السؤال
دخلت في جدال مع صديق لي حول الحركة الوهابية، يقول بأنهم يأخذون بأقوال الشيخ أحمد بن حنبل -رحمه الله- أكثر من غيره، ويقول -أيضا-: بأن الاختلاف في آراء العلماء شيء طبيعي، وأنني أستطيع أن آخذ بأي رأي شئت إن كانت الآراء كلها قوية بأدلة قوية، وضرب لي مثال تحريم وتحليل الدف.فأفيدونا -جزاكم الله خيرا- في المسألة. هل الجدال جيد أم سيئ؟ لأني قد سمعت حديثا يذمه. وهل الحركة الوهابية تأخذ بأقوال الشيخ ابن حنبل أكثر من أي شيخ آخر؟ وهل أستطيع أن آخذ بأي رأي شئت، أو اطمأننت له إن كانت الأدلة قوية في كل الآراء؟ وقد رأيت أنكم لا تجيبون إلا على سؤال واحد، فاختاروا أهمها، وأجيبوا، وإن كنتم كما أظن بكم علماء كرماء فستجيبون عنها جميعها.وشكرا.
الإجابــة
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعـد:
فالجدل المراد منه التعصب لترويج المذاهب الكاسدة والعقائد الزائفة، يعتبر جدلا مذموما شرعا، كما قال تعالى: وقالوا أآلهتنا خير أم هو ما ضربوه لك إلا جدلا بل هم قوم خصمون {الزخرف:58}، وفي هذا النوع من الجدل، قال النبي -صلى الله عليه وسلم-: ما ضل قوم بعد هدى كانوا عليه إلا أوتوا الجدل، ثم تلا رسول الله -صلى الله عليه وسلم- هذه الآية: وقالوا أآلهتنا خير أم هو ما ضربوه لك إلا جدلا بل هم قوم خصمون. رواه الترمذي.
وأما الجدل والمناظرة لإظهار الحق، واستكشاف الحال، واستعلام ما ليس معلوما عنده، أو تعليم غيره ما عنده؛ فهذا جدل محمود شرعا، وقد قال الله تعالى لنبيه صلى الله عليه وسلم: ... وجادلهم بالتي هي أحسن... {النحل:125}، وانظر الفتوى: 66789.
وأما هل الوهابية تأخذ بأقوال الإمام أحمد أكثر من غيره... إلخ، فمن المهم أولا -أخي السائل- أن تنظر حقيقة التسمية بالوهابية في الفتوى: 38579.
ثم اعلم بعد ذلك أن المذهب الفقهي السائد في الجزيرة العربية التي انطلقت منها دعوة الشيخ محمد بن عبد الوهاب -رحمه الله- هو مذهب الإمام أحمد، ولأجل ذلك كان الشيخ -رحمه الله- وكذا أتباع دعوة الشيخ على مذهب أحمد في الفروع، فيأخذون بأقواله الفقهية أكثر من غيره، والذي علم منهم أنهم لا يتعصبون لأقوال الإمام أحمد إذا خالفت الدليل، وهذا من بركة دعوة التوحيد التي يدعون إليها، فهم يوحدون النبي -صلى الله عليه وسلم- في الاتباع المطلق، كما يوحدون الله تعالى في العبادة.
وأما أتباع دعوة الشيخ في غير جزيرة العرب، فمنهم من هو شافعي المذهب، ومنهم المالكي، ومنهم الحنفي، وهم كذلك يدورون مع ما دل عليه الكتاب والسنة من غير تعصب، امتثالا لقول الله تعالى: اتبعوا ما أنزل إليكم من ربكم ولا تتبعوا من دونه أولياء قليلا ما تذكرون {الأعراف:3}.
وأما الأخذ بأي رأي عند تعارض الأدلة وقوتها، فمن كان من أهل العلم، فإنه لا يسعه أن يأخذ بأي رأي شاء، بل عليه أن يتحرى الحق والصواب، وينظر في المرجحات التي ترجح أحد الأقوال، ويعمل بما ظهر له، واطمأنت إليه نفسه، فإن لم يترجح له شيء، فالأخذ بالأحوط أليق بأهل العلم والورع، وهم أولى الناس بلزوم الورع وترك الشبهات.
وأما من لم يكن من أهل العلم؛ فإنه يسأل من يثق بعلمه ودينه وأمانته، ويعمل بما يفتيه به، عملا بقول الله تعالى: وما أرسلنا من قبلك إلا رجالا نوحي إليهم فاسألوا أهل الذكر إن كنتم لا تعلمون {النحل:43}.
وأما اختيار أحد الأقوال بناء على ما تشتهيه النفس، فهذا من صنيع أهل الأهواء.
والله أعلم.