السؤال
ورد أن أحد الولاة حنث في يمينه فأفتاه المنذر بن سعيد البلوطي العالم الأندلسي الشهير بأن يصوم بدلا من أن يطعم... فعاتب الناس المنذر كيف تفتي بخلاف الشرع!! فقال فيما معناه: إن الإطعام يقدر عليه الوالي بيسر وسهولة فلا ردع فيه ولا زجر، أما الصيام ففيه زجر للوالي لأنه يطيق الإطعام وماله كثير ولكنه قد يصعب عليه الصيام وهذه الأمور إنما هي زواجر للإنسان والوالي لا ينزجر بغير الصيام.. فما حكم هذه الفتوى في ميزان الشريعة الإسلامية؟
الإجابــة
خلاصة الفتوى:
فإننا لم نقف على هذه المسألة بعينها، وقد اتفق الفقهاء على أن من لزمته كفارة يمين خير بين أن يطعم عشرة مساكين أو يكسوهم أو يعتق رقبة، فإن لم يستطع واحدة من الثلاث صام ثلاثة أيام، ولا فرق في ذلك بين من يستطيع الإطعام بسهولة وغيره، وقد وردت قصة مشابهة لكنها في كفارة الجماع في نهار رمضان، ومعلوم أن الترتيب في كفارة رمضان محل خلاف بين أهل العلم.
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعـد:
فإننا لم نقف على هذه المسألة بعينها، لكن كفارة اليمين على التخيير بين إطعام عشرة مساكين أو كسوتهم أو عتق رقبة، فإن لم يستطع واحدة من الثلاث صام الثلاثة أيام، قال ابن قدامة في المغني: أجمع أهل العلم على أن الحانث في يمينه بالخيار، إن شاء أطعم، وإن شاء كسا، وإن شاء أعتق، أي ذلك فعل أجزأه، لأن الله تعالى عطف بعض هذه الخصال على بعض بحرف (أو) وهو للتخيير، قال ابن عباس: ما كان في كتاب الله (أو) فهو مخير فيه، وما كان (فمن لم يجد) فالأول الأول. ذكره الإمام أحمد في "التفسير". وانظر لذلك الفتوى رقم: 2053.
ولكن الذي اطلعنا عليه مما شبه هذه المسألة المذكورة في السؤال هو ما ذكر العلماء أن يحيى بن يحيى الليثي صاحب مالك أفتى أمير الأندلس بالصيام في كفارة الجماع في رمضان ولم يخير بين العتق والصيام والإطعام كما في المذهب المالكي، فسأله الحاضرون من الفقهاء لم لم يفته بالتخيير، فقال ما معناه: أنه إذا لم يلزم بالصيام فإنه سيجامع مرة أخرى ويطعم، والإطعام لا يكلفه شيئا بخلاف الصيام فإنه يرهقه ويتعبه فينزجر به. ففي التاج والإكليل على مختصر خليل: قال ابن عرفة: بادر يحيى بن يحيى الأمير عبد الرحمن حين سأل الفقهاء عن وطئه جارية له في رمضان لكفارته بصومه، فسكت حاضروه ثم سألوه لم لم يخير في أحد الثلاثة؟ فقال: لو خيرته وطئ كل يوم وأعتق فلم ينكروا، وتعقب هذا فخر الدين بأنه مما ظهر من الشرع إلغاؤه وقد اتفق العلماء على إبطاله. انتهى.
والذي عليه الجمهور أن الكفارة هنا على الترتيب أيضا، كما سبق بيان ذلك في الفتوى رقم: 101143.
والله أعلم.