السؤال
إشارة إلى الفتوى رقم 100226 والمتضمنة كلاما حول نشر الإسلام وإنني أفهم من هذه الفتوى أن الإسلام انتشر بحد السيف وليس كما نشرت المسيحية بدون حروب ولا إكراه ولا إلغاء ما جاء قبلها حيث كتب عندهم على لسان عيسى بن مريم عليه السلام إني جئت لأكمل وليس لأنقض وذلك كما جاء في الفتوى رقم 73832 والفتوى رقم 76362 والفتوى رقم 7636 والفتوى رقم 39284 والآيات التالية من سورة البقرة 256 وسورة أهل الكهف 29 وأني أفهم من هذا كله أن الإسلام شطب كل ما جاء قبله ماعدا الديانات الوثنية لأنه لا يوجد أي شيء يدل على ذلك وأبادت كل من يؤمن بها. أرجو التعليق على هذا وأرشدني إلى الطريق الصحيح وبكل صراحة، ولكم مني كل شكر واحترام؟
الإجابــة
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعـد:
فنشكر السائل على تصفحه لموقعنا والاطلاع على الفتاوى المنشورة عليه، ونرجو منه المواصلة ونوصيه بتقوى الله تعالى والتثبت في النقل والتفهم لما يقرأ؛ فإن بعض الفتاوى التي استشهد بها لا علاقة لها باستشكاله بل ولا بالموضوع كله مثل: 7636 وبعضها حمله على غير محمله أو لم يفهمه على حقيقته.
وبخصوص السؤال ؛ فإن الفكرة التي عند السائل عن الإسلام وحقيقته غير صحيحة ، فنرجو منه أن يفهم أن دين الإسلام هو دين الله- عز وجل الذي تعبد به عباده وبعث به أنبياءه وتوالت رسل الله للدعوة إليه بداية بأبي البشرية (آدم عليه السلام) وانتهاء بخاتم الأنبياء محمد صلى الله عليه وسلم كما قال تعالى: إن الدين عند الله الإسلام {آل عمران:19}، وقال تعالى : وما أرسلنا من قبلك من رسول إلا نوحي إليه أنه لا إله إلا أنا فاعبدون {الأنبياء:25}، وقال تعالى: شرع لكم من الدين ما وصى به نوحا والذي أوحينا إليك وما وصينا به إبراهيم وموسى وعيسى أن أقيموا الدين ولا تتفرقوا فيه {الشورى:13} وكما قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: أنا أولى الناس بعيسى، الأنبياء أبناء علات.. الحديث رواه مسلم وغيره.
فكل الأنبياء جاءوا بالدعوة إلى توحيد الله والمحافظة على الدين والنفس والعقل والمال والعرض والأخلاق.. وإنما اختلفوا في المسائل الفرعية والتفاصيل الجزئية بما يتلاءم ويصلح لزمان كل واحد منهم أو مكانه وطبيعة قومه، كما قال تعالى: لكل جعلنا منكم شرعة ومنهاجا {المائدة:48}.
فلما بلغت البشرية رشدها بتوالي الرسالات السماوية، وتراكم التجارب البشرية على مر التاريخ ختم الله تعالى رسالات الأنبياء ووحي السماء ببعثة محمد صلى الله عليه وسلم، فلم يكن بدعا من الرسل، وإنما جاء مجددا ومكملا لرسالة الإسلام الخالدة التي بعث بها الأنبياء قبله، وجاءت شريعته ناسخة للشرائع قبله فهي الشريعة الباقية إلى أن يرث الله الأرض ومن عليها، فلا نبي بعده كما قال صلى الله عليه وسلم: إن مثلي ومثل الأنبياء من قبلي كمثل رجل بنى بيتا فأحسنه وأجمله إلا موضع لبنة من زاوية فجعل الناس يطوفون به ويعجبون له ويقولون هلا وضعت هذه اللبنة! قال: فأنا اللبنة وأنا خاتم النبيين.
ومن هنا كان لا بد من تبليغ دين الله تعالى لعباده، وإقامة الحجة عليهم دون إكراه عليه من أحد أو منع من أحد؛ فمن شاء منهم بعد ذلك آمن به ، ومن شاء كفر به ، حتى لا تكون لهم بعد ذلك حجة على الله ولا على رسله وأتباعهم كما قال تعالى: رسلا مبشرين ومنذرين لئلا يكون للناس على الله حجة بعد الرسل وكان الله عزيزا حكيما {النساء:165}
ومن هذا المنطلق كان النبي- صلى الله عليه وسلم - يرسل الرسائل إلى الملوك والأمراء، ويقول لهم: تعالوا إلى كلمة سواء بيننا وبينكم ألا نعبد إلا الله ولا نشرك به شيئا ولا يتخذ بعضنا بعضا أربابا من دون الله {آل عمران:64} وقد حمل صحابته الكرام ومن تبعهم هذا الدين إلى شعوب الأرض لنفس الغرض، فكانوا يقولون لهم : جئنا لنخرج العباد من عبادة العباد إلى عبادة الله وحده، فمن استجاب لهم فله ما لهم وعليه ما عليهم، ومن سالمهم وخلى سبيلهم لتبليغ رسالة الله تركوه وشأنه، ومن وقف في طريقهم ومنعهم من تبليغ رسالتهم قاتلوه حتى يوصلوا رسالتهم إلى عباد الله.
وبما أن الإسلام دين الفطرة الذي يلبي حاجات النفس البشرية الظاهرة والباطنة، المادية والروحية، وقد حمله رجال مخلصون صدقوا ما عاهدوا الله عليه، وطبقوه على أنفسهم وفي واقع حياتهم، فقد انجذب الناس إليه بمختلف طبقاتهم وأجناسهم وألوانهم انجذاب السيل إلى المنحدر، فدخلوا في دين الله أفواجا.
فهذا هو السر في انتشار الإسلام حقيقة، وليس حد السيف كما يزعم أعداؤه.
وأما كون الإسلام شطب كل ما جاء قبله ما عدا الديانات الوثنية فغير صحيح، ويبدو من خلاله أن المعلومات التي عند السائل عن الإسلام مشوهة، فالوثنيون هم أبعد الناس عن الإسلام وأهله، بخلاف أهل الكتاب ( اليهود والنصارى) فإنهم أقرب إلى المسلمين من غيرهم، وقد خصهم الإسلام بجملة من الأحكام دون غيرهم من أصحاب الملل والنحل الأخرى.
والله أعلم .