السؤال
قمت مرة بقذف واحدة بالكلام بدون نية، ولكني الآن نادمة، فهل أذهب إليها وأخبرها أم ماذا أفعل؟
قمت مرة بقذف واحدة بالكلام بدون نية، ولكني الآن نادمة، فهل أذهب إليها وأخبرها أم ماذا أفعل؟
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعـد:
فجزاك الله خيرا على حرصك على الاستبراء لدينك، أما ما يتعلق بالسؤال، فقولك: من غير نية إن كنت تقصدين به أن ذلك حدث منك خطأ أي زلة لسان دون قصد اللفظ، فإن هذا معفو عنه، لقول رسول الله صلى الله عليه وسلم: إن الله تجاوز عن أمتي الخطأ والنسيان وما استكرهوا عليه. رواه ابن ماجه وصححه الألباني.
وأما إن كان قصدك أنك قصدت اللفظ دون المعنى فهذا إثم يحتاج إلى التوبة، فإن كنت تقصدين بالقذف معناه المعروف عند الفقهاء وهو: رمي المحصن بالزنا، فهذا من كبائر الذنوب، قال تعالى: والذين يرمون المحصنات ثم لم يأتوا بأربعة شهداء فاجلدوهم ثمانين جلدة ولا تقبلوا لهم شهادة أبدا وأولئك هم الفاسقون* إلا الذين تابوا من بعد ذلك وأصلحوا فإن الله غفور رحيم {النور:4-5}، وقال الله تعالى: إن الذين يرمون المحصنات الغافلات المؤمنات لعنوا في الدنيا والآخرة ولهم عذاب عظيم {النور:23}، وقد اشترط بعض العلماء للتوبة من القذف أن يكذب القاذف نفسه، قال ابن قدامة في المغني: ظاهر كلام أحمد والخرقي، أن توبة القاذف إكذاب نفسه، فيقول: كذبت فيما قلت. وهذا منصوص الشافعي واختيار الإصطخري من أصحابه، قال ابن عبد البر: وممن قال هذا سعيد بن المسيب، وعطاء وطاوس والشعبي، وإسحاق، وأبو عبيد وأبو ثور لما روى الزهري عن سعيد بن المسيب عن عمر عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال: في قوله تعالى: إلا الذين تابوا من بعد ذلك وأصلحوا فإن الله غفور رحيم. قال: توبته إكذاب نفسه. انتهى.
ومعنى ذلك أن يخبر القاذف من سمعه حال القذف أنه كان كاذبا، أو ينفي ما قاله ويقر بأنه أخطا في ذلك، وأما إن كنت تقصدين بالقذف بغير الزنا فإن ذلك من الغيبة المحرمة أو البهتان الذي هو أشد منها، وقد قال الله تعالى: يا أيها الذين آمنوا اجتنبوا كثيرا من الظن إن بعض الظن إثم ولا تجسسوا ولا يغتب بعضكم بعضا أيحب أحدكم أن يأكل لحم أخيه ميتا فكرهتموه واتقوا الله إن الله تواب رحيم {الحجرات:12}، وعن أبي هريرة أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: أتدرون ما الغيبة؟ قالوا: الله ورسوله أعلم، قال: ذكرك أخاك بما يكره، قيل: أفرأيت إن كان في أخي ما أقول، قال: إن كان فيه ما تقول فقد اغتبته، وإن لم يكن فيه فقد بهته. رواه مسلم.
وكل ذلك من الذنوب التي تتعلق بحقوق الآدميين وهي تحتاج في التوبة منها إلى التحلل من حق الآدمي، بجانب الإقلاع والندم والعزم على عدم العود، فعن أبي هريرة رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: من كانت له مظلمة لأخيه من عرضه أو شيء فليتحلله منه اليوم قبل أن لا يكون دينار ولا درهم، إن كان عمل صالح أخذ منه بقدر مظلمته، وإن لم تكن له حسنات أخذ من سيئات صاحبه فحمل عليه. رواه البخاري.. وقال الإمام الغزالي: وأما العرض فإن اغتبته أو شتمته أو بهته فحقك أن تكذب نفسك بين يدي من فعلت ذلك عنده وأن تستحل من صاحبك إذا أمكنك إذا لم تخشى زيادة غيظ وتهييج فتنة في إظهار ذلك وتجديده فإن خشيت ذلك فالرجوع إلى الله سبحانه وتعالى ليرضيه عنك. انتهى نقلا عن الفتاوى الكبرى لابن حجر الهيتمي.
فإذا كانت السائلة تستطيع أن تخبر هذه المرأة وتتحلل منها من غير أن يتسبب ذلك في إيقاع العداوة والبغضاء بينهما، فإنه يتعين على السائلة أن تخبرها بذلك وتتحللها، وأما إن كان في إخبارها بذلك ضرر، وإيقاع للعداوة والبغضاء، فإن على السائلة أن تستغفر الله عز وجل وتسأله العفو والصفح وتكثر من الأعمال الصالحة والحسنات الماحية، قال الله تعالى: وأقم الصلاة طرفي النهار وزلفا من الليل إن الحسنات يذهبن السيئات ذلك ذكرى للذاكرين {هود:114}، وعليها أن تذكر من اغتابتها بما فيها من خير لا سيما في الموضع الذي سبق أن اغتابتها فيه، وأن تدعو لها بظهر الغيب وتستغفر لها، وقد روي في ذلك أحاديث ضعيفة فعن أنس قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: إن من كفارة الغيبة أن تستغفر لمن اغتبته تقول: اللهم اغفر لنا وله. رواه البيهقي في الدعوات الكبير، وقال: في هذا الإسناد ضعف... ونسأل الله لنا ولك العفو والعافية.
والله أعلم.