنزل الرحمة عند ختم القرآن، وروى أبو عبيد في كتاب فضائل القرآن عن قتادة قال: كان بالمدينة رجل يقرأ القرآن من أوله إلى آخره عند أصحاب له، فكان ابن عباس رضي الله عنهما يضع عليه الرقباء، فإذا كان عند الختم جاء ابن عباس رضي الله تعالى عنهما فشهده.

ونص أحمد رحمه الله تعالى على استحباب ذلك في صلاة التراويح، قال حنبل: سمعت أحمد يقول في ختم القرآن: إذا فرغت من قراءتك: قل أعوذ برب الناس فارفع يديك في الدعاء قبل الركوع، قلت: إلى أي شيء تذهب في هذا؟ قال: رأيت أهل مكة يفعلونه. وكان سفيان بن عيينة يفعله بمكة.. قال عباس بن عبد العظيم: وكذلك أدركت الناس بالبصرة وبمكة، ويروي أهل المدينة في هذا أشياء، وذكر عن عثمان بن عفان... انتهى.

والله أعلم.

مواد ذات صلة

الفتاوى

الصوتيات

المكتبة