الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعـد:
فإن من الأمور الخارجية التي تفسد العلاقة بين الأزواج الحسد والعين والسحر, أما الحسد فهو مرض قلبي من أمراض القلوب, يصيب الحاسد والمحسود معا، أما الحاسد فإنه يأخذه الهم والغم، بل ربما يجن ويأخذه الخبال حسدا لنعمة عند غيره، ولذا قال الحسن البصري رحمه الله: ما رأيت ظالما أشبه بمظلوم من حاسد نفس دائم وحزن لازم وعبرة لا تنفد. انتهى.
وقال بعض السلف: الحسد داء منصف، يفعل في الحاسد أكثر من فعله بالمحسود.
وقال الفقيه المعروف أبو الليث السمرقندي ـ رحمه الله تعالى ـ : يصل الحاسد خمس عقوبات قبل أن يصل حسده إلى المحسود، أولها: غم لا ينقطع، وثانيها: مصيبة لا يؤجر عليها، وثالثها: مذمة لا يحمد عليها، ورابعها: سخط الرب، وخامسها: يـغـلـق عنه باب التوفيق.
وقال علي بن أبي طالب رضي الله عنه:
لله در الحسد ما أعدله * بدأ بصاحبه فقتله.
وأما المحسود فإنه قد يصاب بضرر بالغ جراء الحسد, وغالبا ما يكون هذا الأثر مماثلا للأثر الذي تحدثه العين.
جاء في تفسير أضواء البيان: ويشتركان - الحسد والعين - في الأثر، ويختلفان في الوسيلة والمنطلق، فالحاسد: قد يحسد ما لم يره، ويحسد في الأمر المتوقع قبل وقوعه، ومصدره تحرق القلب واستكثار النعمة على المحسود، وبتمني زوالها عنه أو عدم حصولها له وهو غاية في حطة النفس، والعائن: لا يعين إلا ما يراه والموجود بالفعل، ومصدره انقداح نظرة العين، وقد يعين ما يكره أن يصاب بأذى منه كولده وماله. انتهى.
وقال ابن القيم –رحمه الله – في بدائع الفوائد: والعائن والحاسد يشتركان في شيء ويفترقان في شيء فيشتركان في أن كل واحد منهما تتكيف نفسه وتتوجه نحو من يريد أذاه فالعائن تتكيف نفسه عند مقابلة المعين ومعاينته والحاسد يحصل له ذلك عند غيب المحسود وحضوره أيضا .. انتهى.
وأما العين فهي النظرة إلى الشيء على وجه الإعجاب والإضرار به وهي حق, كما في الحديث قوله صلى الله عليه وسلم: العين حق، ولو كان شيء سابق القدر سبقته العين. رواه مسلم.
وفي مسند أحمد عن أبي أمامة بن سهل بن حنيف: أن أباه حدثه أن النبي صلى الله عليه وسلم قال لعامر بن ربيعة لما حسد سهل بن حنيف: علام يقتل أحدكم أخاه, هلا إذا رأيت ما يعجبك بركت. صححه الأرناؤوط.
يقول ابن جبرين – حفظه الله – العين: هي النظرة إلى الشيء على وجه الإعجاب والإضرار به، وإنما تأثيرها بواسطة النفس الخبيثة، وهي في ذلك بمنزلة الحية التي إنما يؤثر سمها إذا عضت واحتدت، فإنها تتكيف بكيفية الغضب والخبث، فتحدث فيها تلك الكيفية السم، فتؤثر في الملسوع، وربما قويت تلك الكيفية واتقدت في نوع منها ، حتى تؤثر بمجرد نظرة ، فتطمس البصر، وتسقط الحبل، فإذا كان هذا في الحيات، فما الظن في النفوس الشريرة الغضبية الحاسدة، إذا تكيفت بكيفيتها الغضبية، وتوجهت إلى المحسود، فكم من قتيل ! وكم من معافى عاد مضني البدن على فراشه ! يتحير فيه الأطباء الذين لا يعرفون إلا أمراض الطبائع، فإن هذا المرض من علم الأرواح، فلا نسبة لعالم الأجسام إلى عالم الأرواح، بل هو أعظم وأوسع وعجائبه أبهر، وآياته أعجب. انتهى.
وبناء على ذلك فقد يكون ما حدث من طلاق وانفصال بين هذه المرأة وزوجها إنما هو بسبب حسد, أو عين أو سحر, وقد يكون بسبب آخر, فإنا لا نستطيع الجزم بتحديد سبب بعينه، لكن الذي نستطيع الجزم به هو أن هذه الأمور لها دور في زوال النعم والخيرات, وحلول المصائب والبليات.
ولمعرفة خطورة الحسد والعين والسحر وكيفية العلاج نرجو مراجعة الفتاوى ذات الأرقام التالية: 7976 ، 28793 ، 60924 ، 25592 .
والله أعلم.