الاستعانة بالأموات في تفريج الكروب ودفع الخطوب

0 284

السؤال

ما حكم الاستعانة بأولياء الله تعالى مع اعتقاد أنهم يشفعون عند الله تعالى في الأمور المطلوب بهم ؟ وأن الله تعالى يكاد يقبل شفاعتهم بأنهم متقون .مع عدم الاعتقاد أنهم قادرون بأنفسهم للإعانة أو للشفاعة إلا بعد إذن الله.

الإجابــة

الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعـد:

فالقرآن من أوله إلى آخره مليء بالنصوص الدالة على أن الله وحده هو الذي بيده الخفض والرفع، والضر والنفع، والعطاء والمنع، والإعزاز والإذلال، والهداية والإضلال، قال تعالى: وإن يمسسك الله بضر فلا كاشف له إلا هو وإن يردك بخير فلا راد لفضله يصيب به من يشاء من عباده وهو الغفور الرحيم {يونس 107}. وقال تعالى: وإن يمسسك الله بضر فلا كاشف له إلا هو وإن يمسسك بخير فهو على كل شيء قدير {الأنعام: 17}. والآيات في هذا المعنى كثيرة جدا، وقد أمر الله عباده أن يدعوه وحده، ولم يجعل بينه وبينهم واسطة في الدعاء، فقال تعالى: وقال ربكم ادعوني أستجب لكم {غافر: 60} وبين تعالى ضلال من دعا غيره فقال: ومن أضل ممن يدعو من دون الله من لا يستجيب له إلى يوم القيامة وهم عن دعائهم غافلون * وإذا حشر الناس كانوا لهم أعداء وكانوا بعبادتهم كافرين. {الأحقاف 5-6}.

ونحن في كل ركعة من ركعات الصلاة نفرد الله بالاستعانة به على كل أمورنا، ونخصه بذلك في قولنا {وإياك نستعين }، وقد وصى النبي صلى الله عليه وسلم ابن عمه عبد الله ابن عباس بوصية جامعة، وكان من بين جملها الرائعة: إذا سألت فاسأل الله، وإذا استعنت فاستعن بالله. رواه الترمذي بإسناد صحيح.

 والموتى والمقبورون وإن كانوا من الأولياء الصالحين، بل من الأنبياء المقربين فإن صلاحهم لأنفسهم ونفع تقواهم لهم، أما أن يستعان بهم في كشف الكروب ودفع الخطوب، فهذا ما كان أهل الجاهلية يفعلونه حين يصرفون لهم الدعاء، بزعم أنهم يقربونهم إلى الله، وأن الله لا يرد شفاعتهم لصلاحهم، قال تعالى: ويعبدون من دون الله ما لا يضرهم ولا ينفعهم ويقولون هؤلاء شفعاؤنا عند الله قل أتنبئون الله بما لا يعلم في السماوات ولا في الأرض سبحانه وتعالى عما يشركون. {يونس 18}.

 وقال تعالى: والذين اتخذوا من دونه أولياء ما نعبدهم إلا ليقربونا إلى الله زلفى. {الزمر 3}.

وهذه الاستعانة المسؤول عنها على أقسام فإن كانت بدعائهم من دون الله كطلب المغفرة والهداية والشفاء منهم، فهذا هو الشرك الأكبر، وصاحبه خالد في النار أبدا، نسأل الله العافية.

قال تعالى والذين تدعون من دونه ما يملكون من قطمير * إن تدعوهم لا يسمعوا دعاءكم ولو سمعوا ما استجابوا لكم ويوم القيامة يكفرون بشرككم ولا ينبئك مثل خبير  {فاطر 13-14}.

وأما إذا كان المقصود بالطلب منهم أن يدعوا له الله معتقدا أن دعاءه مستجاب حتى وإن كانوا في قبورهم فهذا اعتقاد باطل وذريعة قوية إلى الشرك الأكبر، فهو من الشرك الأصغر إذا خلا عن اعتقاد أنهم ينفعون ويضرون.

قال شيخ الإسلام رحمه الله في الفتوى المصرية في التوسل : وكذلك الأنبياء والصالحون، وإن كانوا أحياء فى قبورهم‏.‏ وإن قدر أنهم يدعون للأحياء وإن وردت به آثار فليس لأحد أن يطلب منهم ذلك، ولم يفعل ذلك أحد من السلف؛ لأن ذلك ذريعة إلى الشرك بهم وعبادتهم من دون الله تعالى، بخلاف الطلب من أحدهم فى حياته، فإنه لا يفضى إلى الشرك. انتهى.

وأما إذا كانت الاستعانة بهم بمعنى التوسل أي يدعو الله ويسأله وحده متوسلا إليه بما لهم من الحق والجاه فهذا النوع مختلف فيه، فمنهم من أجازه مطلقا كالشوكاني، والصحيح أنه ممنوع وأنه داخل في حد البدعة، لأن السلف قاطبة لم يفعلوه مع وجود المقتضي له، وانتفاء المانع منه، بل عدل عمر رضي الله عنه والصحابة متوافرون إلى التوسل بدعاء العباس، فلو كان التوسل بجاه النبي صلى الله عليه وسلم جائزا لما عدلوا عنه إلى التوسل بدعاء غيره، وقد أطال شيخ الإسلام رحمه الله في مناقشة هذه المسألة وأطنب في القاعدة الجليلة في التوسل والوسيلة.

وأما طلب الدعاء من الصالح الحي فجائز كما دلت على ذلك الأدلة، فقد ثبت في صحيح مسلم أن النبي صلى الله عليه وسلم أمرهم أن يطلبوا من أويس القرني إذا لقيه أحدهم أن يستغفر له، فليس هذا من الباب المنهي عنه، وكذا الاستعانة بالحي فيما يقدر عليه، فهو من الأسباب التي شرع الله الأخذ بها، وقد بينا ذلك مفصلا في الفتاوى ذات الأرقام التالية: 22722، 25984، 3779، 63961.

والله أعلم.

مواد ذات صلة

الفتاوى

المقالات

الصوتيات

المكتبة