الحمد لله، والصلاة والسلام على رسول الله، وعلى آله، وصحبه، أما بعـد:
فلا يجوز للمسلم أن يتجرأ على القرآن، ويقتحم معانيه، ويفسر أحكامه بمجرد رأيه، دون الرجوع إلى كلام أهل العلم الراسخين فيه، وقبل أن يكون له متكئا من لغة العرب، يفهم بها كلامهم، وأن يكون على معرفة بأحكام الشرع وتعاليمه، تعصمه من الزيغ، والانحراف.
وأما ما سألت عنه، فجوابه: أن ملك اليمين شرع من الخالق العليم الخبير: ألا يعلم من خلق وهو اللطيف الخبير {الملك:14}، وما شرع أمر إلا لمصلحة، وحكمة، علمها من علمها، وجهلها من جهلها، وربما يعجز المرء عن إدراك الحكم في كثير من الأحكام؛ لجهله، وقصور علمه، لا لنقص في التشريع، أو تناقض في أحكام اللطيف الخبير؛ فعلى المرء أن يتهم نفسه، ويسأل أهل العلم عما لم يدركه، ففوق كل ذي علم عليم، وما شفاء العي إلا السؤال.
وتكريم المرأة الذي دعا إليه الإسلام، وحث عليه في سائر أحكامه، وحررها به من ظلم الجاهلية، وجور أهل الأهواء، لا يناقض ما شرعه من حكم السبي، والاسترقاق لها، إذا كانت كافرة مشركة بالله عز وجل، وأسرها المسلمون فيمن أسروا، فهل الأكرم لها أن تسترق، فيثبت لها ما لملك اليمين من الأحكام الشرعية من نفقة، وكسوة، وعدم تكليف ما لا يطاق، ويباح وطؤها لمالكها، فتكون فراشا له كزوجته، تخالطه في أخص أموره، وإذا جاءت منه بولد، صارت أم ولد، فتعتق عليه بعد موته، أم تقتل؛ دفعا لشرها، ونكاية بالعدو!؟
لا شك أن الاسترقاق خير لها، وأنه لا غضاضة في إباحة استمتاع مالكها بها؛ لما في ذلك من إعفافها، ولما يتحصل به من أحكام في مصلحتها، فذلك تكريم لا ازدراء، فإن من الله عليك بفهم ذلك وإدراكه، فبها ونعمت، وإلا فالقصور في الفهم، والوهم، لا في الحكم..
وكذلك تزوج النبي صلى الله عليه وسلم بأكثر من أربع نساء دون سائر الأمة، فهو لحكمة يعلمها الخالق سبحانه، ولا يسأل عما يفعل، وقد ذكر أهل العلم من حكم ذلك، أن أغلب نسائه كن ممن استشهد أزواجهن، وهن كبيرات في السن، فأراد جبر خواطرهن، ورعايتهن؛ وفاء لأزواجهن، الذين ضحوا بأنفسهم في نصرته، ولا يمكن عد ذلك نكاح شهوة، أو اتباعا للهوى، كما أن في زواجه بأكثر من أربع نسوة نشرا لأحكام الدين مما لا يعلم إلا من المخالطة، كأحكام الزوجية، وغيرها، فكل امرأة من نسائه كان يدخل عليها محارمها، وأقاربها، فتنشر ما تعلمت ورأت من حياة النبي صلى الله عليه وسلم، فكان في ذلك نشر للدعوة، وتعليم لأحكام الدين، وترسيخ لدعائم الإسلام؛ لما للمصاهرة من هيبة، وتوطيد لوشائج الرحم.
كما أنه لا يخشى عليه صلى الله عليه وسلم من الظلم لهن، والجور عليهن، كما يخشى من سائر الناس؛ لأنه معصوم من ربه؛ ولذلك لما خيرهن اخترن البقاء معه، ولم يتزوج بكرا غير عائشة، فلو كان زواجه لأجل الشهوة- كما يدعي المدعون، ويقذف الشيطان في قلوب أوليائه- لاختار ما يناسب ذلك.
وأما زواجه بزينب -رضي الله عنها-، فليس باختياره، وإنما زوجه ربه من فوق سبع سماوات؛ إبطالا لحكم التبني، الذي كان سائدا في الجاهلية، قال تعالى: فلما قضى زيد منها وطرا زوجناكها لكي لا يكون على المؤمنين حرج في أزواج أدعيائهم إذا قضوا منهن وطرا وكان أمر الله مفعولا {الأحزاب:37}، ولو كانت به رغبة إليها؛ لتزوجها قبل زيد، فهو الذي زوجها لزيد، وشفع له عندها لتقبله، مع أنه لو كان يميل إليها بقلبه، فإنه لا حرج في ذلك؛ لأن الميل القلبي من عوارض البشر، ولا يملك المرء دفعه؛ ولذلك لما كان يميل قلبه إلى بعض نسائه دون بعض، قال: اللهم هذا قسمي فيما أملك، فلا تؤاخذني فيما تملك ولا أملك. وإنما الممتنع شرعا أن يعمل بمقتضى هذا الميل؛ حتى يقع فيما لا يجوز شرعا، وراجع للأهمية الفتوى: 47954.
وخلاصة القول: إن الله سبحانه وتعالى ما شرع لعباده إلا ما فيه مصلحتهم، وما نهاهم إلا عما فيه مضرتهم، وهو أعلم بهم من أنفسهم، وإذا لم يدرك المرء كنه التشريع، وحكمته؛ فعليه أن يتهم نفسه، وعقله؛ لأن القصور منه، ولو قرأ، أو سأل أهل العلم، ربما زال عنه الوهم، والإشكال.
فنصيحتنا لك: أن تقبل على تعلم أحكام الشرع، والتفقه في الدين، ومجالسة أهل العلم، والبعد عن الشبه، ومحاورة أهلها؛ لأنها قد تتمكن من القلب، فلا يستطيع المرء دفعها؛ لجهل، أو قصور في الإدراك.
نسأل الله تعالى ألا يزيغ قلوبنا بعد إذ هدانا للإيمان، وأن يوفقنا لما يحبه، ويرضاه، ويهيئ لنا من أمرنا رشدا؛ إنه ولي ذلك، والقادر عليه.
وللمزيد من الفائدة، انظر الفتاوى: 4341، 6186، 78538، 27512.
والله أعلم.