هل انتظار الفرج عبادة

0 772

السؤال

الله قال في سورة الطلاق: سيجعل الله بعد عسر يسرا . الآية 7
فمتى يأتي هذا اليسر؟ فالليل طال والعسر مستمر ولقد كنت أظن خاطئا بأن انتظار الفرج عبادة، سلوا الله من فضله، فإن الله يحب أن يسأل، وأفضل العبادة انتظار الفرج . الراوي: عبد الله بن مسعود - خلاصة الدرجة: ضعيف جدا - المحدث: الألباني - المصدر: ضعيف الترغيب.
لقد أكثرت بدعاء الكرب وقلت كما أمرنا الرسول صلى الله عليه وسلم عندما تصيب العبد مصيبة ودعوت في الثلث الأخير من الليل, وقبل شروق الشمس عندما تصيح الديكة, ودعوت كما دعا يونس عليه السلام، علما بأن وفاتي هي فرج لزوجتي وأولادي حيث يرثون ويسددون الديون، أما حياتي فيعني ضياعا لحقوقي؛ لأن الجماعة الذين كنت أعمل معهم يحبسون حقوقي. وفاتي يمكن أن ترقق قلوبهم ويعطوا ورثتي حقوقي.
أما الرزق فهو محبوس والحال واقف. فعندي ملك أرجو من الله أن يتمم علي إيجاره أو بيعه وهنالك الجهد والعمل ولكن إلى الآن لم يثمر بعد. أطلب من الله أن يقضي عني الدين وأن يرزقني وهو خير الرازقين.

الإجابــة

الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعـد:

فقبل الجواب ندعوك أيها الأخ الكريم إلى أن تبعد عنك هذه النزعة التشاؤمية وتقوي ثقتك بالله، واعلم أن الله تعالى لا يخلف الميعاد، وقد قال سبحانه: وقال ربكم ادعوني أستجب لكم {غافر: 60} وقال عز وجل: وإذا سألك عبادي عني فإني قريب أجيب دعوة الداع إذا دعان فليستجيبوا لي وليؤمنوا بي لعلهم يرشدون {البقرة: 186}.

وليس معنى ذلك أن يحصل المطلوب بعينه وفي الحال، فإن صور الاستجابة تتنوع، فإما أن يعطى ما سأل، وإما أن يصرف عنه من السوء مثله، أو أن يدخر له في الآخرة، فقد قال صلى الله عليه وسلم: ما من مسلم يدعو بدعوة ليس فيها إثم ولا قطيعة رحم إلا أعطاه الله بها إحدى ثلاث: إما أن تعجل له دعوته، وإما أن يدخرها له في الآخرة، وإما أن يصرف عنه من السوء مثلها، قالوا: إذا نكثر! قال: الله أكثر. رواه أحمد وصححه الألباني.

قال ابن عبد البر في التمهيد: فيه دليل على أنه لا بد من الإجابة على إحدى هذه الأوجه الثلاثة.

فكل داع لم يقم به مانع من إجابة الدعاء فإنه يستجاب له، لكن تتنوع الإجابة: فتارة تقع بعين ما دعا به، وتارة بعوضه، كما قال ابن حجر.

وقال ابن الجوزي في كشف المشكل: اعلم أن الله عز وجل لا يرد دعاء المؤمن، غير أنه قد تكون المصلحة في تأخير الإجابة، وقد لا يكون ما سأله مصلحة في الجملة، فيعوضه عنه ما يصلحه، وربما أخر تعويضه إلى يوم القيامة، فينبغي للمؤمن ألا يقطع المسألة لامتناع الإجابة، فإنه بالدعاء متعبد، وبالتسليم إلى ما يراه الحق له مصلحة مفوض.

ثم لابد من التنبه إلى أن هناك موانع من الإجابة تكون من جهة الداعي نفسه، منها الشك في الإجابة والدعاء على سبيل التجربة، ومنها استيلاء الغفلة واللهو على القلب و الجوارح ؛ فقد قال صلى الله عليه وسلم: ادعوا الله وأنتم موقنون بالإجابة، واعلموا أن الله لا يستجيب دعاء من قلب غافل لاه رواه الترمذي وأحمد وحسنه الألباني.

قال المناوي: أي لا يعبأ بسؤال سائل مشغوف القلب بما أهمه من دنياه، قال الإمام الرازي: أجمعوا على أن الدعاء مع غفلة القلب لا أثر له.

ومن الموانع التي ينبغي أن ينتبه لها السائل: الاستعجال وترك الدعاء، كما قال صلى الله عليه وسلم: يستجاب لأحدكم ما لم يعجل، يقول: دعوت فلم يستجب لي. رواه البخاري ومسلم.

 قال ابن عبد البر في التمهيد: في هذا الحديث دليل على خصوص قول الله عز وجل: (ادعوني أستجب لكم) وأن الآية ليست على عمومها، ألا ترى أن هذه السنة الثابتة خصت منها الداعي إذا عجل .

وقال ابن حجر في فتح الباري: قال ابن بطال: المعنى أنه يسأم فيترك الدعاء فيكون كالمان بدعائه، أو أنه أتى من الدعاء ما يستحق به الإجابة فيصير كالمبخل للرب الكريم الذي لا تعجزه الإجابة ولا ينقصه العطاء.... وفي هذا الحديث أدب من آداب الدعاء، وهو أنه يلازم الطلب ولا ييأس من الإجابة لما في ذلك من الانقياد والاستسلام وإظهار الافتقار، حتى قال بعض السلف: لأنا أشد خشية أن أحرم الدعاء من أن أحرم الإجابة... قال الداودي: يخشى على من خالف وقال قد دعوت فلم يستجب لي أن يحرم الإجابة وما قام مقامها من الادخار والتكفير.

وقد سبق بيان معنى الاستعجال والتحذير منه في الفتاوى ذات الأرقام التالية: 63158، 54325، 69484، كما سبق بيان شروط إجابة الدعاء وموانعه: 11571، 8331، 2395، 23599، 43346

ونذكر السائل الكريم بقول الله تعالى: وعسى أن تحبوا شيئا وهو شر لكم والله يعلم وأنتم لا تعلمون {سورة البقرة: 216} وقوله صلى الله عليه وسلم: عظم الجزاء مع عظم البلاء، وإن الله إذا أحب قوما ابتلاهم، فمن رضي فله الرضا، ومن سخط فله السخط. رواه الترمذي وحسنه وابن ماجه وحسنه الألباني الصحيحة.

وأما قول السائل: (لقد كنت أظن خاطئا أن انتظار الفرج عبادة) فقولك هذا هو الخطأ، وليس معنى كون هذا اللفظ لم تصح نسبته للنبي صلى الله عليه وسلم أنه كلام باطل، بل لا شك أن انتظار الفرج عبادة عظيمة، قال الشيخ ابن عثيمين في أحد أجوبته في فتاوى برنامج نور على الدرب: الواجب على من أصيب بأمر يضيق به صدره ويزداد به غمه أن يصبر ويحتسب الأجر من الله عز وجل وينتظر الفرج، فهذه ثلاثة أمور: الصبر، واحتساب الأجر، وانتظار الفرج من الله عز وجل. وذلك أن الإنسان إذا أصيب بمصيبة من غم أو غيره فإنه يكفر الله بها عنه سيئاته وخطيئاته، وما أكثر السيئات والخطيئات من بني آدم (فكل بني آدم خطاء وخير الخطائين التوابون). وإذا صبر واحتسب الأجر من الله أثيب على ذلك أي حصل له أمران التكفير والثواب، وإذا انتظر الفرج من الله عز وجل أثيب على ذلك مرة ثالثة، لأن انتظار الفرج حسن ظن بالله عز وجل، وحسن الظن بالله سبحانه وتعالى عمل صالح يثاب عليه الإنسان. اهـ.

والله أعلم.

مواد ذات صلة

الفتاوى

المكتبة