السؤال
هل الدعاء عند الملتزم في العمرة ثابت عن الرسول صلى الله عليه وسلم أو عن أحد الصحابة؟
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعـد: فالأحاديث الواردة في التزام الملتزم والدعاء عنده لا يثبت منها شيء، لكن حسنها بمجموعها بعض أهل العلم كالألباني رحمه الله، وفي السنن حديثان في الباب كلاهما ضعيف.
وعن عمرو بن شعيب عن أبيه قال: طفت مع عبد الله فلما جئنا دبر الكعبة قلت: ألا تتعوذ ؟ قال: نعوذ بالله من النار، ثم مضى حتى استلم الحجر، وأقام بين الركن والباب، فوضع صدره ووجهه وذراعيه وكفيه هكذا وبسطهما بسطا، ثم قال: هكذا رأيت رسول الله صلى الله عليه وسلم يفعله. رواه أبو داود وابن ماجه. وفيه: المثنى بن الصباح، ضعفه الإمام أحمد وابن معين والترمذي والنسائي وغيرهم.
وقد جاء عن الصحابة والتابعين ما يفيد مشروعية ذلك: فقد روى ابن أبي شيبة في مصنفه عن ابن عباس قال: الملتزم ما بين الركن والباب. عن الشيباني قال: رأيت عمرو بن ميمون وهو ملتزم ما بين الركن والباب.
عن مجاهد قال: كانوا يلتزمون ما بين الركن والباب ويدعون. عن محمد بن عبد الرحمن العبدي قال: رأيت عكرمة بن خالد وأبا جعفر وعكرمة مولى ابن عباس يلتزمون ما بين الركن وباب الكعبة، ورأيتهم ما تحت الميزاب في الحجر.
عن حنظلة قال: رأيت سالما وعطاء وطاوسا يلتزمون ما بين الركن والباب.
وفي قول مجاهد رحمه الله: (كانوا يلتزمون ما بين الركن والباب ويدعون) ما يفيد أن جماعة من الصحابة كانوا يفعلون ذلك، ومجاهد من أفاضل التابعين وقد أدرك جماعة من الصحابة رضي الله عنهم، وهذا كاف إن شاء الله في إثبات مشروعية إتيان الملتزم والدعاء عنده.
قال شيخ الإسلام ابن تيمية –رحمه الله - وإن أحب أن يأتي الملتزم - وهو ما بين الحجر الأسود والباب - فيضع عليه صدره ووجهه وذراعيه وكفيه ويدعو ويسأل الله تعالى حاجته فعل ذلك، وله أن يفعل ذلك قبل طواف الوداع فإن هذا الالتزام لا فرق بين أن يكون حال الوداع أو غيره، والصحابة كانوا يفعلون ذلك حين دخول مكة....إلي أن قال: (ولو وقف عند الباب ودعا هناك من غير التزام للبيت كان حسنا. ) مجموع الفتاوى " ( 26 / 142، 143).
وقال الشافعي – رحمه الله - وأحب له إذا ودع البيت أن يقف في الملتزم وهو بين الركن والباب.
" الأم " ( 2 / 244 ).
وقال الكاساني: وذكر الطحاوي في مختصره عن أبي حنيفة أنه إذا فرغ من طواف الصدر يأتي المقام فيصلى عنده ركعتين ثم يأتي زمزم فيشرب من مائها، ويصب على وجهه ورأسه ثم يأتي الملتزم، وهو ما بين الحجر الأسود والباب، فيضع صدره وجبهته عليه، ويتشبث بأستار الكعبة، ويدعو ثم يرجع." بدائع الصنائع " (2 / 161)
قال الشيخ ابن عثيمين: وهذه مسألة اختلف فيها العلماء مع أنها لم ترد عن النبي صلى الله عليه وسلم -(يريد من طريق صحيح)-، وإنما عن بعض الصحابة رضي الله عنهم، فهل الالتزام سنة ؟ ومتى وقته ؟ وهل هو عند القدوم، أو عند المغادرة، أو في كل وقت ؟.
وسبب الخلاف بين العلماء في هذا: أنه لم ترد فيه سنة عن النبي صلى الله عليه وسلم، لكن الصحابة – رضي الله عنهم – كانوا يفعلون ذلك عند القدوم.
والفقهاء قالوا: يفعله عند المغادرة فيلتزم في الملتزم، وهو ما بين الركن الذي فيه الحجر والباب... وعلى هذا: فالالتزام لا بأس به ما لم يكن فيه أذية وضيق. " الشرح الممتع " (7 / 402، 403)
والله أعلم.