السؤال
فضيلة الشيخ:قال الله تعالى في سورة النازعات الآيه30 "والأرض بعد ذلك دحاها" والمعروف بمعنى دحاها أنه بسطها, الدحو: البسط. دحا الأرض يدحوها دحوا: بسطها، فكيف تكون الأرض مبسوطة والمعروف علميا وللجميع أنها بيضاوية الشكل, وأيضا في حديث شريف لرسول الله صلى الله عليه وسلم يقول فيه: حدثني عن مالك عن إسحاق بن عبد الله بن أبي طلحة الأنصاري عن أنس بن مالك أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: الرؤيا الحسنة من الرجل الصالح جزء من ستة وأربعين جزءا من النبوة. كذا وقع في أكثر الأحاديث وفي حديث أبي هريرة عند مسلم جزء من خمسة وأربعين. ووقع عند مسلم أيضا من حديث ابن عمر (جزء من سبعين جزءا) وعند الطبراني عن ابن مسعود (جزء من ستة وسبعين)، وأخرج ابن عبد البر عن أنس (جزء من ستة وعشرين)، وفي رواية (جزء من خمسين جزءا من النبوة)، وفي رواية (جزء من أربعين)، وفي رواية (جزء من أربعة وأربعين)، وفي رواية (جزء من تسعة وأربعين)، فلماذا هذا التعارض في أحاديث الرسول عليه الصلاة والسلام، فأرجو إعطائي الإجابات المقنعة, فكلما أتذكر هذه المواضيع يضيق صدري؟ وشكرا جزيلا لكم.
الإجابــة
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعـد:
فلا يمكن أن تتعارض حقيقة علمية مع نصوص الوحي الثابتة، لأن الوحي من عند الله تعالى وهو سبحانه وتعالى خالق هذا الكون: ألا يعلم من خلق وهو اللطيف الخبير {الملك:14}، ولذلك فإن كلمة "دحا" في الآية الكريمة لا تتعارض مع كون الأرض كروية الشكل أو بيضوية، لأن الدحو والبسط هنا هو حسب ما يبدو للرائي... وللمزيد من الفائدة والتفصيل انظر الفتوى رقم: 22383، والفتوى رقم: 54842 وما أحيل عليه فيهما.
وأما روايات الحديث المختلفة -وهي أكثر مما ذكرت وبعضها تكلم فيه- فقد أجاب عنها أهل العلم: بأن المراد من الحديث بمختلف رواياته تعظيم رؤيا المؤمن الصالح... وتحقيق أمر الرؤيا وأنها مما كان الأنبياء عليه، وأنها جزء من أجزاء العلم الذي كان يأتيهم والأنباء التي كان ينزل بها الوحي عليهم... وأن النبوة جاءت بالأمور الواضحة وفي بعضها ما يكون فيه إجمال وغموض مع كونه مبينا في موضع آخر، وكذلك المرائي منها ما هو صريح لا يحتاج إلى تأويل ومنها ما يحتاج إليه، فالذي يفهمه العارف من الحق الذي يعرج عليه منها جزء من أجزاء النبوة، وذلك الجزء يكثر مرة ويقل أخرى بحسب فهمه، فأعلاهم من يكون بينه وبين درجة النبوة أقل ما ورد من العدد، وأدناهم الأكثر من العدد ومن عداهما يكون بين ذلك، فبما أن الأنبياء نبوتهم متفاوتة والله تعالى فضل بعضهم على بعض، فكذلك رؤيا المؤمن. انتهى ملخصا من فتح الباري.
هذا وبإمكانك الرجوع إلى كتاب فتح الباري للاطلاع على أكثر من هذا، وإذا لم تستوعبه فلا تضق ذرعا ودعه إلى ما تستطيع استيعابه كما قال الحكيم: إذا لم تستطع شيئا فدعه * وجاوزه إلى ما تستطيع.
والله أعلم.