السؤال
أنا قرأت كثيرا في مواضيع القضاء والقدر حتى تشبعت من كثرة ما قرأت ولكنني أحيانا أشعر بتعب نفسي من التفكير لما يحصل معي من مشاكل، فهل الله سبحانه وتعالى أراد ذلك فهل كل ما يقع بالكون سواء خير أو شر أراده الله لحكمة مطلقة لا نعلمها، وهل ربنا سبحانه وتعالي رقيب على المؤمن بتصرفاته يعني لو كنت اخترت اختيارا خطأ في حياتي ولكني لا أعلم أنه خطأ فهل الله سبحانه وتعالى يمنعني من الوقوع بهذا الخطأ أم يتركني أرتكب هذا الخطأ لأننا كبشر مخيرين، وأحيانا الإنسان يعتقد أمرا شرا له وهو خير فهل الله يؤدي إلى وقوع هذا الأمر، مثال أنني أكره التعليم وفي دراستي ابتعدت عن التعليم ولكني الآن أعمل معلمة وأنا عمري لم أفكر أن أكون معلمة، فهل هذا لحكمة من الله أنا لا أعرفها أريد أن أرتاح؟
الإجابــة
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعـد:
فاعلمي أيتها الأخت السائلة أن ما تشعرين به من التعب الذهني جراء التفكير في القدر بالطريقة التي ذكرت هو نتيجة حتيمة لذلك، لأن القدر سر الله تعالى في خلقه، كما قال الإمام الطحاوي في عقيدته المشهورة: وأصل القدر سر الله تعالى في خلقه، لم يطلع على ذلك ملك مقرب ولا نبي مرسل، والتعمق والنظر في ذلك ذريعة الخذلان وسلم الحرمان ودرجة الطغيان فالحذر كل الحذر من ذلك نظرا وفكرا ووسوسة، فإن الله تعالى طوى علم القدر عن أنامه، ونهاهم عن مرامه، كما قال الله تعالى في كتابه: لا يسأل عما يفعل وهم يسألون. فمن سأل: لم فعل؟ فقد رد حكم الكتاب، ومن رد حكم الكتاب كان من الكافرين.. فالله تعالى لم يكشف قدره على وجه التفصيل لأحد، بل هذا علمه عند الله، وما طوى الله عنا علمه من القدر فإن الخير في أن لا نبحث فيه، وفي الحديث الصحيح: إذا ذكر القدر فأمسكوا. رواه الطبراني وصححه الألباني.
ولهذا فإن الراسخين في العلم يبسطون من مسائل القدر ما جاء في الأدلة، ويطوون من مسائل القدر ما لم يأت في الأدلة، والواجب على المؤمن أن يؤمن إيمانا يقينيا أن الله تعالى حكيم في أفعاله لا يفعل شيئا عن غير حكمة، خبير ومطلع على أفعال عباده لا يعزب عنه مثقال ذرة في السماوات ولا في الأرض وأنه تعالى كما قال: قل فلله الحجة البالغة فلو شاء لهداكم أجمعين. فإذا آمن بذلك ولم يتعمق استراح قلبه وسكن واستقر إيمانه ولم يتزعزع.
فإذا أردت أيتها الأخت السائلة الراحة -كما ذكرت- فكفي عن التعمق وكثرة البحث والخوض في مسائل القدر، وآمني بما دل عليه الكتاب والسنة من أن الله قدر مقادير الخلق فعلمها قبل وقوعها وكتبها وشاءها وخلقها وأوجدها، وأمسكي عن ما وراء ذلك وستجدين الراحة بإذن الله، وانظري للفائدة في ذلك الفتاوى ذات الأرقام التالية: 4054، 79824، 53111.
والله أعلم.