السؤال
ماذا أفعل لوسوسة الشيطان؟ أنا والحمد لله تبت وأصلي وأقوم الليل وأعمل كل ما يرضي الله، لكن الشيطان يوسوس لي لماذا تفعلين كل هذا وأنتي تطلبين من الله الستر ولم تتزوجي أتخيل أني سوف أنتحر أتردد ثم أصلي وأدعو الله؟
ماذا أفعل لوسوسة الشيطان؟ أنا والحمد لله تبت وأصلي وأقوم الليل وأعمل كل ما يرضي الله، لكن الشيطان يوسوس لي لماذا تفعلين كل هذا وأنتي تطلبين من الله الستر ولم تتزوجي أتخيل أني سوف أنتحر أتردد ثم أصلي وأدعو الله؟
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعـد:
فبداية نسأل الله تعالى أن يتم نعمته عليك، وأن يشرح صدرك، وأن يصرف عنك كيد الشيطان... ثم ننبه السائلة الكريمة أن الأعمال الصالحة التي يعملها الإنسان إنما تنفع صاحبها، وكذلك الأعمال السيئة لا تضر إلا صاحبها، وأما الله تعالى فغني عن العالمين، كما قال تعالى: من عمل صالحا فلنفسه ومن أساء فعليها وما ربك بظلام للعبيد {فصلت:46}، وقال: من عمل صالحا فلنفسه ومن أساء فعليها ثم إلى ربكم ترجعون {الجاثـية:15}، وقال: من كفر فعليه كفره ومن عمل صالحا فلأنفسهم يمهدون {الروم:44}.
ومن ناحية أخرى فما يعمله الإنسان من الصالحات إنما هو شكر لله عز وجل على نعمه التي لا تعد ولا تحصى، وقد قال تعالى: ومن شكر فإنما يشكر لنفسه ومن كفر فإن ربي غني كريم {النمل: 40}، وقال: ومن يشكر فإنما يشكر لنفسه ومن كفر فإن الله غني حميد {لقمان: 12}. وقال: إن تكفروا فإن الله غني عنكم ولا يرضى لعباده الكفر وإن تشكروا يرضه لكم {الزمر:7}.
والله تعالى لا يضيع ثواب عامل أبدا، وقد أخبر عن نفسه تعالى بقوله: أني لا أضيع عمل عامل منكم من ذكر أو أنثى بعضكم من بعض {آل عمران: 195}، وبقوله: إنا لا نضيع أجر من أحسن عملا {الكهف: 30}، بل إنه تعالى يضاعف المثوبة أضعافا مضاعفة، كما قال تعالى: إن الله لا يظلم مثقال ذرة وإن تك حسنة يضاعفها ويؤت من لدنه أجرا عظيما {النساء:40}، وقال: من جاء بالحسنة فله عشر أمثالها ومن جاء بالسيئة فلا يجزى إلا مثلها وهم لا يظلمون {الأنعام:160}، وقال النبي صلى الله عليه وسلم: إن الله لا يظلم مؤمنا حسنة، يعطى بها في الدنيا ويجزى بها في الآخرة، وأما الكافر فيطعم بحسنات ما عمل بها لله في الدنيا حتى إذا أفضى إلى الآخرة لم تكن له حسنة يجزى بها. رواه مسلم.
على أن الأعمال الصالحة نفسها إنما هي من فضل الله على العبد وتوفيقه له، كما قال سبحانه: ولولا فضل الله عليكم ورحمته ما زكى منكم من أحد أبدا ولكن الله يزكي من يشاء والله سميع عليم {النور:21}، وقال: ولولا فضل الله عليكم ورحمته لاتبعتم الشيطان إلا قليلا {النساء: 83}، ولذلك قال الله تعالى في الحديث القدسي: يا عبادي إنما هي أعمالكم أحصيها لكم ثم أوفيكم إياها فمن وجد خيرا فليحمد الله ومن وجد غير ذلك فلا يلومن إلا نفسه. رواه مسلم.
فعليك أختي الكريمة بتقوى الله تعالى والصبر على قضائه وقدره، فقد قال سبحانه: إنه من يتق ويصبر فإن الله لا يضيع أجر المحسنين {يوسف:90}، وقال: واصبر فإن الله لا يضيع أجر المحسنين {هود:115}، وأما تأخر الزواج فهو في قضاء الله تعالى وقدره الذي يجب التسليم له وعدم الاعتراض على الله تعالى فيه وقد يكون ذلك امتحانا من الله، وحكمة منه، فينبغي أن نتلقاها بصبر وسعة صدر، فكم من بلية أسفرت عن عطية، وكم من منحة كانت في جوف محنة، فلا تدرين ـ أختي الكريمة ـ فلعل ذلك خير لك أو سيئول إلى خير، وقد قال تعالى: وعسى أن تكرهوا شيئا وهو خير لكم وعسى أن تحبوا شيئا وهو شر لكم والله يعلم وأنتم لا تعلمون {البقرة: 216}، وقال: فعسى أن تكرهوا شيئا ويجعل الله فيه خيرا كثيرا {النساء: 19}.
فلا ينبغي أن يتغافل الإنسان عن نعم الله المتواترة المتكاثرة، ثم لا يذكر إلا نعمة حرمها أو مصيبة ابتلي بها، فقد ذم الله الإنسان بقوله: إن الإنسان لربه لكنود {العاديات:6}، قال الحسن البصري: هو الذي يعد المصائب وينسى نعم ربه. انتهى.
وأما دعاؤك فلن يضيع ولن يخيب ما لم تستعجلي وتتركي الدعاء، ولكن صور الإجابة متعددة، فعليك أن تتعرفي على شروط إجابة الدعاء وما ينبغي التأدب به عنده، وقد سبق بيان ذلك في الفتوى رقم: 11571، والفتوى رقم: 63158.
وأما خيالات الانتحار فهي لا شك من مداخل الشيطان، وقد قال الله عز وجل: إن الشيطان لكم عدو فاتخذوه عدوا إنما يدعو حزبه ليكونوا من أصحاب السعير {فاطر:6}، فإياك أن تستمعي لوسوسة هذا العدو اللعين، فإن الانتحار مع كونه ليس علاجا لأي مشكلة كانت، فإنه مع ذلك يجلب غضب الله ومقته وعقابه، وقد سبق بيان ذلك في الفتوى رقم: 10397، كما سبق التحذير من مداخل الشيطان الخفية في الفتوى رقم: 70031، وسبق كذلك الكلام عن الوسواس القهري ماهيته وعلاجه في الفتوى رقم: 3086.
والله أعلم.