هل يدعي كاذبا بأنه لم يسبق له العمل في تلك الدولة ليحصل على العمل فيها مرة أخرى

0 322

السؤال

حصلت على عقد عمل في إحدى الدول الخليجية وحين إنهاء إجراءات السفر طلبت مني السفارة كتابة إقرار بأني لم يسبق لي العمل من قبل في تلك الدولة, فهل أقوم بكتابة هذا الإقرار مع العلم بأني عملت من قبل في هذا البلد، وكتابة هذا الإقرار لن تصيب أي أحد بأذى، وإن لم أحصل على هذه الوظيفة سيحصل عليها غير المسلمين؟

الإجابــة

الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعـد:

فكتابة مثل هذا الإقرار ـ والحال كما ذكر السائل ـ يعد كذبا؛ لأن الكذب هو الإخبار بخلاف الواقع، وقد قال النبي صلى الله عليه وسلم: إن الكذب فجور وإن الفجور يهدي إلى النار وإن العبد ليتحرى الكذب حتى يكتب كذابا.  رواه مسلم.

وقالت أم المؤمنين عائشة رضي الله عنها: ما كان خلق أبغض إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم من الكذب، ولقد كان الرجل يحدث عند النبي صلى الله عليه وسلم بالكذبة فما يزال في نفسه حتى يعلم أنه قد أحدث منها توبة. رواه الترمذي وحسنه وأحمد وصححه الألباني.

فعليك أخي الكريم بوصية رسول الله صلى الله عليه وسلم: دع ما يريبك إلى ما لا يريبك؛ فإن الصدق طمأنينة، وإن الكذب ريبة. رواه الترمذي وقال: حسن صحيح  والنسائي وصححه الألباني.

ولكن إذا كان الكذب هنا يترتب عليه جلب مصلحة معتبرة, أو دفع مفسدة عن السائل أو غيره لحاجته مثلا  للعمل مع عدم تضرر غيره به فلا يأثم.

وقد قال ابن القيم في زاد المعاد: يجوز كذب الإنسان على نفسه وعلى غيره إذا لم يتضمن ضرر ذلك الغير إذا كان يتوصل بالكذب إلى حقه. انتهى.

وقال ابن الجوزي في كشف المشكل: الكذب ليس حراما لعينه، بل لما فيه من الضرر، والكلام وسيلة إلى المقاصد، فكل مقصود محمود يمكن أن يتوصل إليه بالصدق والكذب جميعا فالكذب فيه حرام، وإن أمكن التوصل إليه بالكذب دون الصدق فالكذب فيه مباح إذا كان تحصيل ذلك المقصود مباحا، وواجب إذا كان المقصود واجبا ... إلا أنه ينبغي أن يحترز عنه ويوري بالمعاريض مهما أمكن.

وقال النووي في في الأذكار وفي رياض الصاحين: الكلام وسيلة إلى المقاصد، فكل مقصود محمود يمكن تحصيله بغير الكذب يحرم الكذب فيه، وإن لم يمكن تحصيله إلا بالكذب جاز الكذب، ثم إن كان تحصيل ذلك المقصود مباحا كان الكذب مباحا، وإن كان واجبا كان الكذب واجبا.

وقال الألوسي نحو ذلك خلال كلامه على قوله تعالى: في قلوبهم مرض فزادهم الله مرضا ولهم عذاب أليم بما كانوا يكذبون) (البقرة: 10).

وقد سبقهم إلى هذا الغزالي في بيان ما رخص فيه من الكذب.

والخلاصة أن كتابة مثل هذا الإقرار الكاذب حرام في الأصل، ولكن قد تتغير الفتوى باعتبار نوع الوظيفة وحساسيتها إذا حصلها غير المسلمين ، ثم باعتبار أحوالك وظروفك الشخصية.

والله أعلم.

مواد ذات صلة

الفتاوى

المقالات

الصوتيات