السؤال
أنا طالبة فى كلية الطب وعندي 23 سنة أرتدي الحجاب ولكن لست منتقبة، وعندما عرضت على أبي أن أرتدي النقاب رفض بشدة وقال لي عندما تتزوجي، ولكني جئت فى يوم من الأيام واشتريت النقاب وقلت سوف ألبسه وعندما علم أبي حلف بالطلاق أني لا أرتديه وعندما هددتهم أني سأترك الكلية حدثت مشاكل فى البيت لا توصف، وبالأخص عندما رأى أبي أني أهدد بترك الكلية وأنا قد اقتربت على السنين النهائية من الكلية وكان حلم أبي دائما أن أصبح طبيبة، وصمم أبي على أن أكمل الدراسة وقالوا لي إن طاعة الوالدين فرض أما النقاب ففيه خلاف والأولى أن أطيع أبي أمي، ففعلت وخرجت إلى الكلية لأكمل دراستي، ولكنى إلى الآن أريد أن ألبس النقاب ولكني لا أستطيع أن أقف أمام أبي وأمي أكثر من ذلك، فهل أنا بذلك أعتبر أمام الله سافرة ومتبرجة، على العلم بأني ساترة لجميع جسدي حتى الكفين ما عدا وجهي، وأريد أن أوضح أن أبي رجل محترم وعدم موافقتة على النقاب هو خوفة علي من النواحي الأمنية وأعتقاده أني بذلك لن أستطيع أن أعمل ولا أتزوج، وعندما أحاول أن أفتح معه موضوع النقاب يثور ويقول لقد انتهينا من هذا الموضوع وقد صدر مني يمين الطلاق وانتهى الأمر، فتوقفت على أن أفاتحه في هذا الأمر، واكتفيت أن أدعو الله أن يمن علي بلبس النقاب، فهل أنا بذلك متبرجة وسافرة؟
الإجابــة
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعـد:
فالنقاب الذي يغطي الوجه كله -ما سوى العينين- مأمورة به المرأة، ذلك لأن وجه المرأة يجمع محاسنها وهو أشد مواضع المرأة فتنة، وأجمع الفقهاء على وجوب تغطيته زمن الفتنة، وقد أمر الله جل وعلا بستر الوجه، قال تعالى: وليضربن بخمرهن على جيوبهن.. {النور:31}، فأمرها أن ترخي الخمار من الرأس إلى الجيب الذي هو فتحة الصدر، وإذا تدلى من الرأس ستر الوجه والجيب، ولما سئل ابن عباس رضي الله عنهما عن قوله تعالى: يدنين عليهن من جلابيبهن. غطى وجهه وأبدى عينا واحدة. فهذا يدل على أن المراد بالآية تغطية الوجه، وقد سبق الكلام على أدلة وجوب النقاب بالتفصيل في الفتوى رقم: 8287.
وكان الأولى والأجدر بهذا الأب أن يعين ابنته على الستر والفضيلة لا أن يقف عثرة أمام انقيادها لأوامر الله سبحانه، وما يعتذر به هذا الأب عذر قبيح فإن الأرزاق جميعها بيد الله والزواج بيد الله، ومتى كانت طاعة الله تحجب الأرزاق أو تجلب المخاوف؟!! إن طاعة الله هي الباب الواسع للرزق والأمن والحياة المطمئنة الكريمة، قال سبحانه: من عمل صالحا من ذكر أو أنثى وهو مؤمن فلنحيينه حياة طيبة {النحل:97}، وقال سبحانه: فمن يؤمن بربه فلا يخاف بخسا ولا رهقا {الجن:13}.
فعليك أيتها السائلة أن تعلمي أباك بفرضية النقاب ووجوب ستر الوجه لعله أن يستجيب، فإن لم يستجب لذلك فلا تطيعيه فيما يأمرك به لأنه لا طاعة لمخلوق في معصية الخالق.
فإن أكرهك على الخروج للدراسة بدون النقاب فليس عليك إن شاء الله إثم في خلع النقاب، ولا تعتبرين متبرجة ولا سافرة، بل أنت حينئذ مكرهة، والله سبحانه يقول: وقد فصل لكم ما حرم عليكم إلا ما اضطررتم إليه {الأنعام:119}، ومعلوم أن المكره الذي بلغ به الإكراه حد سلب القدرة والاختيار يصير غير مكلف بالفعل أصلا.
جاء في شرح الكوكب المنير: قال ابن قاضي الجبل: إذا انتهى الإكراه إلى سلب القدرة والاختيار، فهذا غير مكلف. انتهى.
فثبت بهذا أن ما لا تستطيعينه لم يكلفك الشرع به أصلا وإنما كلفك الشرع بما تستطيعين، قال سبحانه: لا يكلف الله نفسا إلا وسعها {البقرة:286}، وقال سبحانه: فاتقوا الله ما استطعتم {التغابن:16}، وقد قال رسول الله صلى الله عليه وسلم كما جاء في صحيح مسلم: فإذا أمرتكم بشيء فأتوا منه ما استطعتم.
جاء في شرح النووي: هذا من قواعد الإسلام المهمة، ومن جوامع الكلم التي أعطيها صلى الله عليه وسلم، ويدخل فيه ما لا يحصى من الأحكام كالصلاة بأنواعها، فإذا عجز عن بعض أركانها أو بعض شروطها أتى بالباقي، وإذا عجز عن بعض أعضاء الوضوء أو الغسل غسل الممكن.. إلى أن قال: وهذا الحديث موافق لقول الله تعالى: فاتقوا الله ما استطعتم. انتهى..
لكن عند زوال الإكراه عليك بالمبادرة للبس النقاب، وللفائدة في ذلك تراجع الفتاوى ذات الأرقام التالية: 51300، 39636، 61789.
والله أعلم.